كنت‭ ‬طفلة‭ ‬مبهورة‭ ‬مفتوحة‭ ‬العينين‭ ‬تستمع‭ ‬للحكاية‭ ‬التقليدية‭.. (‬علي‭ ‬بابا‭) ‬يقف‭ ‬عاجزاً‭ ‬أمام‭ ‬جبل‭ ‬ضخم،‭ ‬يهتف‭ ‬عالياً‭: ‬‮«‬افتح‭ ‬يا‭ ‬سمسم»؛‭ ‬فتنفتح‭ ‬المغارة،‭ ‬وتنهمر‭ ‬الكنوز‭! ‬تسأل‭ ‬الطفلة‭ ‬نفسها‭: ‬كيف‭ ‬لبضع‭ ‬كلمات‭ ‬أن‭ ‬تلين‭ ‬الحجر،‭ ‬وتفتح‭ ‬باب‭ ‬العطايا؟‭!.. ‬تكبر‭ ‬ويكبر‭ ‬معها‭ ‬سؤالها؛‭ ‬حتى‭ ‬تلتقيك‭ ‬بقلب‭ ‬أثقلته‭ ‬همومه؛‭ ‬فأحالته‭ ‬صخراً‭ ‬لا‭ ‬يلين،‭ ‬ظنت‭ ‬أنك‭ ‬تملك‭ - ‬مثل‭ (‬علي‭ ‬بابا‭) - ‬تعويذة‭ ‬تصلح‭ ‬لفتحه؛‭ ‬لعلها‭ ‬تجد‭ ‬معك‭ ‬ما‭ ‬ادخرته‭ ‬من‭ ‬كنوزه‭!.. ‬لكن‭ ‬تعويذتك‭ ‬كانت‭ ‬دوماً‭ ‬ناقصة‭.. ‬لا‭ ‬ينفتح‭ ‬لها‭ ‬الباب‭ ‬كاملاً؛‭ ‬فلا‭ ‬ينالنا‭ ‬إلا‭ ‬نظرة‭ ‬متحسرة‭ ‬لما‭ ‬خلفه،‭ ‬لما‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نجنيه‭ ‬معاً‭.. ‬لو‭ ‬نجحنا‭! ‬

هاهي‭ ‬ذي‭ ‬صورة‭ ‬مرآتي‭ ‬تسخر‭ ‬مني‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬أحكي‭ ‬لها‭ ‬الحكاية،‭ ‬تعيّرني‭ ‬بعمري‭ ‬الذي‭ ‬يضيع‭ ‬معك‭ ‬على‭ ‬أرصفة‭ ‬الانتظار،‭ ‬تذكرني‭ ‬بأن‭ ‬الطفلة‭ ‬صارت‭ ‬عجوزاً،‭ ‬تساقطت‭ ‬أسنانها،‭ ‬وشاب‭ ‬شعر‭ ‬الحلم‭ ‬على‭ ‬رأسها،‭ ‬ولايزال‭ ‬باب‭ ‬مغارتها‭ (‬نصف‭ ‬مفتوح‭) ‬بأثر‭ ‬تعويذة‭ ‬ناقصة‭! ‬

يذكرني‭ ‬معطفي‭ ‬الثقيل‭ ‬بالشتاء‭.. ‬ويذكرني‭ ‬الشتاء‭ ‬بك،‭ ‬وأنا‭ ‬أحسب‭ ‬كم‭ ‬مرة‭ ‬افتقدتك‭ ‬مظلتي‭ ‬تحت‭ ‬المطر؛‭ ‬فسرت‭ ‬تحته‭ ‬وحدي‭! ‬

أناملي‭ ‬تتحسس‭ ‬عملة‭ ‬معدنية‭ ‬قديمة،‭ ‬محفوظة‭ ‬في‭ ‬جيبه‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬بعمر‭ ‬فراقنا‭.. ‬كانت‭ ‬ما‭ ‬بقي‭ ‬من‭ ‬ثمن‭ ‬آخر‭ ‬وردة‭ ‬اشتريتها‭ ‬كي‭ ‬أهديك‭ ‬إياها‭! ‬يومها‭ ‬وأنا‭ ‬أرى‭ ‬فرحتك‭ ‬بها‭ ‬أقسمت‭ ‬ألا‭ ‬أضيع‭ ‬ما‭ ‬ظلّ‭ ‬من‭ ‬ذكراها،‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ (‬باقي‭ ‬الثمن‭)! ‬

طوال‭ ‬هذه‭ ‬السنوات،‭ ‬التي‭ ‬هرب‭ ‬فيها‭ ‬العمر‭ ‬بعدك،‭ ‬وأنا‭ ‬أتجنب‭ ‬ارتداء‭ ‬‮«‬المعطف‮»‬،‭ ‬أحبسه‭ ‬في‭ ‬خزانة‭ ‬ملابسي؛‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬تضيع‭ ‬بقايا‭ ‬عطرك‭ ‬فوقه‭! ‬

كم‭ ‬قصة‭ ‬ألفتها‭ ‬لمشهد‭ (‬اللقاء‭ ‬التالي‭) ‬بيننا؟‭!.. ‬كم‭ ‬سيناريو‭ ‬وضعته؟‭!.. ‬كم‭ ‬حذاء‭ ‬ارتديته؟‭!.. ‬كم‭ ‬تصفيفة‭ ‬شعر‭ ‬غيرتها؟‭!.. ‬وكم‭ ‬رقعة‭ ‬سترتها‭ ‬في‭ ‬الثوب‭ ‬الوحيد،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬أظنني‭ ‬سألقاك‭ ‬إلا‭ ‬به؟‭!‬

