تستخدم المصورة والتشكيلية البحرينية، إيناس السيستاني، عدستها لإنشاء تواصل بصري استثنائي؛ فعلى مدى السنوات الست الماضية سخرت إبداعها المفارق للتقليد؛ لترقية الذوق الجمالي، وتكريس دوره في تحقيق التوازن النفسي، وغالباً ركزت على الأشخاص في الشوارع، والتصوير المفاهيمي، وموضوعات اجتماعية مهمة، مثل: الصحة العقلية، وتمكين المرأة، والنتيجة كانت صوراً ملهمة، تجسد التطلعات، وتلامس المعاناة، وتفتح البصيرة على نوافذ فريدة للقيم الإنسانية والتعاطف.. في هذا الحوار، تحدثت التشكيلية البحرينية حول تجربتها المميزة:

• لماذا اتجهت إلى التصوير كإبداع يعبر عن موضوعاتك المرئية؟

- لطالما اهتممت بالفن، فمنذ أن كنت صغيرة اعتدت أن أرسم، لكنني لم أتوقع أبداً الخوض في التصوير الفوتوغرافي بمرحلة لاحقة، ناهيك عن أن يكون جزءاً لا يتجزأ من حياتي؛ فقد تطورت علاقتي معه من غير قصد. بدأ ذلك عام 2016، خلال رحلة فردية إلى أوروبا، حيث انبهرت بحيوية وقصص الناس اليومية هناك، وأردت التقاط تلك اللحظات العفوية، وفي ذلك الوقت لم أكن أمتلك كاميرا؛ لذلك لجأت إلى استخدام هاتفي؛ للقيام بذلك. كان عقلي يضع تلقائياً إطاراً حول المشاهد اليومية التي أواجهها في الشوارع، وقبل معرفتي أن ذلك ما يدفعني إلى التقاطها. عدت من تلك الرحلة مع مستودع من صور الشوارع، وهكذا بدأ شغفي بالتصوير. لقد وجدت فيه وسيلة جميلة لرواية القصص، مثل الشعر المرئي بطريقة ما، إذ يمكن للصورة الواحدة أن تتحدث بكلمات لا نهاية لها؛ لذلك قررت الاستثمار أكثر في هذا الفن؛ حتى أصبح جزءاً مني.

• الشارع يزدحم بتفاصيل إنسانية حية، كيف استفدت من كل ذلك في إثراء مفردات لغتك البصرية؟

- لقد بدأت مغامرة التصوير الفوتوغرافي في الشوارع؛ لأنني أستمتع بالتقاط اللحظات الحقيقية للناس دون تصنع، وأجد الجمال في القدرة على التقاط حياة المرء ولحظته، وإيجاد معنى لما أراه. ويمكن أن تحتوي تلك الصورة الواحدة على آلاف القصص داخلها، وتترك مجالاً كبيراً للتفسير تماماً مثل قصيدة. 

الصحة النفسية

• حدثينا عن مشروعك المختص بالصحة النفسية، ولماذا اخترت هذا العنوان؟

- تم تصميم مشروعي الأول حول المرض العقلي؛ لأحكي قصتي الشخصية كشخص يعاني «اضطراب الشخصية الحدية» (BPD). أردت أن أكون قادرة ليس فقط على الحديث عما يعنيه التعايش مع مرض عقلي، لكن أيضاً كيف ينظر إليه الناس والمجتمع. التقطت في صوري التأثيرات التي يمكن أن تحدثها كلمات الناس في شخص مصاب بمرض نفسي أو عقلي، وتتحدث أعمالي عن الآثار التي يمكن أن يسببها نقص الوعي والتعليم في المرضى النفسيين، ومدى أهمية فهم الناس لتلك الأمراض بشكل أدق، كطريقة لطلب العلاج، والتغلب على التداعيات. منذ ذلك الحين، أنتجت، أيضاً، سلسلة من الصور عن الصحة النفسية والعقلية، مثل: الموازنة بين الأدوية، ونمط الحياة الصحي، مستلهمة هذه الفكرة من تجربتي الشخصية مع تناول أدوية «اضطراب الشخصية الحدية»، وإدراك أن الأدوية وحدها ليست منقذاً لجميع مشاكلي. موضوع آخر مهم صورته، مؤخراً، هو تشوه الجسم؛ لأن الكثير من الناس، خاصة النساء، يميلون إلى المعاناة، لكنهم لا يتحدثون عنها، بسبب وصمة العار المرتبطة بها. وقمت بلفت الانتباه، مؤخراً، إلى ما تقدمه وسائل الإعلام عن توقعات غير واقعية، لما يجب أن تكون عليه معايير الجمال، وكيف.

• كيف تنظرين إلى فن التصوير كعامل من عوامل رفع الوعي والتثقيف؟

- أجد في التصوير منصة، يمكنني من خلالها أن أنقل إلى الناس ما أشعر به حيال الموضوعات الاجتماعية المهمة، خاصة أن الناس أكثر تقبلاً للأسئلة المرئية؛ وعندما أقدم لهم صورة، يمكن استخدامها لقول الكثير دون أن تشغل مساحة كبيرة، وهذا هو جمال التصوير الفوتوغرافي. لقد كان من الرائع أن أرى كيف أن ما كنت أعتبره صوراً بسيطة، يمكن في الواقع أن يحدث الكثير من الضجيج، ويحث على التغير الإيجابي.

• اهتممت بتوثيق الحياة البحرينية.. ما الذي يجذب عدستك؟

- أحاول، في الأغلب، التقاط الثقافة البحرينية الغنية، وهذا هو السبب في أنني أميل إلى زيارة الأسواق التقليدية؛ لالتقاط بقايا الحياة القديمة والتقاليد، التي لاتزال قائمة وسط حداثة الحياة. إنه لأمر رائع أن تكون قادراً على تتبع الزمن الماضي، وتوثيق مثل هذه التطورات في الحياة.. باستخدام الكاميرا.