بفضل إبداعها الاستثنائي، وحسها الاجتماعي، ودعمها قضايا النساء المحرومات؛ استطاعت المصممة اللبنانية، سارة بيضون، الوصول بعلامتها «Sarah's Bag» إلى العالمية وأماكن متقدمة، آخرها التعاون مع علامة «Chloé»؛ لإعادة تخيل حقائب الدار الأيقونية بطريقتها الإبداعية، والتي تحدثنا عنها، وعن مسيرة نجاحها وذكرياتها، لاسيما أن أول حقيبة ابتكرتها، اشترتها منها أمها، وتحتل إطاراً معلقاً في مشغلها هدية منها.. سارة هي الوسطى بين ثلاثة أشقاء، ورغم انفصال والديها، فإنها حصلت على طفولة سعيدة، وكانت إيجابية ومبدعة منذ الصغر، وترى سارة أن الحقيبة هي الرفيقة الأكثر إخلاصاً، ولكل حقيبة قصة.. تحدثنا عن بعضها في هذا الحوار:

• ماذا عن بداياتك بعالم الموضة، لاسيما الحقائب؟

- على الرغم من أنني لم أدرس التصميم، فإنني كنت أعرف دائماً أن لديَّ جانباً إبداعياً، ومع ذلك لم أعتقد مطلقاً أنني سأعمل به، لكن المؤكد هو عشقي للحقائب، أذكر أنني اشتريت في إحدى رحلاتي حقيبة ملونة بشكل لافت، واستمتعت كثيراً بالانتباه الذي حصلت عليه من الناس عند حملها. فالحقيبة هي الرفيقة الأكثر إخلاصاً؛ إذ تبقى برفقتك طوال اليوم، وتحافظ على أغلى ما تملكين، وحقيبة المرأة تتحدث عنها، وتعكس وضعها الاجتماعي ومعتقداتها في قضية ما، وهي أسهل طريقة لإضفاء الإثارة على أسلوبك.

الحقيبة الأولى

• هل تذكرين الحقيبة الأولى التي قمت بتصميمها؟ ومِمَّ صُنعت؟ وما لونها؟

- إنجازي الأول كان حقيبة يد صغيرة مطرزة مع وردة زهرية كبيرة على خلفية سوداء، عملت على الحقيبة بنفسي؛ لمعرفة الوقت الذي سيحتاج إليه الحرفي في صنعها ومتابعته، وعندما أنجزتها اشترتها والدتي مني، فكانت الزبونة الأولى. بعد سنوات، وضعتها في إطار لتصبح لوحة، وقدمتها لي حيث أضعها اليوم في مشغلي؛ لتذكرني ببداياتي المتواضعة.

• لماذا اخترت أن يكون مشروعك اجتماعياً؟

- أطلقت علامة «Sarah’s Bag»؛ لأنني أردت إنشاء مشروع يساعد النساء المحرومات والسجينات على إعادة بناء حياتهن. قبل 23 عاماً، كنت أقوم بدراساتي العليا في علم الاجتماع، وأجريت بحثاً ميدانياً لأطروحة الماجستير الخاصة بي. كنت أعمل مع منظمة غير حكومية محلية (دار الأمل)، التي تعلم النساء المعرضات للخطر المهارات التي تسمح لهن بكسب لقمة العيش. لقد ألهمني عملي مع هؤلاء النساء لبدء عمل تجاري من شأنه تمكينهن ومنحهن الاستقلال المالي. بدأت «Sarah’s Bag» كمشروع اجتماعي، أتاح لي الجمع بين شغفي بالموضة والتصميم والرغبة في إحداث تغيير بحياة النساء المحرومات في لبنان.

• تقولين إن وراء كل حقيبة قصة، ما القصص الأقرب إليك.. منذ البدايات وحتى اليوم؟

- أعمل مع مجموعة نساء مختلفات، لديهن قصص مختلفة يروينها. ماريا، إحدى النساء اللواتي التقيتهن، استطاعت تغيير حياتها من خلال العمل معنا. التقيت ماريا عام 2001، خلال زيارتي الأولى إلى سجن بعبدا، كانت هادئة وخجولة، ولم تعمل بالخياطة قط في حياتها، وهي من عائلة دينية محافظة، وتخرجت في الجامعة بشهادة في الأدب العربي، وهي في السجن بسبب توقيعها على أوراق بدلاً من خطيبها، بناءً على طلبه. تقول ماريا إنها كانت ساذجة للغاية؛ لأن هذه الأوراق جعلتها فعلياً مسؤولة عن ديونه بسبب اختفائه، وأصبحت مثقلة بالديون، وحكم عليها بالسجن 6 أشهر. بعد فترة وجيزة من بدء ماريا العمل مع «Sarah’s Bag»، بدأت في وضع المال جانباً؛ تحسباً لإطلاق سراحها. بعد قضاء عقوبتها، واصلت العمل مع الشركة، وشجعناها على تعليم مهاراتها لنساء أخريات في مسقط رأسها. أصبحت ماريا قائدة فريق (مجموعة) من النساء، وعضواً محترماً في مجتمعها، وبدأت بالتعامل مع حقائب الخط العربي المعقدة تقنياً، وأصبحت تخصصها.

