منذ‭ ‬نشأتنا‭ ‬ونحن‭ ‬صغار،‭ ‬وحتى‭ ‬الآن،‭ ‬ووزارة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬تحمل‭ ‬هذا‭ ‬الاسم،‭ ‬الذي‭ ‬يلخص‭ ‬الهدف‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬تعمل‭ ‬الوزارة،‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬الإمارات‭ ‬فقط،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬بمجتمعاتنا‭ ‬العربية؛‭ ‬ولأن‭ ‬العملية‭ ‬التعليمية‭ ‬هي‭ ‬عملية‭ ‬بنيوية‭ ‬في‭ ‬مراحلها‭ ‬الأولى،‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬البناء‭ ‬العقلي‭ ‬والعاطفي‭ ‬للطفل،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تبني‭ ‬سلوكيات‭ ‬الطفل،‭ ‬وتربي‭ ‬مفاهيمه‭ ‬القِيَمية‭ ‬على‭ ‬ثقافة‭ ‬المجتمع،‭ ‬وهويته‭ ‬الأصلية‭. ‬والعملية‭ ‬التعليمية،‭ ‬قديماً،‭ ‬كان‭ ‬يتشارك‭ ‬فيها‭ ‬طرفان‭ ‬أساسيان،‭ ‬هما‭: ‬المدرسة،‭ ‬والأسرة،‭ ‬اللتان‭ ‬كان‭ ‬لهما‭ ‬التأثير‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬تنمية‭ ‬أخلاقيات‭ ‬الطفل،‭ ‬وتنشئته‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬المجتمعية‭.‬

في‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية،‭ ‬شاركَ‭ ‬المدرسة‭ ‬والأسرة‭ ‬شريكٌ‭ ‬بدأ‭ ‬على‭ ‬استحياء،‭ ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬التطور‭ ‬تنامت‭ ‬قوته،‭ ‬وأصبح‭ ‬شريكاً‭ ‬رئيسياً‭ ‬وفاعلاً،‭ ‬هو‭ ‬شبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬التي‭ ‬تمتلك‭ ‬صفة‭ ‬الإبهار‭ ‬البصري‭ ‬والعاطفي‭ ‬والعقلي،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المرونة‭ ‬والتنوع‭ ‬والإثارة‭ ‬العاطفية‭ ‬والمعرفة‭ ‬الخالية‭ ‬من‭ ‬العمق،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬ترهق‭ ‬العقل‭ ‬بالتفكير،‭ ‬وطرح‭ ‬الأسئلة‭ ‬والأجواء‭ ‬التي‭ ‬تخلقها‭ ‬وتحيط‭ ‬بها‭ ‬عالم‭ ‬الطفل؛‭ ‬لتتفوق‭ - ‬في‭ ‬درجة‭ ‬الإبهار‭ ‬والجذب‭ - ‬على‭ ‬المدرسة‭ ‬وعلى‭ ‬الأسرة،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬تقنيات‭ ‬االميتافيرسب،‭ ‬التي‭ ‬مازالت‭ ‬في‭ ‬البدايات،‭ ‬ولم‭ ‬تنتشر‭ - ‬بَعْدُ‭ - ‬بالصورة‭ ‬التي‭ ‬تحولها‭ ‬إلى‭ ‬قوة‭ ‬مؤثرة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الافتراضي؛‭ ‬فأصبح‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬يحتل‭ ‬مكانة‭ ‬الوزارة‭ ‬والأسرة،‭ ‬بتولي‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬مهمة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭.‬

والسؤال‭ ‬الذي‭ ‬أطرحه،‭ ‬والذي‭ ‬قد‭ ‬يبدو‭ ‬للبعض‭ ‬أنه‭ ‬بعيد،‭ ‬ولكن‭ ‬كم‭ ‬من‭ ‬الافتراضات‭ ‬التي‭ ‬ظنناها‭ ‬بعيدة‭ ‬وفي‭ ‬طرفة‭ ‬عين‭ ‬تصبح‭ ‬واقعاً‭ ‬يتوغل‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭: ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬هذا‭ ‬التوغل‭ ‬إلى‭ ‬فصل‭ ‬التربية‭ ‬عن‭ ‬التعليم،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬تحول‭ ‬المدارس‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬كيانات‭ ‬شبه‭ ‬تعليمية‭ ‬فقط،‭ ‬ومع‭ ‬تزايد‭ ‬المدارس‭ ‬ذات‭ ‬المناهج‭ ‬الأجنبية،‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬تشكل‭ ‬النسبة‭ ‬الكبرى‭ ‬من‭ ‬المدارس؟‭.. ‬والراصد‭ ‬للواقع‭ ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬العملية‭ ‬التربوية‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تحتل‭ ‬الصدارة‭ ‬في‭ ‬الرحلة‭ ‬التعليمية،‭ ‬بل‭ ‬تتراجع،‭ ‬وأخشى‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭ ‬هذا‭ ‬التراجع؛‭ ‬اتكاءً‭ ‬على‭ ‬تربية‭ ‬أسرية‭ ‬أيضاً‭ ‬متراجعة‭ ‬أمام‭ ‬تربية‭ ‬العالم‭ ‬الافتراضي‭ ‬المبهرة،‭ ‬التي‭ ‬تجذب‭ ‬الأطفال‭ - ‬مثل‭ ‬الفراشات‭ - ‬ليحترقوا‭ ‬بنار‭ ‬التربية‭ ‬العشوائية،‭ ‬والهويات‭ ‬المشوّهة‭!.. ‬من‭ ‬هنا،‭ ‬ألفت‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬التربية‭ ‬القيمية‭ ‬والإنسانية،‭ ‬والتفات‭ ‬المدرسة‭ ‬والأسرة‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬بناء‭ ‬المنظومة‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والقيمية‭ ‬واالهوياتيةب‭ ‬للطفل‭ ‬لصالح‭ ‬المنظومة‭ ‬المعرفية‭.. ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬الطائر‭ ‬لا‭ ‬يتزن‭ ‬في‭ ‬طيرانه‭ ‬إلا‭ ‬بجناحيه‭ ‬معاً‭!‬