يضع سعيد المعمري، أول مغامر إماراتي ينضم إلى قائمة المستكشفين العالميين، الصادرة عن «ويكيبيديا»، نصب عينيه حلماً بأن يكون أول إماراتي يصل إلى أعلى القمم الجبلية حول العالم، حاملاً رسالة سلام من وطن التسامح؛ ليكون بذلك سفيراً لبلاده؛ فاستحق - وبجدارة - الحصول على لقب «إكسبلورر جراند سلام»، حيث احتل المرتبة الـ37 على مستوى العالم، بين 43 مغامراً عالمياً. وقد نفذ المعمري العديد من المبادرات المجتمعية، بالتعاون مع عدد من الجهات والمؤسسات، وأسس «جمعية الإمارات للهوايات الجبلية»، وشغل منصب مدير مركز الفجيرة للمغامرات. ولدى المعمري سجل حافل من المغامرات والبطولات، بما في ذلك: الرياضات الجبلية، والقفز الحر، والغوص، واستكشاف الكهوف، وغيرها الكثير، لكنه وجد شغفه الحقيقي وضالته في تسلق الجبال؛ فرغم مشقة تلك الرياضة فإنها تنطوي على مخاطر كثيرة، لكن شخصيته الملهمة تتميز بالصلابة والقوة، فلا وجود لكلمة «مستحيل» في قاموسه، ولا يستسلم للفشل مهما واجه من تحديات وعقبات، إذ يكرر التجربة حتى يحقق النجاح والتميز، مؤمناً بمقولة: «ومن يتهيّب صعود الجبال.. يعش أبد الدهر بين الحفر».. التقته «زهرة الخليج»؛ ليضيء على تجاربه الملهمة، وما واجه من تحديات، وكيف تغلب عليها؛ فكان الحوار التالي:

• ما الحافز الذي يدفعك إلى تسلق الجبال، رغم مشقة هذه الرياضة؟

- أحاول ترك بصمة، وأن أصبح الأول في هذا المجال، فقد خضت بطولات عدة في كثير من الرياضات، لكنني وجدت شغفي وضالتي في تسلق الجبال، لأنها رياضة تنطوي على الكثير من التحدي، فسعادة متسلق الجبال - عندما يصل إلى القمة بعد العناء - لا توصف.

• كنت أول إماراتي يتسلق قمة إيفرست أعلى جبال العالم.. حدثنا عن تفاصيل الرحلة!

- استغرقت الرحلة حوالي 43 يوماً، وكانت مغامرة مليئة بالتحديات والمخاطر. طرحت الفكرة في عام 2011، ولم يكن هناك من يتسلق جبلاً بهذا الارتفاع في ذلك الوقت، ولم تلقَ الفكرة استحسان المحيطين بي، وقال لي الجميع يمكنك أن تتسلق جبال الفجيرة، أو غيرها من الجبال الآمنة؛ لأن تسلق «إيفرست» به الكثير من المخاطر، أيضاً قابلت تحدياً آخر، هو عدم توفر المعلومات الكافية عن هذا الجبل. كل هذه التحديات زادتني إصراراً على القيام بالرحلة، وبالفعل بت أول إماراتي يتسلق جبل إيفرست، وكانت هذه الرحلة انطلاقتي نحو تسلق الجبال، وبعدها استطعت ـ بتوفيق من الله ـ تسلق 101 قمة حول العالم.

أخطر الجبال

• ما أصعب رحلة قمت بها، ولماذا؟

- أصعب رحلة كانت عندما تسلقت جبل «k2» أعلى قمة في باكستان، وثاني أعلى قمة جبلية في العالم، وهو من أخطر الجبال، حيث إن نسبة الوفيات التي تقع فيه كبيرة جداً، لأنه جبل عمودي، ويعتبر من أصعب الجبال. وقد حاولت تسلقه عام 2018، لكنني لم أستطع بلوغ القمة بسبب وقوع حادث، ووفاة الكثير من المتسلقين، لكنني لم أستسلم، وقررت إعادة المحاولة. وفي المرة الثانية، نجحت في بلوغ القمة، بعد مجهود كبير، حيث استغرقت رحلة الصعود حوالي 40 يوماً.

• هل أثرت مغامراتك في «شخصيتك المعرفية»، وماذا تعلمت منها؟

- تعرفت إلى قيمة الحياة وأهميتها، واستشعرت نعم الله التي منحنا إياها، بالإضافة إلى الاطلاع على ثقافات الآخرين، واكتساب الكثير من الخبرات في التعامل مع الناس، بمختلف جنسياتهم ورؤاهم وطريقتهم في التفكير.

