بمجموعته الاستثنائية النادرة من المشغولات الجصية والخشبية النادرة، وكذلك القطع المعدنية والسيراميك والزجاج والكريستال والنسيج من جميع الحقب؛ يعد متحف الفن الإسلامي، في مدينة القاهرة المصرية بساحة باب الخلق، أحد أكثر متاحف العصور الوسطى اكتمالاً، ومكاناً نموذجياً لإبراز تطور الإسلام وعظمته. وأيضاً، يعد شاهداً على آثار مصر في جميع العصور الإسلامية؛ إذ يوثق تطور هذه الحضارة في مختلف مجالات العلوم، مثل: الطب، والهندسة، وعلم الفلك، وغيرها.

بدأت فكرة إنشاء متحف للفنون والآثار الإسلامية في عصر الخديوي إسماعيل سنة 1869، وتم تنفيذ الفكرة في عصر الخديوي توفيق سنة 1880، واكتمل في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني سنة 1903، وقد صممه المهندس المعماري الإيطالي ألفونسو مانيسكالو، الذي اختار الطراز المملوكي، الذي ينسب إلى عهد المماليك الذين حكموا مصر من القرن الثالث عشر إلى القرن السادس عشر.

أجنحة.. وقطع

المتحف مقسم إلى جناحين: أيمن، وأيسر. ويقسم الجناح الأيمن تاريخياً، بينما الجناح الأيسر مقسم إلى مجالات مختلفة، تشمل: الطب، والهندسة، والنسيج، والسجاد، والسيراميك، وشواهد القبور، وأدوات الحياة اليومية، وغيرها.

ويضم المتحف قرابة 100 ألف قطعة أثرية فريدة ونادرة، وتتنوع القطع الأثرية في المتحف بين العصور العباسية والأموية والطولونية والفاطمية والأيوبية والمملوكية والعثمانية. كما تشكل واحدة من أهم مجموعات الفن الإسلامي في العالم، بقطع تعود إلى القرن السابع حتى نهاية القرن التاسع عشر، حيث تسمح الزيارة بجولة بانورامية عبر 12 قرناً من ثقافة وفن الإسلام في جميع مناطق العالم التي كانت موجودة فيها، وتكشف القطع - من فترات ومناطق مختلفة - عن المستوى العالي، الذي وصلت إليه ثقافة وفن الإسلام.

مخطوطات قيمة

يحتضن متحف الفن الإسلامي أكبر وأهم مجموعة من الفن الإسلامي في العالم؛ فهناك 100 ألف قطعة من القرن السابع إلى القرن التاسع عشر، حيث توجد 25 صالة عرض، بها قطعٌ من الخشب والزجاج والمعدن والسيراميك والمخطوطات والملابس، من جميع أنحاء العالم الإسلامي، فهناك 4400 قطعة معروضة، كلها ذات قيمة كبيرة، بما في ذلك سيف للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لقيمة السيف الروحية والتاريخية، إضافة إلى مخطوطات للقرآن الكريم، من أصل فارسي وتركي، من القرن التاسع إلى القرن التاسع عشر. ورغم أن معظم القطع تأتي من مصر، والمملكة العربية السعودية، وإيران وتركيا وباكستان وشمال إفريقيا، فهناك أيضاً قطع جاءت من دول أخرى، حيث كانت البصمة الإسلامية فيها عميقة، مثل: الهند، والصين، وإسبانيا.

فن المصابيح

كما يسرد المتحف، أيضاً، قصة أحد أبرز فنون الحضارة الإسلامية، وهو فن المصابيح، أو فن تشكيل الزجاج، حيث يوجد أكبر عدد من مصابيح الفن الإسلامي بداخله، التي تتميز بتصاميمها المعقدة والمبتكرة، ويحتوي على سلسلة من الكتابات التي ترجع إلى الفترة التاريخية التي تم فيها صنعه. كذلك، يضم مجموعة من المخطوطات والتحف في الطب، والجراحة والأعشاب، وأدوات علم الفلك، مثل: الإسطرلاب، والبوصلة، والكرات الفلكية. وفي مجال الفنون الفرعية، التي تمثل ضرورات الحياة، مثل الآنية المعدنية والزجاجية والخزفية والحلي والخشب والعاج والمنسوجات والسجاد، والأسلحة مثل: السيوف، والخناجر، والبنادق، وشبكات ودروع من القرن الخامس عشر إلى القرن السابع عشر، كما تم افتتاح غرف جديدة عام 2017، إحداها مخصصة للعملات المعدنية، وغرفة للأسلحة، وأخرى للمخطوطات.

قطع فريدة

تتنوع القطع النادرة والفريدة داخل متحف الفن الإسلامي، بما في ذلك «كرسي الطعام» الذي تم وضعه على طاولة غرفة الطعام، بالإضافة إلى القطع النادرة التي توثق فن «التكفية» والحفر وبناء الأبواب. ومن القطع الفريدة التي يضمها متحف الفن الإسلامي، أيضاً، الـ«كالجا»، وهي تشبه خزان الري، لكنها تتكون من قطعتين، وهي معيار للاهتمام بالحيوان في الدين الإسلامي. وكانت الـ«كالجا» توضع في الشارع لسقاية المارة، وإذا شرب أحد المارة من الأعلى، وبقي بعض الماء، لم يرمه على الأرض، بل يضعه في القاع للطيور والحيوانات؛ لتشرب منه.

من أندر ما يضمه المتحف من التحف المعدنية ما يعرف بإبريق مروان بن محمد (آخر الخلفاء الأمويين)، ويمثل هذا الإبريق ما وصل إليه فن صناعة الزخارف المعدنية في بداية العصر الإسلامي، وهو مصنوع من البرونز ويبلغ ارتفاعه 41 سم وقطره 28 سم.

تحف خشبية

ويحتفظ متحف الفن الإسلامي، بمجموعات متميزة من الخشب الأموي الذي زخرفه المصريون بطرق التطعيم والتلوين والزخرفة بأشرطة من الجلد والحفر، ومنها أفاريز خشبية من جامع عمرو بن العاص ترجع إلى عام 212 هـ. وبالمتحف أيضاً مجموعة مهمة من الخشب الذي أنتج في العصر العباسي بمصر، وخاصة في العصر الطولوني الذي يتميز بزخارفه التي تسمى «طراز سامراء»، الذي انتشر وتطور في العراق، وهو يستخدم الحفر المائل، أو المشطوف، لتنفيذ العناصر الزخرفية على الخشب أو الجص وغيرها. وتأتي أهمية التحف الخشبية التي يضمها المتحف لكونها تمثل تطور زخارف سامراء، وهي تحف نادرة، لم يعثر على مثيلها في سامراء العراق نفسها.

مفتاح  ذهبي

بين العديد من الجواهر، الموجودة في متحف الفن الإسلامي، هناك مصحف نادر من العصر المملوكي، وآخر من العصر الأموي مكتوب على جلد الغزال، وأقدم دينار ذهبي مؤرخ بعام 77 هجرية؛ وترجع أهميته إلى كونه أقدم دينار إسلامي تم العثور عليه إلى الآن، بالإضافة إلى مجموعة متميزة من المكاحل والأختام والأوزان تمثل بداية العصر الإسلامي الأموي والعباسي، ونياشين وأنواط وقلائد من العصر العثماني وأسرة محمد علي.

ومن أكثر المعروضات قيمة، كذلك في المتحف، مفتاح ذهبي مرصع بالأحجار الكريمة، وهذا هو مفتاح باب الكعبة المشرفة من العصر المملوكي، إضافة إلى قطعة نسيج تحمل أقدم كتابة كوفية.