بدون أسباب واضحة أو مفهومة في بعض الأحيان، لا يعرف أحد لماذا يتابع الآخرون بعض الأشخاص الذين يتحولون بفعل تلك المتابعات لمشاهير يسطع اسمهم بشكل كبير، بعد أن يحظوا بملايين المتابعين في حساباتهم عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي.
ورغم أن كثيرين يقدمون محتويات تستحق المتابعة، وقد تعود بالفائدة والخير على متابعيهم، إلا أنه لا يوجد مقياس محدد لغاية الآن، أو أسس ثابتة تجيب على السؤال الذي يقول، لماذا يتابع الناس بعض الأشخاص دون سواهم؟ أو لماذا نتابع المشاهير رغم أن بعضهم لا يقدم محتوى ذا قيمة حقيقية؟.
تقول تالا وهي شابة بعمر الـ 18 عاماً إنها، تبحث عادةً في مواقع التواصل الاجتماعي عمن يضحكها بما يقدمه، ويجذبها عدد كبير من المشاهير لأنهم يعرفونها بمناطق ومطاعم وأماكن لم تكن تعرفها من قبل، حيث إنها تحرص على متابعة جميع الإعلانات التي يقدمها المشاهير، بهدف اكتشاف تلك الأماكن والمنتجات وتجربتها فيما بعد.
وتضيف الشابة أن هذا الأمر لا يمنع وجود محتويات تستحق المتابعة فعلاً، وتُغني هذه الحسابات وأصحابها ثقافتها بشكل عام، مفسرةً سبب متابعتها لأشخاص دون سواهم بأنهم يحظون بالقبول لديها، وأنها «تتسلى» بمشاهدة ما يقومون بنشره حتى لو لم يكن له أي فائدة تذكر.

 

 

أسباب مختلفة
تضع أخصائية علم النفس الإكلينيكي الدكتورة فداء أبو الخير عدداً من الأسباب التي تدفع الناس لمتابعة المشاهير بشكل عام، ومن أبرزها الفراغ الموجود لدى الكثير من البشر، ومحاولة ملئه بطريقة ما، وقد تكون هذه الطريقة صحيحة أحياناً وخاطئة في أحيان أخرى. وتقول أبو الخير: «مع الأسف فإن أغلب الاختيارات لملئ أوقات الفراغ تكون خاطئة».
وتضيف أستاذة علم النفس في حديثها لـ «زهرة الخليج»، أن الفضول لدى عدد كبير من البشر يدفعهم لمحاولة معرفة كيف يعيش الآخرون، وكيف يتعاملون مع معطيات ومواقف معينة، وكيف استطاعوا الوصول للشهرة التي باتوا عليها، وماذا اختلف عليهم وكيف يتعاملون مع حياتهم الجديدة، وهو أحد الأسباب الهامة التي تدفع الناس لمتابعة المشاهير.
وتكمل الأخصائية النفسية حديثها بالإشارة إلى كون متابعة المشاهير تشكل للبعض تعويضاً عن نقص يشعرون به، وذلك من خلال رؤيتهم للغير واستقاء الأفكار منهم، فعلى سبيل المثال، يسعى الكثيرون لمشاهدة هؤلاء النجوم ليروا كيف هي حياتهم، محاولين أن يكونوا مثلهم، وقد يطبقون الكثير من أفكارهم على أرض الواقع، كالتعامل مع بعض المواقف، وطرق معاملة الأولاد وغيرها الكثير.

 

 

علاقة من طرف واحد
تؤكد الدكتورة فداء أبو الخير أن أهم ما يدفع الناس لمتابعة المشاهير بشكل كبير، هي الراحة التي يشعرون بها، فهم يكونون في علاقة من طرف واحد، فالشخص المتابِع، يعرف معظم تفاصيل وخصوصية الإنسان الذي يتابعه، من دون أن يضطر لكشف حياته له، ويعتقد الناس غالباً أن ما يرونه هي كل تفاصيل حياة المشهور، وبالتالي يظنون أنهم يتعرفون على خصوصياته بشكل كامل، من دون أن يكونوا مجبورين على كشف حياتهم الخاصة، مما يمنحهم راحة كبيرة. 
وتكمل أبو الخير مشيرة إلى أن هذا أمر معاكس تماماً للعلاقات الحقيقية على أرض الواقع، لأن معرفة أسرار حياة الناس غالباً ما يقابلها كشف الأسرار والتفاصيل، وهو ما يشعر الناس بالخوف فيلجؤون للعلاقات الإلكترونية والمتابعة من طرف واحد بحيث يعرفون الآخرين من دون أن يكشفوا أي جزءٍ من حياتهم.
وتنوه الأخصائية النفسية بأن متابعة المشاهير تشكل للبعض بحثاً عن الذات، وهو أحد أهم العوامل التي تدفع الناس لمتابعة غيرهم، ويبرز هذا السبب لدى فئة المراهقين على وجه الخصوص، إذ إن هؤلاء يبحثون عن تكوين ذاتهم وشخصياتهم، وصنع هوياتهم النفسية، من خلال اختيار أحد النجوم والمشاهير ليشكل لهم مثالاً يحتذون به، وبالتالي نشاهد هؤلاء يتابعون مجموعة كبيرة للبحث عن الشخصية التي يريدون أن يصبحوا مثلها، وهو أمر يتجلى على أرض الواقع بشكل كبير.
تكمل أبو الخير موضحة أنه بسبب هذا العامل بدأنا نشاهد انعكاسات كبيرة للمشاهير على حياة البشر، سواء بطريقة الكلام أو الأكل والمشي، وطريقة انتقاء الملابس، وحتى بالشكل وعمليات التجميل، فنلاحظ أننا نشاهد الكثير من الأشكال المتشابهة في هذا الوقت نتيجة تقليد عدد كبير من الناس لشخصية مشهورة، صعدت الترند في تلك الفترة. وتؤكد الأستاذة الجامعية أن المتابعة عادة ما تكون محاولة لبناء شخصية معينة من خلال الآخر الذي غالباً ما يكون من نجوم السوشيال ميديا.

 

 

تأثير مباشر
تسبب كثرة المقارنات التي يجريها الناس لأنفسهم بالأشخاص المشهورين، انخفاضاً كبيراً في الثقة بالنفس، وتكون عاملاً هاماً للشعور بالإحباط والفشل، وفق أخصائية علم النفس الإكلينيكي فداء أبو الخير. وتبيّن أن أهم النتائج السلبية التي تؤثر في المجتمع بشكل كبير هي المشاكل العائلية التي تأتي نتيجة المقارنات المستمرة بنمط الحياة.
وتنَوه بأن هذا لا يعني عدم وجود إيجابيات في حال كان النموذج المتابَع إيجابياً، يطرح محتوى مفيداً، فقد يشكل هذا المشهور عاملاً هاماً بزيادة الدافعية والطموح لدى متابعيه.