فايز قزق: أحب تقديم الشخصيات المتناقضة

ليس ممثلاً عادياً، بل هو أستاذ تمثيل بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فهو يدرس أهم مواد الأداء لطلاب السنة الثالثة، وسنة التخرج، في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، ويشرف على تخريج الممثلين الجدد، وهو أمام الشاشة شخص لا يتوانى في استخدام ما يلزم من أدوات صوتية وشكلية لخدمة الشخصية التي يقدمها، إنه ا

ليس ممثلاً عادياً، بل هو أستاذ تمثيل بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فهو يدرس أهم مواد الأداء لطلاب السنة الثالثة، وسنة التخرج، في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، ويشرف على تخريج الممثلين الجدد، وهو أمام الشاشة شخص لا يتوانى في استخدام ما يلزم من أدوات صوتية وشكلية لخدمة الشخصية التي يقدمها، إنه الأستاذ الفنان فايز قزق، الذي استطاع - على مدار الأعوام الأخيرة - أن يقدم توليفة متميزة من الأعمال الفنية والأدوار المميزة.. وها هو اليوم في حوار خاص مع «زهرة فن»، يحكي عن تجربته: 

* الموسم الرمضاني الأخير شهد حضوراً مميزاً لك، من خلال ثلاث شخصيات.. ماذا تقول عن هذه التجارب؟

- الحقيقة لم يكن القصد أن أقدم هذه الشخصيات الثلاث: «حسن، وإدريس، وحاتم»، غير المتوافقة في آرائها وحيثياتها، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو المعيشية أو البيئية، لكنني قدمت هذه الشخصيات المختلفة، وكان عليّ أن أقدم لكل شخصية جزءاً من الجسد المهم، والروح المهمة، وفق ما تقتضيه الحاجة توافقاً مع ظرفها الاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي، فكانت البداية مع «إدريس» في مسلسل «الزند»، وهذه شخصية من الصعب جداً أن تصل إلى بيئتها ولهجتها وظرفها في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر، مع انسحاب الجيش العثماني من المنطقة، وحلول الأوروبيين، وما كان يُخطط له من «سايكس بيكو»، وغيرها من الاتفاقيات، وطبعاً كانت هناك دراسة سريعة لهذه الفترة بالنسبة لي، ورسم صورة مبدئية لهذه الشخصية، هذه الصورة التاريخية حاولت رسمها مع الأستاذ سامر برقاوي بعد نقاشات ومداولات مع النص بالمادة التي كتبها الأستاذ عمر أبوسعدة، وبدأنا العمل شيئاً فشيئاً للملمة هذه الشخصية، وجعلها شخصية ذات قيمة جبارة ضمن العمل، ويبدو أننا نجحنا من خلال بذل الجهد في التفاصيل، وكل مشهد من مشاهدي التي كانت تتوالى تباعاً ضمن منطق المسلسل ككل، وضمن خطة الإنتاج.

* ماذا عن حاتم في «للموت 3»؟ 

- الشخصية الثانية هي حاتم سعد في مسلسل «للموت» من إخراج فيليب أسمر، وهي شخصية متناقضة ومختلفة عن شخصية إدريس، وكانت طريفة بالنسبة لي، وطرافتها في أنها شخصية ذات طابع بوليسي، تحتوي على كثير من المناكفات العائلية بينه وبين شقيقته، وبينه وبين من هم حوله، والخطط التي كانت تحاك له، ضمن منطق بوليسي هو من صفات هذا المسلسل، وجملة القضايا التي حاول أن يقدمها. كان ذلك تعاوناً لطيفاً مع المخرج، ومع مجموعة من الممثلين والممثلات في هذا العمل، واستطعنا أن نصل بطريقة، أو بأخرى إلى تكوين صورة ذات نمط لطيف هادئ جداً، لكن من الداخل يفور بكل أنواع المشاعر العدائية، وهو شخص ليس شجاعاً حقيقة برأيي الشخصي، لكن يمكنه أن يُقْدِم على أي عمل ليخلخل مواقع أعدائه، كما هو مطلوب منه في العمل.

* مشاركتك الثالثة كانت في مسلسل «دوار شمالي»، الذي تم تأجيله في اللحظات الأخيرة إلى ما بعد رمضان! 

