بلغت «أماني» سن الأربعين.. والأربعون زهر الياسمين في الشعر والنثر والقوافي. لكن، كل من حولها، يخبرها بأنها تقدمت في السنّ، ووضع الأهداف الجديدة لحياتِها بات أصعب من قبل، لا بل شبه مستحيل. هي سنة جديدة تبدأ بعد أعوام عجاف مرّت بها.. خسرت والدها.. خسرت عملها.. خسرت أصدقاء ظنتهم أبديين سرمديين.. وبالها مشغول كثيراً بين الإذعان لعمرٍ بات وراءها، أو الإقدام نحو مستقبل تريده مختلفاً. تبدو قلقة أحياناً، سلبية غالباً. وهناك صوت في داخلها يدعوها إلى عدم الاستسلام، والتفكير بإيجابية. هو صوتٌ يلازمها مثل ظلّها مبلبلاً خطواتها، جاعلاً إياها تتريث في اتخاذ الأهداف المستقبلية. فهل تستسلم؟ هل تذعن لأهواء الناس؟ أم تُقدم أهدافها الجديدة على كل ما عداها؟.. بركة العمر في حسن العمل، طبيبها النفسي أخبرها بذلك. والفرصة في العمر تتكرر ألف مرة، فلماذا تقنع نفسها بأن الفرص في حياتها باتت وراءها؟ أسئلة بحاجة إلى أجوبة، فهل من يساعدها في السنة الجديدة؟

الفيلسوف الوجودي والكاتب المسرحي الروائي، ألبير كامو، طرح سؤالاً: هل هناك معنى في الحياة؟ هل يجب أن يكون هناك معنى دائماً في الحياة؟ وكيف نستطيع تحديد هدف دائم ومستمر في الحياة؟.. الجواب أبسط بكثير مما قد نعتقد؛ فلنا نحن - وحدنا - حرية اختيار قيمنا وأهدافنا المستمرة، ويجب علينا إنشاء قيمنا وإحساسنا بالهدف في الحياة؛ ليكون لها مغزى. 

مسار جديد 

مدربة الحياة وخبيرة العلاقات، الدكتورة منال النابلسي، تقول: «ما نواجهه هو أننا نكرر النمط نفسه في حياتنا، ونتوقع أهدافاً جديدة، غير مدركين أن هناك أنماطاً وسلوكيات لا تنفع في كل مراحل حياتنا. فهناك طرق قديمة تصبح غير صالحة، وعلينا - في كل مرحلة من حياتنا - بناء مسار جديد، يتحقق من خلال تحسين أنفسنا. فحينما ينضج الإنسان يقل عدد أصدقائه، ويزيد عدد معارفه، وعدد العابرين في حياته، وتبرز إشارات لديه تحثه على التغيير. هي إشارات قد تهز الطمأنينة التي في داخله - أو يظن أنها تفعل ذلك - وهنا يفترض ألا يُشكك في غرائزه؛ لأنها تخبره بشيء، وبالتالي عليه الاستجابة لها، وتغيير الطريق؛ فالبداية الجديدة قد تكون أفضل. ويحتاج كل واحد منا، باختصار، إلى مساحة للاعتناء بنفسه، واعتماد ثلاثة أمور قادرة على أن تساعده في إيجاد أهدافه الجديدة، هي: التركيز على ما يملك، والتفكير في الإشارات التي قد تمنحه السعادة، والانفتاح على المجتمع. فعلى كل إنسان أن يضع، دائماً، أهدافاً جديدة، ولتكن بسيطة وغير مستحيلة.. فليبدأ بخطوة تفتح له خطوات». 

ببساطة شديدة، كل إنسان قادر على أن يكتشف إنساناً آخر في كل لحظة بداخله. و«أماني» قادرة، في أي عمر، على أن تضع أهدافاً جديدة لنفسها، وعلم النفس حاضر دائماً؛ ليساعدها على أن تدرك معنى رفاهيتها وسعادتها، والمعنى هو المدى الذي يختبر الإنسان فيه نفسه وحياته وتماسكه ووجوده وتحفّزه. 

