دائماً نسمع عن استدامة البيئة، وهو مفهوم يصف كيف تبقى الأنظمة الحيوية متنوعة ومنتجة مع مرور الوقت، لكن ما لا يعرفه الكثيرون هو مفهوم استدامة السعادة!

هنا، تعرف الدكتورة ياسمين المهيري، استشاري ومدرب حياة في العلاقات الاجتماعية بالعمل، استدامة السعادة على أنها قدرة الفرد على الحفاظ على جودة الحياة، ورغم أن الباحثين قد اختلفوا في تعريف مفاهيم السعادة، فإنها وبشكل مبسط تعني الإحساس بالمتعة، واطمئنان القلب، وراحة البال، باختصار السعادة، والرضا، وجهان لعملة واحدة.

  • الدكتورة ياسمين المهيري

وتشير الدكتورة ياسمين إلى أن حصول الموظف على إجازة من الروتين اليومي، هو حالة طبيعية تعكس مطالبة أجهزة الجسم بالتوقف قليلًا لشحن الطاقة من جديد، وتجيب على بعض الأسئلة في الحوار التالي:

* متى يعلم الموظف أنه بحاجة إلى إجازة؟

- هناك الكثير من الأعراض الصحية، التي قد تظهر على الموظف، وتكون دليلاً قطعياً على ضرورة حصوله على إجازة، ومنها: الشعور بالإرهاق العام، وقلة الإنتاجية، والعصبية الزائدة، والشعور بالاكتئاب في بعض الأحيان، والاحتراق الوظيفي (هو شعور الموظف بأنه لا يستطيع أن يبتكر أو يبدع في عمله، وأنه قدم كل ما يستطيع)، والإصابة ببعض الأمراض المزمنة، وبالتالي عدم الشعور بالسعادة، ويؤثر ذلك على مستوى العمل والأداء الوظيفي بشكل سلبي. وهنا من الضروري أن يحصل الموظف على إجازة، ويستمتع بها ليحقق الهدف المنشود منها.

* ماذا يحدث للموظف إذا شعر بهذه الأعراض، ولم يحصل على إجازة؟

- سيتعرض لتأثيرات ضارة بصحته النفسية والجسدية، منها: تأثر الذاكرة بشدة، وإصابة الخلايا بالشيخوخة كرد فعل للنهج الخطأ في التعامل مع ضغوط الحياة اليومية، وأيضاً ضعف مناعة الجسم، والتشتت الذهني، والدخول في حالة من الاكتئاب.

* كيف يمكن أن يحقق الموظف الهدف المنشود من الإجازة على الوجه الأكمل؟

- وضع الأهداف المراد تحقيقها خلال الإجازة أمر مهم، ويؤدي بالنهاية إلى الوصول للسعادة. فعلى سبيل المثال، تعلم لغة في فترة الإجازة، وكانت هذه إحدى رغبات الموظف، لكنه لم يجد الوقت للقيام بذلك بسبب ظروف العمل، وخلال الإجازة تحقق هذا الهدف. هنا، سوف يشعر بالسعادة، لأنه حقق رغبة أسعده تحقيقها.. وهكذا.

* كيف تحدث استدامة السعادة، خلال فترة الإجازة؟

- قسم الباحثون السعادة، في الإجازة، إلى 3 مراحل، كالتالي: السعادة قبل الإجازة، والسعادة خلال الإجازة، والسعادة في ما بعد الإجازة.

والمقصود هنا الاستدامة، حيث تبدأ رحلة السعادة قبل بدء الإجازة، وتجب المحافظة عليها خلال الإجازة، وتفادي بعض الأخطاء التي يقوم بها بعض الأشخاص، ومن ثم مشاركة لحظات السعادة والذكريات والهدايا بعد الإجازة، لكي تستدام السعادة عند الأشخاص.

* ماذا يُقصد بالسعادة قبل الإجازة؟

- أشارت الدراسات إلى أن الموظف يبدأ شعور السعادة لديه في آخر أسبوع له بالعمل، حيث يشعر بالسعادة؛ لأنه يعيش أجواء الاستعداد للإجازة. كذلك تعتبر مرحلة التخطيط للإجازة من أهم المراحل، حيث تزيد مشاعر السعادة، خاصة عند التخطيط والبحث لاختيار مكان الإجازة. أيضاً، الحصول على عروض وخصومات، مثل: تذاكر السفر، والفنادق، وحجوزات العشاء، أو ببساطة تخيل أنه سيستمتع بوقته هناك، ومن المهم جداً التخطيط المالي للإجازة، وتحديد الشخص الذي سيصطحبك في السفر.