• خلال «الجائحة»، أطلقت مجموعة من الملابس والقفاطين لاقت إقبالاً كبيراً، ماذا في تفاصيلها؟ ولماذا اخترت هذا التوقيت بالذات لإطلاقها؟

- خلال «الوباء»، تعرضت العلامة التجارية لانتكاسة كبيرة، حيث لم يكن أحد يشتري الحقائب، ولم يذهب أحد إلى أي مكان؛ لذلك لم تكن الحقائب عنصراً ضرورياً؛ فقررنا التوسع أفقياً، من خلال ابتكار فئة جاهزة للارتداء، تتكيف مع المواسم والمتطلبات.. ملابس نوم، وملابس بحر في الصيف، وملابس خارجية في الشتاء، وتدمج أعمالنا اليدوية المميزة في التصميم، وتمثل هذه الإضافة اليوم حوالي 40% من المبيعات، وقد أثبتت هذه الانتكاسة أنها نعمة مقنعة.

إبداع.. وانتشار

• حدثينا عن تعاونك الأخير مع «Chloé».. كيف حصل؟ وعن حقيبة «Woody style tote» التي أعدتِ ابتكارها؟ وهل من لمحة عن الآتي مع «Chloé»؟

- في الواقع، بدأ اتصالنا بـ«Chloé»، عندما كانت ناتاشا رامزي ليفي مديرة الإبداع. ولطالما احتلت الاستدامة الاجتماعية المقدمة عند «Chloé» في كل ما تفعله؛ تماماً مثلنا في «Sarah’s Bag»؛ ما جعلنا شريكاً جيداً لهم من حيث الصنعة الحرفية القائمة على دعم المرأة والنهوض بها. أنشأنا تصميمين لشركة «Chloé» لموسم خريف/‏شتاء 2022-23. حقيبة «Nano Woody» المعاد تخيلها مصنوعة بالكامل من الكروشيه بواسطة الحرفيين لدينا. وتم تصنيع 200 قطعة، وتم بيع أول 100 قطعة خلال الأيام القليلة الأولى من الإطلاق، وفرحنا كثيراً بذلك! ويتطلب إنشاء الحقيبة من 26 إلى 28 ساعة من عمل الكروشيه، ثم 3 ساعات للتجميع. وكانت «Nano Edith»، التصميم الثاني الذي تم تنفيذه، وكان أكثر تعقيداً، حيث استغرق أكثر من 41 ساعة من العمل، وتطلّب التجميع بواسطة حرفي ماهر لـ23 قطعة فردية من الكروشيه.

• ما لحظة الموضة العالمية الأهم بالنسبة لك، التي عززت - في رأيك - انتشار «البراند»؟

- رغم أن شعبية مجموعتنا «Pop Up»، عام 2015، كانت بمثابة نجاح للعلامة التجارية، وجعلتنا مرئيين على الساحة الدولية، فإن اللحظة التي أعتز بها أكثر كانت عام 2005، عندما ارتدت الملكة رانيا العبدالله، ملكة الأردن، حقيبة الخط الخاصة بنا في حفل زفاف أمير إسبانيا، وظهرت في جميع الصحف الدولية، خاصة أن هذه الحقيبة - بالذات - صنعت يدوياً من قبل سيدة في السجن، وتلبسها امرأة تناضل من أجل حقوق المرأة، إذ تمثل الملكة رانيا المرأة العربية العصرية بأسلوب أنيق.. إنه لشرف كبير أن أراها تحمل حقيبة «سارة».

• ما الذي يجذب شهيرات العالم لاختيار حقائب «Sarah’s Bag»؟

- إن وجود بيونسيه، والملكة رانيا ملكة الأردن، والمحامية الموقرة أمل كلوني، وملكة هولندا ماكسيما، والممثلة والمخرجة اللبنانية نادين لبكي، والمهندسة المعمارية الراحلة زها حديد، بين النساء الرائعات لاختيار العلامة التجارية، هو مصدر فخر كبير لي. تتمتع امرأة حقيبة «Sarah's Bag» بمواكبة الموضة؛ إذ إنها تستمتع بها وهي مبدعة ومعبرة وجريئة. وتجد إحساساً بالهدف والتمكين عندما تشتري حقائبنا؛ لأنها تعلم أنها تساهم بشكل إيجابي في حياة النساء المحرومات؛ فكل امرأة تحمل حقائبنا تتأثر؛ لأنها تحمل قصتنا معها.

• ما الإبداع بالنسبة لك؟

- الإبداع يعني رؤية العالم بشكل مختلف.

إقرأ أيضاً:  لأول مرة في أبوظبي.. عازف البيانو أرتورو أوفاريل
 

• بعد أن وصلت إلى العالمية، إلى ماذا تطمحين بعد؟

- أنا فخورة جداً بتنمية الأعمال التجارية دون المساس بجوهرنا الأساسي، والبقاء على قيد الحياة! منذ نهاية عام 2019، نواجه كارثة تلو أخرى في لبنان؛ فقد انهار اقتصادنا وعملتنا، كما دُمّر متجرنا ومشغلنا بالانفجار الهائل الذي وقع في أغسطس 2020، وسوّى ثلث بيروت بالأرض. أتمنى، حقاً، المثابرة والاستمرار بمهمتنا المتمثلة في تمكين المرأة؛ لأن الأعمال التجارية، مثل أعمالنا، مطلوبة أكثر من أي وقت مضى في هذه الأوقات المضطربة.