عيد الفطر عادات قديمة بروح الحداثة

تتمتع دولة الإمارات العربية المتحدة بعادات ثرية في عيد الفطر المبارك، تدور حول تقاليد فريدة ظلت تتوارثها الأجيال، وتحافظ عليها بشكل دائم لتحميها من الاندثار. ورغم تعدد الثقافات، وبصمة التطور والحداثة التي لامست جميع جوانب الحياة في الدولة، فإن المكانة المهمة التي يلعبها العيد في تعزيز الروابط الأسري

تتمتع دولة الإمارات العربية المتحدة بعادات ثرية في عيد الفطر المبارك، تدور حول تقاليد فريدة ظلت تتوارثها الأجيال، وتحافظ عليها بشكل دائم لتحميها من الاندثار. ورغم تعدد الثقافات، وبصمة التطور والحداثة التي لامست جميع جوانب الحياة في الدولة، فإن المكانة المهمة التي يلعبها العيد في تعزيز الروابط الأسرية والمجتمعية والطقوس والعادات المحلية المرتبطة به لاتزال راسخة، والتي تشمل ارتداء ملابس جديدة، وإظهار قيمة العطاء، من خلال تقديم الصدقات للفقراء والمحتاجين، بالإضافة إلى تقديم الوجبات الخاصة من الأطباق اللذيذة، والرقصات الشعبية في الأماكن العامة، والزيارات العائلية لتقديم تهنئة العيد، وذلك كله وسط أجواء من البهجة والسرور.

تبدأ احتفالات عيد الفطر بالإمارات في الصباح المبكر بتكبيرات العيد التي تعم أنحاء البلاد، حيث يرتدي الرجال ملابسهم البيضاء المعروفة: (الكندورة، والغترة، والعقال)، للذهاب إلى الصلاة، بينما ترتدي النساء ملابسهن الجديدة: (الثوب، المخور). في الماضي، كان الرجال يشترون كندورة جديدة، أو يصبغون إحدى القطع الموجودة لديهم باستخدام زيت الجوز والهيل. أما اليوم، فتتم خياطتها من أجود أنواع الأقمشة في الأسواق العالمية. وحالياً، كما في السابق، في عيد الفطر تضع النساء والفتيات الحناء على أيديهن، ويتزينَّ بالعطور التقليدية، المصنوعة يدوياً من الأعشاب والطيب والمعروفة بـ«الصناع»، و«المخمرية»، كما يتحلين بالحلي الذهبية، ومع اتجاهات الموضة الجديدة، باتت هناك لمسة عصرية للعلامات التجارية على جميع هذه التصاميم مع التمسك بالقديم.

 

 

زيارات.. وعيدية

بعد الصلاة، يتم تبادل التهاني بين الكبار والصغار، وتنتشر في الأجواء روائح العود والبخور (العطور المنزلية)، وهي ضرورة في كل البيوت، التي تظل مفتوحة طوال أيام عيد الفطر لاستقبال الضيوف، وتعج بالزوار، حيث تبدأ زيارة منازل الأقارب والأصدقاء، وتنعكس ابتسامات الأطفال، ويتم إعداد مائدة خاصة لهذه المناسبة من أشهى المأكولات والمشروبات، حيث يجلس الجميع معاً حسب التقاليد لتناول الطعام، ويتلقى الأطفال، الذين يرتدون الكندورة الجديدة (من دون الغترة) الهدايا والحلويات، ويحتفلون بالألعاب التقليدية والغناء والرقص، وأيضاً يتلقون العيدية (نقود العيد) من الأقارب.

مجالس.. واحتفالات

في المجالس (قاعات الاستقبال) تقدم الحلويات والتمور، وأنواع من الفاكهة، إضافة إلى القهوة والشاي، للضيوف الزائرين الذين يتبادلون التهاني والأحاديث. وفي الماضي، واليوم أيضاً، تعم الاحتفالات الشعبية الأماكن العامة، حيث يؤدي الرجال الرقصات الشعبية، بما في ذلك الرزفة، وكذلك تنتشر في الأرجاء والساحات احتفالات فرق الفنون والفلكلور، وتنشد الأغاني الشعبية في جو من السعادة والمرح والفرحة بهذا اليوم الجميل.

فوالة‭ ‬العيد‭ ‬

تتجلى الاحتفائية الشعبية بعيد الفطر في الإمارات في تفاصيل عدة، قائمة إلى يومنا هذا، حيث يتخذ الطعام في تقليد آخر لم يندثر شكلاً احتفالياً تجسده ما سماه الإماراتيون «فوالة العيد»، وهي مائدة تزخر بألوان الأطباق المحلية، ويجتمع عليها الأهل والأقارب في مظهر تواصلي يتميز به المجتمع الإماراتي في صباح العيد، فيأكل الناس فطور «الهريس»، وهو من أشهر الأطباق التقليدية في الإمارات، ويتكون من اللحوم (خاصة الدجاج) والقمح. وهو الوجبة الرئيسية في الفوالة، بالإضافة إلى الثريد، كما تقدم أنواع من الحلويات المحلية، مثل: «اللقيمات»، و«محلى زايد»، و«جباب». وفي الوقت الحاضر، أضيفت إلى هذه المائدة أنواع عصرية ومختلفة من الحلويات والشكولاتة، بالإضافة إلى الفواكه التي توضع في المجالس لاستقبال الضيوف، ودائماً هناك دلة القهوة والشاي. وغالباً يتبلان بالنعناع والهيل والزعفران.

 

 

عبدالله‭ ‬الهامور‭: ‬ الإماراتيون‭ ‬نجحوا‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬العادات‭ ‬والتقاليد

بعين خبيرة، يرى باحث التراث الإماراتي، عبدالله الهامور، أن الحياة المعاصرة قد يكون فيها الكثير من التحديات، التي تجعل المحافظة على الموروث الشعبي أمراً ليس بالسهل، لكن الواقع أن مواطني الإمارات، وتعزيزاً للهوية الوطنية، حريصون على إعادة إنتاج كثير من العادات والتقاليد المرتبطة بعيد الفطر، بما يضمن لها الصمود والاستمرار في الحاضر، وذلك في كثير من مظاهره، مثل: الزي، والضيافة، والاستعداد لهذا اليوم بكل شوق وفرحة، لاسيما في القرى والبوادي.

ويؤكد الهامور أن «هذا الجيل لا يستطيع أبداً أن ينسى مظاهر الحياة التي عاشها الأجداد، وجمال جوهرها ومظهرها، خاصة في مناسبات مثل عيد الفطر وغيره، وذلك بسبب القيم الرفيعة التي تحملها، إضافة إلى تعلقها بثقافة تضرب جذورها عميقاً في المكارم والفضائل، فتجعل من المجتمع جسداً واحداً. ويشرح: «في العيد تتجلى معاني التراحم، فالغني يعطي الفقير (زكاة عيد الفطر)، وتنتشر أجواء التسامح والألفة، ويتشارك الناس طقوساً ثرية، تقوي الروابط الاجتماعية والأسرية».

ويضيف الهامور: «صمد كثير من العادات والممارسات التقليدية في مناسبة عيد الفطر في الحاضر، خاصة في ما يتعلق بالطعام وطريقة إعداده، وزينة النساء والرجال، وفرحة الأطفال بالعيديات، واجتماع الناس على المائدة، وفي المجلس؛ لمشاركة وجبة فطور العيد أو الغداء، وغيرهما، لكن أهمها تلك الروح من التعاون، المرتكزة على الدين بعباداته وعقائده، التي ينطلق منها الأساس في كل السلوكيات، والتي تسود في مثل تلك المناسبات السعيدة».