أبرع‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬قائمة‭ ‬من‭ ‬الأطباق‭ ‬المعقدة‭ ‬نسبياً،‭ ‬لكنني‭ - ‬بصراحة‭ - ‬أجهل‭ ‬الطريقة،‭ ‬والمقادير‭ ‬الدقيقة،‭ ‬لإعداد‭ ‬‮«‬دلة‮»‬‭ ‬شاي‭ ‬بالحليب‭! ‬

لأنه،‭ ‬وببساطة،‭ ‬ليس‭ ‬لكوب‭ ‬الشاي‭ ‬بالحليب‭ ‬موقع‭ ‬في‭ ‬خارطة‭ ‬طقوس‭ ‬عائلتي‭ ‬اليومية‭. ‬

وهنا‭ ‬كانت‭ ‬ورطتي‭!‬

كان‭ ‬الدور‭ ‬على‭ ‬ولدي‭ ‬‮«‬محمد‮»‬‭ ‬لإحضار‭ ‬الشاي‭ ‬والحليب،‭ ‬ضمن‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬أصدقائه‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭. ‬

اتبعت‭ ‬‮«‬الحدس‮»‬‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬الشاي،‭ ‬وحتى‭ ‬لحظة‭ ‬حمله‭ ‬‮«‬ترامس‮»‬‭ ‬الشاي‭ ‬كنت‭ ‬أجهل‭ ‬النتيجة‭! ‬

طلبت‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يعتذر‭ ‬إلى‭ ‬أصدقائه‭ ‬بالنيابة‭ ‬عني‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يعجبهم‭ ‬الشاي،‭ ‬وأن‭ ‬يخبرهم‭ ‬بأنني‭ ‬أجهل‭ ‬إعداده‭ ‬كما‭ ‬يجب،‭ ‬فعارضني‭ ‬قائلاً‭: ‬

‭- ‬ولماذا‭ ‬أخبرهم‭ ‬بذلك؟‭!‬

‭- ‬ولماذا‭ ‬لا‭ ‬تخبرهم‭ ‬بذلك؟‭!‬

كنت‭ ‬متيقنة‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يخبرهم،‭ ‬وربما‭ ‬سيصوغ‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬التبريرات؛‭ ‬لأنه‭ - ‬كما‭ ‬الآخرون‭ - ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬إعطاء‭ ‬صورة‭ ‬مثالية‭ ‬عن‭ ‬والدته‭. ‬

وجدتني‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬عودتي،‭ ‬بعد‭ ‬توصيله‭ ‬إلى‭ ‬المدرسة،‭ ‬أفكر‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬تعاملنا‭ ‬مع‭ ‬الصورة‭ ‬التي‭ ‬نحاول‭ ‬تقديمها‭ ‬إلى‭ ‬الآخرين‭ ‬عن‭ ‬أنفسنا،‭ ‬وكأن‭ ‬تلك‭ ‬الصورة‭ ‬هي‭ ‬هدفنا‭ ‬الأسمى‭ ‬في‭ ‬الحياة‭! ‬

نحن‭ ‬نرغب،‭ ‬دائماً،‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬صورة‭ ‬مثالية‭ ‬وبراقة‭ ‬عن‭ ‬ذواتنا،‭ ‬متناسين‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬إنساناً‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تجتمع‭ ‬فيه‭ ‬النواقص‭ ‬والعيوب،‭ ‬كما‭ ‬تجتمع‭ ‬فيه‭ ‬المميزات‭ ‬والمواهب،‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬ذلك‭ ‬نحن‭ ‬نلجأ‭ - ‬في‭ ‬النهاية‭ - ‬إلى‭ ‬تلميع‭ ‬صورنا‭ ‬بالكذب‭ ‬والتزييف‭ ‬والتدليس؛‭ ‬لنكون‭ ‬أمام‭ ‬الآخرين‭ ‬الإنسان‭ ‬‮«‬السوبر‮»‬‭! ‬

البعض‭ ‬منا‭ ‬ينطلق‭ ‬في‭ ‬لهاث‭ ‬مستمر،‭ ‬يحاول‭ ‬فيه‭ ‬كسب‭ ‬رضا‭ ‬الآخرين‭ ‬عنه‭ ‬وإعجابهم‭ ‬به‭ ‬بشتى‭ ‬الطرق؛‭ ‬وكله‭ ‬إصرار‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يحوز‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬يمكنه‭ ‬الحصول‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬توصيفات‭ ‬ترضي‭ ‬غروره،‭ ‬وتضعه‭ ‬في‭ ‬مصاف‭ ‬النجوم‭!‬

هناك‭ ‬من‭ ‬يضع‭ ‬إصبعه‭ ‬على‭ ‬نقاط‭ ‬ضعفه،‭ ‬ويحاول‭ ‬سدها‭ ‬بالتعلم‭ ‬والتدرب،‭ ‬لكن‭ ‬الأغلبية‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬ذاتها‭ ‬الكمال‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تشوبه‭ ‬شائبة،‭ ‬متجاوزين‭ ‬بذلك‭ ‬حقيقة‭: ‬أن‭ ‬نصف‭ ‬العلم‭ ‬قول‭: ‬‮«‬لا‭ ‬أعلم‮»‬‭.‬

يقول‭ ‬الكاتب‭ ‬إسلام‭ ‬بوشكيّر‭:‬

بشعة‭ ‬ومدمرة‭ ‬تلك‭ ‬الصورة‭ ‬التي‭ ‬يكوّنها‭ ‬الآخرون‭ ‬عنك؛‭ ‬القوي،‭ ‬الناضج،‭ ‬الحكيم،‭ ‬الرائق،‭ ‬الهادئ،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يخطئ،‭ ‬ولا‭ ‬يتردد،‭ ‬ولا‭ ‬يضعف‭.. ‬العاقل‭ ‬عند‭ ‬الحاجة،‭ ‬والعاطفي‭ ‬عند‭ ‬الحاجة‭.. ‬لا‭ ‬يخذلُ‭ ‬أحداً‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬أمله‭ ‬فيه‭.‬

هذه‭ ‬عقوبة‭ ‬قاسية‭ ‬ومجحفة،‭ ‬وليست‭ ‬امتيازاً‭ ‬أبداً‭..‬