- صحيح، وقدمت فيه شخصية «حسن»، وقد استجمعت الكثير من القوة والقدرة والذاكرة من أساتذة الجامعات، باعتبار أن «الدكتور حسن» شخص صارم وله ميزات متعددة، فهو إنسان متدين، ومتنور ويراقب هذا المجتمع، ويحاول أن يغير فيه بشكل طبيعي، بعيداً عن التوتر أو الإساءة لأي شخص، لكن مع بعض المحيطين به، ومنهم: أخو زوجته، وزوجته، يترك الأمور لهم للتصرف فيها، لكن تصرفاتهم تصبح وبالاً عليه، فيطلق زوجته لأسباب اجتماعية، ويبدأ في لملمة ابنتيه، إلا أن الظرف والزمن معاكسان له. وفي عمله هناك هيئة تدريسية بالكامل ضده، وضد تغيير ما يُدرس للطلاب، ولديه فكر حقيقة تقدمي (تنويري) مستقبلي يرى فيه ما يعطيه للطلاب بالجامعة أموراً أكل عليها الدهر وشرب. وتذهب الأمور به في اتجاهات مختلفة مثل أخيه الذي لديه أكثر من مشكلة، كما أنه مشغول مع ابنتيه، فإحداهما سيطرت على الأخرى، وتزوجت من شخص إلى حدٍّ ما أفكاره متحجرة، فلا يدرك أن للمرأة حقوقاً، وأرجو أن يعرض المسلسل بعد شهر رمضان المبارك.

* حقق «الزند» نجاحاً كبيراً.. ما سبب ذلك؟

- لا أستطيع أن أتكلم عن هذا الأمر; لأنه ستكون شهادتي فيه مجروحة، لكن حقيقة لا يمكن لي إلا أن أنقل الصورة الطيبة لهذا المشروع كما قدم وكتب، والجهد الكبير الذي بذله سامر برقاوي وتيم حسن والشباب الجدد الذين بدؤوا للتو، وقسم منهم من طلابي الذين تخرجوا قبل بضعة أشهر، فكل الفريق قام بجهد كبير لخدمة الحكاية التي قدمها الأستاذ عمر أبو سعدة، وهذا العمل رصد له إنتاج ضخم، ما وفر الكثير للممثلين والفنيين للقيام بعملهم بشكل جيد، خاصة في ما يتعلق بالأجور، التي كانت أفضل نسبياً. وهكذا شعرت من خلال عمل هؤلاء الناس ورضاهم عما كانوا يقومون به. هذا العمل استحق هذا الجهد للوصول إلى ما وصلنا إليه. أنا سعيد بما قدمناه في هذا المسلسل، وعلى مستوى «إدريس»، لاحقاً «الشيخ إدريس»، والتحدي الذي وضعتني أمامه هذه الشخصية; كونها تفقد إحدى عينيها طوال المسلسل، وصعوبة العمل بعين واحدة مع تلك المواقف التي كانت يجب أن تخوضها، فكان عليَّ أن أهدأ، وأتأقلم مع هذه الحالة; للوصول إلى هذه النتيجة.

* هل استطاع تيم حسن أن يخرج من عباءة «الهيبة»؟

- إن ما قدمه تيم يضيف إلى شخصية «عاصي»، الذي يمر بمراحل متعددة، سواء بالضيعة، أو لاحقاً في عمله، أو الجيش. واستطاع - في تقديري - الخروج من هذا النمط والنموذج الإنساني الذي قدمه بـ«الهيبة». قد تكون هناك بعض التشابهات وهذا طبيعي، فلن نستطيع أن نخرج من جلدنا بشكل نهائي. أما بالنسبة لما قدمه، فكان شيئاً مدهشاً ولطيفاً.

* في العام الماضي، قدمت «كسر عضم».. لماذا تتميز دائماً في أدوار الشر؟

- ربما لأنها تغسل الإنسان من الداخل من كل ما يمكن أن يكون في نفسيته من شر، على مبدأ الاغتسال اليوناني عندما نرى الشخصيات على خشبة المسرح في حالة شر مطلق يصيبنا هذا الغسول الروحي، وهذا نراه منعكساً أمامنا، فنتخلص منه في حياتنا الحقيقية بعيداً عن المسرح والتلفزيون والسينما، وهذا لا يعني أنني لم أقدم شخصيات تحمل الطابع اللطيف والأنيق بمعنى الكلمة، كما في «ضب السناتي»، وغيره من الأعمال. لا أستطيع أن أقول إن «إدريس» ولد شريراً، كما «الحكم» في «كسر عضم» لم يولد شريراً أيضاً، فلا يوجد إنسان شرير بطبعه، لكنها الظروف التي تحيط بهذا الإنسان الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والتربية في المنزل والشارع والمدرسة ومكان العمل، المجتمع كله يمكن أن يدفع الإنسان إلى الوصول إلى وصف «شرير».