منذ زمن ليس بالبعيد، عندما عرض فيلم «A.I. Artificial Intelligence» (الذكاء الاصطناعي)، لستيفن سبيلبرغ، الذي تحدث عن قدرة الذكاء الاصطناعي على امتلاك المشاعر والذاكرة العاطفية، وفيلم «Bicentennial Man» (رجل المائتي عام)، لروبين وليامز، والذي دارت أحداثه حول قدرة الإنسان الآلي - المصمم بالذكاء الاصطناعي - على الإبداع، وبناء وعي وتنشئة حياة فردية بكل مفرداتها، كانت نظرتنا إلى الفيلمين لا تتعدى حدود الدهشة بهذا الخيال العلمي، كما كان يصنف حينها، والآن صار واقعاً وحاضراً في حياتنا. فقد أصبح الذكاء الاصطناعي على حدود احتلال مكانة الإنسان في العديد من المجالات، مثل: الطب، والصناعة، والهندسة، وغيرها من المجالات، وأصبحت التقنيات المرتبطة به هي تقنيات المستقبل، وتشهد إقبالاً كبيراً في التعليم والدراسات والأبحاث التقنية حول العالم.

لكن.. هل نبطئ المسير قليلاً، ونفكر في ربط الذكاء الاصطناعي بصفته كياناً اجتماعياً، سيشارك البشر - في يوم ما - مفردات حياتهم اليومية. إن نظرتي الاستشرافية متوجسة خيفة من مستقبل البنية الاجتماعية للمجتمعات الإنسانية، في ظل توغل الذكاء الاصطناعي في كل مجالات الحياة، مع توقعات بالوصول إلى نماذج قادرة على بناء وعي ذاتي، وقيم شعورية، وقد تتبنى قيماً أخلاقية منفصلة عن القيم البشرية، وهذا نراه بصورة أولية في نماذج الآليين المصممين بالذكاء الاصطناعي، مثل النموذج «صوفيا». 

نحن على عتبة تحول النماذج السينمائية في تلك الأفلام، وغيرها، التي صورت تحول هذا النموذج إلى كيان يشعر ويكوّن رؤية ذاتية، ويقدر على التعبير عن الذات، أي بناء نموذج بشري متكامل، بل يتفوق على الإنسان، ومن ثم تكوين بنية اجتماعية جديدة، قائمة على نشأة علاقات اجتماعية وإنسانية بين البشر والآليين المعتمدين على الذكاء الاصطناعي.

وهذا يدفعني إلى طرح رؤية استباقية، تستشرف مستقبل الترابط المجتمعي، في ظل ظهور هذه الروابط الاجتماعية بين البشر والذكاء الاصطناعي. رؤية تنظر في الاتجاه المعاكس.. تغلب حالياً حالة الانبهار لنظرة العالم إلى هذا النوع من الإبداع البشري، دون الالتفات إلى الحذر من بناء تكوين قيمي سلبي عند البشر، يؤدي إلى كسر العديد من الروابط الإنسانية. يوماً ما سيتجه الكثير من البشر؛ تعويضاً عن الانهزامات الإنسانية والعاطفية إلى عالم الذكاء الاصطناعي، الذي سيصبح حينها بديلاً عن مواقع التواصل الاجتماعي في هذا النوع من هروب البشر من واقعهم الحقيقي، فبعد أن كانوا يهربون إلى العالم الافتراضي مطاردين مشاعر افتراضية تشبع خيباتهم الإنسانية، وتسد نواقصهم الاجتماعية؛ سيصبح الهروب إلى عالم واقعي، لكنه بوعي اصطناعي، حيث ستستبدل البشرية مواقع التواصل الاجتماعي بالآليين المعتمدين على الذكاء الاصطناعي. وأرى أن كل ذلك يتجه بالبشرية إلى المزيد من التفكك الإنساني والاجتماعي. 

لذلك، لابد من وجود رؤية علمية نفسية واجتماعية وفلسفية، لمستقبل وجود الذكاء الاجتماعي في مفردات حياة البشر، وتحصين الإنسانية من الانهيار المجتمعي، الذي قد يحدث من سيطرة الذكاء الاصطناعي على الحياة المجتمعية والعاطفية والنفسية للبشر.