* كيف نحصل على السعادة، خلال الإجازة؟

- هناك عدة عوامل تؤدي للسعادة خلال الإجازة، منها إنفاق الأموال على تجربة جديدة، ويعتبر ذلك أكثر أهمية من شراء شيء جديد؛ لأن التجربة تبقى معك إلى الأبد، وتظل دائمًا في تفكيرك أينما ذهبت، أيضاً قم بعمل أنشطة جماعية أو ثنائية، فهذا النوع من الأنشطة يبني الاتصال بين الناس، خاصة بين أفراد العائلة، وأيضاً من المهم جداً خفض سقف التوقعات، ففي بعض الأحيان لا تجري الأحداث كما تم تخطيط لها، ما يؤدي إلى استياء الشخص وبدء الغضب وتعكير مزاجه، ومزاج الأشخاص الآخرين.

* هل من نصائح أخرى لقضاء إجازة ممتعة؟

- لا تنشغل بالتصوير من أجل النشر على مواقع التواصل الاجتماعي؛ إذا كنت ترغب في توثيق اللحظات. التقط الصور، لكن دون نشرها خلال الرحلة، حيث أظهرت الأبحاث أن التقاط الصور بقصد مشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي يؤدي إلى تقليل استمتاع الناس بتجاربهم؛ لأنها تزيد "الاهتمام بالتقديم الذاتي". بمعنى آخر، أنت مشتت عن جمال الشاطئ والمتعة مع أسرتك، من خلال القلق بشأن مظهرك أمام الآخرين، ومن الأمور المهمة جداً، ترك العمل في مكان العمل، لاسيما وقد نشرت دراسة في مجلة "Stress and Health"، توصل الباحثون فيها إلى أن الانخراط في الأنشطة المتعلقة بالعمل يقلل الآثار الإيجابية للعطلة، حيث إن أخذ قسط من الراحة الذهنية من العمل هو إحدى النقاط الرئيسية للاستمتاع بالإجازة.

إقرأ أيضاً:  المنتمون لهذه الأبراج ثرثارون جداً.. تعرفي إليهم
 

* كيف نظل سعداء، بعد انتهاء الإجازة؟

- الحفاظ على المتعة والسعادة بعد إجازة رائعة أكثر صعوبة، حيث أظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين قضوا رحلة "مريحة ورائعة للغاية"، هم فقط الذين استمرت لديهم مشاعر السعادة لمدة أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، بعد الانتهاء من الإجازة.

* إذن.. كيف يمكننا البقاء سعداء بعد الإجازة؟

- من خلال مشاركة تفاصيل الرحلة مع الآخرين، حيث إن ذلك يجلب السعادة للجميع (السعادة معدية)، وتنتشر تلك المشاعر الطيبة التي تعود بها إلى زملائك، على الرغم من أنهم لم يأخذوا إجازة، وتعم الطاقة الإيجابية المكان. أيضاً الهدايا التذكارية، التي تحضرها من البلد الذي قمت بزيارته، والتكلم عن الأحداث التاريخية للمكان، إذ يحفز ذلك مشاعر الإثارة لدى الآخرين للسفر إلى نفس المكان، ويولد لديهم شعوراً السعادة. كذلك مشاركة الصور أو الفيديوهات التي تم توثيق اللحظات الجميلة بها، وتذكر المواقف الجميلة والتحدث عنها أو مشاهدتها، كلها تزيد الشعور بالسعادة بعد الإجازة. وقد نصح الباحثون لاستدامة السعادة بالنظر إلى الصور بتمعن، وتذكر اللحظات الرائعة في الإجازة، ما يخلق المزيد من مشاعر السعادة عند استعادة الذكريات، والمشاعر الإيجابية التي كانت لديه في ذلك الوقت حتى لو كانت بعد وقت طويل من انتهائها، لكنها تجلب متعة عميقة في الحاضر، والمستقبل.