تقلبات الحياة

ليس هناك شعور أفضل من تحقيق هدف، وهذا ليس بالطبع سهلاً، بحسب النابلسي، بل يتطلب العمل الجاد والتركيز والانضباط. و«اللاهدف» في الحياة يجعلنا أكثر عرضة للملل والقلق والاكتئاب، وعندما تجد «أماني»، وغيرها، إحساساً بالهدف يصبح الصباح ملوناً بالورود؛ فتستيقظ في الصباح وتتساءل عما ستفعله. وعندما تقرر «أماني» الانخراط في هدف؛ ستصبح الحياة أسهل، وأكثر جمالاً وتركيزاً، وأقل تعقيداً، وستصبح أكثر دينامية مثل سهم يطير نحو هدفه، وستتلاشى السلبية من حياتها. إن وجود هدف في الحياة، لدى كل شخص - هدف جديد أو متجدد - مفيد جداً للصحة النفسية، ويجعله أقل عرضة لما يُسمى «الخلاف النفسي مع الذات». بموازاة ذلك، العمل من أجل هدف يعني أننا نشعر بأن الهدف قابل للتحقيق، وأن حياتنا ستتغير إلى الأفضل؛ بمجرد أن نصل إليه. إنه ينطوي على الأمل، ومن يمتلك الصحة يمتلك الأمل، ومن يمتلك الأمل يمتلك كل شيء. 

في الحياة، نواجه تقلبات كثيرة، ونمر بمحطات عدة، لكن الهدف عنصر نشط، يساعدنا على البقاء مستقرين. إن وضع أهداف في الحياة ضروري في كل مرحلة عمرية، ونحن اليوم نبدأ سنة جديدة فلنحدد فيها، مهما كان عمرنا، أهدافاً جديدة. هناك أشخاص يجدون هدفاً كبيراً، من خلال التطوع في قضية كبيرة، وهناك من يجدون هدفاً، من خلال تحدي أنفسهم للقيام بما لم يفعلوه من قبل. وقد يكون من المهم كتابة الأفكار بشكل يومي، وتأملها بعد يومين أو أسبوعين أو شهرين. جربوا ذلك وسيساعدكم بالتأكيد، وسيساعد «أماني» على تحديد هدفها، والإقدام عليه بلا خوف أو قلق مما يخبئه الزمان، أو اعتبار أن أهدافها ولّت. 

تبقى نصيحة علم النفس: «إذا لم يكن لديكم هدف؛ فاجعلوا هدفكم الأول إيجاد هدف». 

شريهان أطلّت قوية.. وجوردون سدد كرته

بالتأكيد، ليس هناك شعور أفضل من وجود هدف إلا تحقيق الهدف. وهذا يرفع هرمون الأندورفين «هرمون السعادة» لدى الشخص، والمشاهير أكثر من يعرفون ذلك، وهم يخطون طريق النجاح. مغنية البوب ديمي لوفاتو ظلت تحلم بأمر جعلته هدفاً في حياتها، هو أن تؤدي النشيد الوطني الأميركي، وهذا ما حققته بعد عشر سنوات في نهائي دوري كرة القدم الأميركية. جينيفر لوبيز، والليدي غاغا، وأوبرا وينفري ، كلهن وضعن أهدافاً وطاردنها. لوبيز كان لديها هدف أن تلعب دور البطولة في فيلم كوميدي رومانسي، وعبّرت عن ذلك مراراً، وقد حققته. أما الليدي غاغا، فكانت تكرر تعويذة يومية، تقول فيها: «الموسيقى هي حياتي، وسأحقق رقماً قياسياً بألبوماتي»، وبالفعل نجحت وحققت ولمعت وأدهشتنا. مايكل جوردن كان يردد دائماً: «خسرتُ أكثر من 300 مباراة، وفاتني تسديد أكثر من 9000 طابة في كرة السلة، لكنني لم أستسلم، واستمرّ صوت يناديني في أعماقي، يقول: ستفوز، وستصبح بطلاً، اشتغلتُ كثيراً على نفسي، ونجحت». 

عربياً.. شريهان، الفنانة المصرية الجميلة، فاجأت الكثيرين، خلال حفل قرعة كأس العالم 2022، وظهرت بعد غياب طويل، وتفاصيل أليمة، لتلقي كلمة حول الإنسانية ورحلة الإنسان والعزيمة والتحدي والعمل الجاد. شريهان مثال للمرأة القادرة على تخطي كل التفاصيل المأساوية، ووضع أهداف جديدة. لم تتعب شريهان من كل ما واجهته، ومسحت دموعها، وقررت أن تتابع، وذلك لم يكن ليتحقق لو لم تكن قادرة على أن تصمد وتحلم وتتمنى وتقرر وتنفذ.. وهاهي قد أطلت من جديد؛ لتقول: «لا أريد أن أكون نجمة تجلس على الهامش».