كأنه قادم من المستقبل، يقف متحف الغد بشموخ على ميناء ريو دي جانيرو في البرازيل.. هو متحف علمي استثنائي، فتحت أبوابه عام 2015 على مساحة مبنية على الركائز الأخلاقية للاستدامة والتعايش، لتستكشف وقت التحولات العميقة، التي نعيش فيها، والمسارات المحتملة للخمسين عاماً القادمة، وهو مكان مثالي للنقاش، ودراسة مستقبل الكوكب، حيث يتم تحليل تأثير أفعالنا، وما يمكننا القيام به؛ لتحقيق مستقبل مستدام.

قام بتصميم متحف الغد المهندس الإسباني الشهير، سانتياغو كالاترافا، بهندسة معمارية بديعة، مستوحاة من الحديقة النباتية، ضمن جزء من مشروع إعادة تأهيل منطقة ميناء ريو دي جانيرو، وتبلغ مساحته 15 ألف متر مربع، محاطة ببركة سباحة عاكسة، وحديقة، ومسار للدراجات، ومنطقة ترفيهية. والشكل الممدود مستوحى من زهرة بروميلياد (نبتة عمرها أكثر من 65 مليون سنة)، التي يمكن رؤيتها في الحديقة النباتية بالمدينة، فقد كانت فكرة المصمم أن يكون المبنى أثيرياً قدر الإمكان، ويكاد يطفو على البحر، مثل: قارب، أو طائر، أو نبات.

 

 

معروضات.. وأسئلة

يستكشف متحف الغد ستة اتجاهات رئيسية للعقود الخمسة القادمة، وتشكل كل معروضاته رؤية علمية لموضوعات مختلفة، مثل: الاحتباس الحراري، وتغير المناخ؛ وتغير التنوع البيولوجي؛ والنمو السكاني والاستدامة؛ وتكامل وتمايز أكبر الثقافات؛ والتقدم التكنولوجي وتوسيع المعرفة.. فكل قسم مستمد من الأسئلة التي وجهت عملية الإنتاج الإبداعي للمتحف بالكامل: من أين أتينا؟ من نحن؟ أين نحن؟ إلى أين نحن ذاهبون؟ كيف نريد أن نذهب؟

تأثير البشر

يقع المعرض الرئيسي للمتحف في الطابق العلوي، ويأخذ الجمهور من خلال سرد منظم في مناطق كبيرة: الكون (نحن مصنوعون من مادة النجوم نفسها، نتواصل مع الكون وأصولنا)، والأرض (ثلاثة مكعبات كبيرة، بمحتويات تبحث في المادة والحياة والفكر)، والأنثروبوسين (التحولات في الطبيعة التي تسببها البشرية)، حيث يشاهد الزوار تجسيداً للعصر الجديد للإنسان، من خلال مجموعة شاشات ضخمة، تصل إلى 32 قدماً في الارتفاع، وتستعرض كيف دمر البشر الأرض، واستهلكوا مواردها وطاقتها ومياهها، ناهيك عن تلويث غلافها الجوي.

 

 

ألف صورة

بعد استكشاف الكون في أروقة المتحف، تمت دعوة الزوار للتركيز على الأرض، والظروف الفريدة التي عززت الحياة على كوكبنا، وعلى وجه الخصوص تنمية الذكاء البشري. ويتضمن القسم ثلاثة مكعبات كبيرة، واحد لكل منها من أجل الحياة والمادة والعقل، ويقدم المكعب الأخير معلومات حول عمل الدماغ البشري من الخارج. وفي الداخل، يحتفل بتنوع البشرية في متاهة تضم أكثر من ألف صورة من جميع أنحاء العالم، لكيفية احتفال البشر، وعيشهم، وعلاقاتهم. وهناك، أيضاً، تركيب فني مذهل للفنان الأميركي دانيال ورتزل، يمثل مناخ الأرض من خلال قماش راقص، إضافة إلى معارض صور، وعروض فيديو، ومحتوى رقمي تفاعلي، وغيرها.

 

 

مبنى صديق للبيئة

يحتوي مبنى المتحف على ألواح شمسية تتحرك مع الشمس، بالإضافة إلى نظام تكييف الهواء، الذي يستخدم المياه من خليج «جوانابارا» القريب، وتنظيفه وإعادته إلى مكانه. وبهذه الطريقة، يتم توفير حوالي 2400 ميغاوات في الساعة سنوياً. ويتجسد تكامل المبنى مع البيئة من خلال مشروع لتنسيق الحدائق، حيث تمت زراعة مجموعة من النباتات الأصلية و«الريستينجا» في المنطقة الساحلية للمدينة، من 26 نوعاً مختلفاً، بما في ذلك: الآيبي الأرجواني والأصفر، وخشب البرازيل، وبيتانغويرا، وشجرة الصوم الكبير، وغيرها، إضافة إلى أحواض عدة مزروعة بالبهارات، والخضروات.

 

 

استدامة الحياة

يمكن، أيضاً، ملاحظة الاستدامة في الإطارات الزجاجية الموجودة على الواجهات، بهدف السماح بدخول الضوء الطبيعي للمبنى، وتساعده 48 مجموعة متحركة على شكل أجنحة معدنية، حيث تتحرك الألواح الكهروضوئية. وبالإضافة إلى المعرض الرئيسي، توجد بالمتحف معارض مؤقتة، وقاعة للفعاليات المختلفة. ولا يحتوي المتحف على موقف سيارات خاص به؛ تشجيعاً للزوار على استخدام وسائل النقل العام، التي تندرج - بالكامل - ضمن مقترحات الاستدامة الخاصة به؛ فكل شيء في متحف الغد، وما يحيط به، ينسجم بتناسق رائع مع قيمه؛ ليبدو أكثر من رمز مناسب للمهمة التي اقترحها: «الصحوة على استدامة الحياة.. والتعايش السلمي بين جميع البشر».