لطالما كان الخط العربي جزءاً رئيسياً من لغتنا الفنية المرئية؛ فنحن العرب أمة الكلمة. ومع هذا التراث، والإرث الكامل من الشعر الجميل والحكمة والنصوص المقدسة، التي ألهمتنا قروناً بعد قرون، بذل الخطاطون دائماً جهوداً كبيرة لترجمة هذه الرسائل المنطوقة، وتحويلها إلى فن بصري مبدع، واستطاعت الفنانة التشكيلية والخطاطة، نرجس نور الدين، أن تغوص في أعماق هذا الجمال؛ لتنتج أعمالاً إبداعية في العديد من المشاريع التي نفذتها، واللوحات التي وضعت عليها بصماتها؛ فتنقلت كفراشة بين لوحات الخط الكلاسيكي، وروح العصر الحديث، وجمعت لوحاتها بين الرؤى الجمالية للخط العربي، وتنويعات الفن التشكيلي، ومدارسه الحديثة؛ لتحصد الجوائز والتكريمات.. محلياً وعالمياً.

التقت «زهرة الخليج» الفنانة والخطاطة نرجس نور الدين؛ لتضيء على رؤاها وتجربتها في عالم فن الخط العربي، فكان الحوار التالي:

• كيف بدأت علاقتك بالخط؟

- بدايتي كانت مبكرة جداً، ففي مراحل دراستي الأولى، والتعرف إلى الحروف والكلمات، كنت دائماً أبحث عن الخط الجميل، وأحاول أن أقلده وأحسن خطي، وكان هذا شغفي الأكبر بجانب الرسم. في كل مرحلة مررت بها من حياتي، كان حب الخط والكتابة رفيق دربي، وكنت مستمرة في البحث عن الأفضل، وتطوير مهاراتي في الكتابة؛ فكنت أكتب الرسائل لوالدي، رحمه الله، الذي كان له الفضل الأكبر في تطوير مهاراتي، ودعمه الدائم لي كان هو الحافز الأكبر للاستمرار والتحسن.

بين الخط والتشكيل

• هل درست في إحدى مدارس الخط العربي؟ ومن أساتذتك؟ وما أبرز الأسرار التي منحوك إياها؟

- بدأت تعلم الخط العربي بقواعده وأصوله عام 2000. ومن هنا، كانت بداية الاحتراف، ومنذ ذلك الحين عرفت أن هناك فرقاً كبيراً بين جمال الخط والخط العربي بقواعده الصارمة، وأصوله المتجذرة. من معهد الشارقة للخط العربي بدأت، وبعدها ذهبت إلى إسطنبول، وتتلمذت على يد الخطاط الكبير الشيخ حسن جلبي، وداود بكتاش، ثم اتجهت إلى طهران، وتدربت على يد الأستاذ الكبير عباس أخوين، وعند عودتي إلى الدولة أكملت مسيرتي مع أستاذي خالد الساعي، الذي كان له الفضل الكبير في ما وصلت إليه، بدعمه وتوجيهاته الدائمة.

• حدثينا عن تلك العلاقة في لوحاتك بين الخط والفن التشكيلي!

- أحاول أن أعكس على اللوحة ما بداخلي وما أتصوره، فعندما بدأت إدخال الفن التشكيلي في لوحاتي الخطية لم أدرسه أكاديمياً، بل حاولت تجربته بنفسي، وإن أخذ مني الكثير، لكنني راضية عن النتيجة التي وصلت إليها، وأحاول دائماً تطوير مهاراتي وقدراتي في هذا المجال؛ فـ«لوحاتي نتاج تجربتي الشخصية؛ فأنا لا أتبع مدرسة فنية معينة».

• ما أبرز اللوحات الفنية التي تعتزين بها، وما أهم ما قدمته فيها من إبداع؟

- كل لوحة لها قصتها، ولكل حرف وكلمة في لوحاتي تأثير مباشر عليَّ، عندما أكتب في لوحة، كلاسيكية كانت أو حديثة، وكل لوحة عملت عليها أخذت من وقتي وتفكيري الكثير، وأرى الإبداع في كل منها بمختلف اتجاهاتها الحديثة والكلاسيكية، ولا أستثني إحداها.

• ما نوع الخط الذي تفضلينه، والذي يطغى على معظم أعمالك؟

- درست معظم الخطوط، ومنها: الثلث، والنسخ، والمحقق، والفارسي، والرقعة، والكوفي، والديواني الجلي، ومازلت أدرس، وأكتشف المزيد في عالم الخط. لكنني أنجذب إلى الديواني الجلي في معظم أعمالي، ويمكنني أن أقول إنني أتميز به بين زملائي الخطاطين.

أثر التكنولوجيا

• لماذا تراجع الخط العربي في عصرنا الحالي؟

- تراجع أكثر الناس عن الكتابة بالخط العربي، أو على الأصح الكتابة باليد، وأعتقد أن ذلك بسبب التكنولوجيا، التي سهلت للجميع الكتابة، لكن أن نقول إن الخط العربي تراجع فهذا غير صحيح، بل أجد أن هناك تطوراً واضحاً في الخط العربي بعصرنا الحالي.

إقرأ أيضاً:  هند العتيبة: فخورة بنقل قصة نجاح الإمارات
 

• كيف ترين تأثير ذلك في متذوقيه من الأجيال الجديدة؟

- الأجيال الجديدة في الدولة قليلاً ما تتجه إلى الخط العربي؛ لأن دراسة الخط تحتاج إلى وقت وصبر، فلا يتخرج المتدرب في الدورة الأولى خطاطاً، إذ يجب أن يبذل جهداً كبيراً، وسنوات طويلة في دراسة وممارسة الخط دون انقطاع، وأيضاً من المهم جداً أن يطلع على تجارب الآخرين عن قرب، من خلال حضور المعارض والورش المتوفرة في دولتنا، بشكل كبير، لكي يصل إلى المستوى المطلوب.

• حدثينا عن أجواء إهداء «أم الإمارات»، الذي قدمتِهِ إليها في حفل التخرج، وكيف استقبلت الهدية؟

- أثناء حفل تخرجي في الجامعة، تم تكريمي، وخريجات الامتياز مع مرتبة الشرف الأخريات من قِبل سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك (أم الإمارات)، إذ نتمنى جميعاً رؤية ومصافحة سموها. وكان لي، أيضاً، شرف تصميم وتنفيذ هدية سموها في هذه المناسبة، ومن اللحظات التي لا أنساها أبداً، عندما أثنت سموها على عملي، قائلة: «أنا فخورة بك»، ما زادني تحفيزاً وسعياً إلى تقديم الأفضل دوماً.