• تمتلك تاريخاً مميزاً في الرياضات الجبلية، والقفز الحر، والغوص، واستكشاف الكهوف، فما الرابط بينها؟ وأيها أقرب إليك؟ ولماذا؟

- الرابط بين هذه الرياضات هو أنها تمارس في الهواء الطلق، ويتعلم من يمارسها الصبر والتحدي وروح المغامرة، بالإضافة إلى اكتشاف الطبيعة بأدق تفاصيلها، فكل إنسان لديه موهبة دفينة؛ لذلك عليه أن يبحث عنها، وعندما يجدها سيجد شغفه، ويستشعر المعنى الحقيقي للسعادة، خاصة مع تحقيق الأهداف والإنجازات، وأقرب رياضة إلى قلبي هي تسلق الجبال؛ لأن التحدي فيها أكبر، وبالتالي يكون الإنجاز أروع.

الوجهة القادمة

• ما الأدوات التي تصحبها معك، خلال أسفارك؟

- لابد أن يكون في جعبتي كتاب الله (القرآن الكريم) أولاً، وأدوات الإسعافات الأولية، بالإضافة إلى جهاز تعقب، وساعة ذكية خاصة بالمغامرين، تعمل لمدة 100 يوم دون شحن، تقوم بقياس ضربات القلب، وتكشف لي المسارات، وجهاز الاتصال بالأقمار الاصطناعية، فلو فقدت في مكان أو احتجت إلى الإنقاذ يكون أسرع وسيلة اتصال، وأحمل معي أيضاً بعض الطعام المجفف، وأهتم بأن يكون الطعام إماراتياً مثل: التمر، ولحم الإبل المجفف، وخبز الرقاق.

• صعدت أكثر من 100 جبل حول العالم، فما وجهتك القادمة؟

- بعد أن انتهينا من أميركا الشمالية والوسطى، سنتجه قريباً إلى جزر الكاريبي، وجبال أميركا الجنوبية، وستستغرق الرحلة أكثر من شهرين.

• ما الرسالة التي توجهها إلى العالم، من خلال تسلق الجبال؟

- أحمل رسالة حب وسلام من أرض الإمارات، أرض التسامح، ولمّ الشمل، وتقبل الآخر؛ فأي شخص يسافر خارج الدولة يكون سفيراً لبلاده؛ لذلك علينا التمسك بهويتنا أينما ذهبنا؛ لننقل صورة مشرفة لبلادنا في الخارج.

نصيحة للشباب

• ما أهم التحديات التي واجهتك خلال رحلاتك، وكيف تغلبت عليها؟

- توفر الجهات الداعمة والرعاة من أهم التحديات التي تواجه كل رياضي، يحاول القيام برحلات استكشافية طويلة، لأنه يتكبد الكثير من المال، ويتعرض للمخاطر، ويبذل الكثير من الوقت والجهد. أما إذا كان هناك رعاة؛ فإنهم يذللون تلك التحديات.

• انضممت إلى قائمة المستكشفين العالميين الصادرة عن «ويكيبيديا»، ماذا يمثل لك حصولك على لقب «إكسبلورر جراند سلام»؟

- أشعر بفخر كبير كوني في هذه القائمة، وأعتبر هذا اللقب تكليفاً أكثر من كونه تشريفاً، إذ أصبح من الواجب عليَّ الحفاظ على مستوى معين من النجاح والإنجاز، وتطوير ذاتي وقدراتي الاستكشافية.

• ما نصيحتك للشباب المبتدئين في ممارسة رياضة تسلق الجبال؟

- أنصح من يرغب في ممارسة رياضة تسلق الجبال بأن يتبع شغفه، وألا يخشى الفشل، وعليه الاستعانة بمن سبقوه في تلك الرياضة لاكتساب الخبرات منهم، وأن يهيئ ذاته نفسياً قبل الاستعداد البدني، لأنه سيواجه بعض التحديات والصعوبات من عطش وجوع، ومشاعر الغربة وغير ذلك، لاسيما أنك ستبقى أياماً وأشهراً بمفردك، لذلك عليك أن تكون أكثر الناس صبراً ومثابرة، واعلم أن صعود القمم يحتاج إلى مجهود كبير؛ لأنه حلم، وتحقيقه يحتاج إلى الصبر.