أجل‭.. ‬بالضبط‭.. ‬الثوب‭ ‬السماوي‭ ‬الذي‭ ‬لطالما‭ ‬أخبرتني‭ ‬أنه‭ ‬يليق‭ ‬بي‭.. ‬فأنا‭ ‬من‭ ‬كانت‭ ‬تليق‭ ‬بها‭ ‬سعة‭ ‬السماء‭ ‬وصفوها‭.. ‬لماذا‭ ‬نسيت‭ ‬أن‭ ‬تخبرني‭ ‬أن‭ ‬السماء‭ ‬تضيق‭ ‬أحياناً؟‭!.. ‬يكدرها‭ ‬الغيم،‭ ‬ويخيفها‭ ‬الرعد،‭ ‬ويرهبها‭ ‬البرق،‭ ‬وتهجرها‭ ‬النجوم،‭ ‬بل‭ ‬ويتبرأ‭ ‬منها‭ ‬القمر؟‭! ‬

ما‭ ‬الذي‭ ‬تغير‭ ‬فيّ‭ ‬هذا‭ ‬العام؟‭!.. ‬رغبة‭ ‬عارمة‭ ‬تكتسحني‭ ‬لأعود‭ ‬إلى‭ ‬المكان‭ ‬نفسه،‭ ‬الذي‭ ‬اعتدت‭ ‬أن‭ ‬أنتظرك‭ ‬فيه،‭ ‬هنا‭ ‬حيث‭ ‬مهدت‭ ‬لي‭ ‬أصابعك‭ - ‬منذ‭ ‬سنوات‭ - ‬مجلساً‭ ‬فوق‭ ‬جدار‭ ‬قديم‭ ‬متهالك‭.. ‬تراك‭ ‬تعود‭ ‬بعدما‭ ‬تعلمت‭ ‬كيف‭ ‬تتم‭ ‬تعويذتك؛‭ ‬كي‭ ‬ينفتح‭ ‬لها‭ ‬الباب‭ ‬كاملاً؟‭!.. ‬هأنذا‭ ‬أنتظرك‭ ‬كما‭ ‬وعدتك‭.. ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬جديلتاي‭ ‬كثيفتين‭ ‬كالسابق‭.. ‬صرت‭ ‬أخفي‭ ‬هزالهما‭ ‬في‭ ‬عقصتهما‭ ‬خلف‭ ‬رأسي‭.. ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬حذائي‭ ‬بسيطاً‭ ‬تزينه‭ ‬جوارب‭ ‬الدانتيل‭ ‬البيضاء؛‭ ‬فقد‭ ‬تعلمت‭ ‬ارتداء‭ ‬الكعوب‭ ‬العالية‭ ‬مهما‭ ‬آذت‭ ‬قدمي‭.. ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬حاجباي‭ ‬عريضين‭ ‬بشعثهما‭ ‬العفوي؛‭ ‬فقد‭ ‬اعتدت‭ ‬وجع‭ ‬ترقيقهما‭.. ‬لا‭ ‬يزعجني‭ ‬كم‭ ‬تغير‭ ‬شكلي،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يخيفني‭ ‬السؤال‭: ‬هل‭ ‬سيعرفني‭ ‬قلبك،‭ ‬ولو‭ ‬أنكرتني‭ ‬عيناك؟‭! ‬

عواء‭ ‬الريح‭ ‬في‭ ‬الفراغ‭ ‬حولي‭ ‬يمنحني‭ ‬الجواب‭!.. (‬علي‭ ‬بابا‭) ‬الخاص‭ ‬بي‭ ‬ضل‭ ‬الطريق‭ ‬إليّ‭.. ‬‮«‬افتح‭ ‬يا‭ ‬سمسم‮»‬‭ ‬صارت‭ ‬صعبة‭ ‬الهجاء‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬أثقلته‭ ‬مبررات‭ ‬تافهة،‭ ‬وحجج‭ ‬أتفه‭.. ‬باب‭ ‬المغارة‭ ‬يناظرني‭ ‬عاتباً‭ ‬أن‭ ‬أنصاف‭ ‬الحلول‭ ‬كنصل‭ ‬حاد‭ ‬يسير‭ ‬عليه‭ ‬القلب‭ ‬حافي‭ ‬القدمين،‭ ‬وأن‭ ‬الباب‭ ‬المغلق‭ ‬أرحم‭ ‬بي‭ ‬من‭ ‬باب‭ (‬نصف‭ ‬مفتوح‭). ‬

اعذرني‭ ‬لو‭ ‬امتلكت‭ ‬الجرأة،‭ ‬أخيراً،‭ ‬لأتخذ‭ ‬قراري‭.. ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬لن‭ ‬أترك‭ ‬لك‭ (‬مفتاح‭ ‬العودة‭) ‬تحت‭ ‬عتبة‭ ‬باب‭ ‬الانتظار‭.. ‬وقد‭ ‬عدت‭ ‬غريباً‭ ‬حُرِّمت‭ ‬عليه‭ ‬كنوز‭ ‬المغارة‭!‬