بإزميل الإبداع، المحمول على محفة المعمار، نحتت الفنانة العراقية، رند عبدالجبار، عوالم مرئية مدهشة، احتفت فيها بالذاكرة والآثار والتاريخ، وبحزمة متعددة من مهاراتها، وثراء مواهبها في الفنون البصرية، من التصميم والنحت والهندسة، فعكست جمال الكون من مرآة وجدانها، وعبرت عن نفسها وقضاياها وجيلها بأعمال فريدة واستثنائية.. إلى أن فازت بالنسخة الثانية من جائزة ريتشارد ميل للفنون، بالتعاون مع متحف اللوفر أبوظبي، عن الفن الذي قدمته في معرض «عجائب الأرض.. أساطير السماء». في هذا الحوار معها، إضاءة على تجربتها:

• ما أبرز ملامح مشروعك الإبداعي في معرض «والمرايا كثيرة»؟

- يمثل العمل إعادة سرد لسلسلة من الأحداث، التي شكلت أو أثرت في تاريخ مملكة الحضر القديمة بالعراق، منذ نشأتها الجيولوجية كموقع، ثم تحولها إلى دولة مدينة مستقلة تُعرف باسم «مدينة الشمس»، إلى تشابكها مع الموروثات الإمبريالية والاستعمارية والأثرية في المنطقة، وتداعيات الاحتلال، والنزاع الأخير على المكان وتراثه المادي، وتقاطعها مع الذكريات والتجارب الشخصية والعائلية، ما يؤدي إلى تشكيل أسئلة حول علاقتنا بالأنماط، ومسؤولية التذكر. ونظراً إلى طبيعة تاريخ المكان المعقدة، وتعدد طبقاته، فقد اخترت إعادة صياغته من خلال سلسلة من النصوص التي كتبتها (وترجمتها ديمة الغنيم من الإنجليزية)، والتي تقدم سرداً من منظور ثلاثة عناصر أساسية، هي: الأرض، والشمس، والملح.

• حدثينا عن الدلالات والرموز، التي تمثلها هذه العناصر بالذات!

- تمثل الأرض التربة والجسد، وترمز الشمس إلى التسمية القديمة للحضر، بينما تشير أيضاً إلى أبعاد، مثل: الحقيقة، والعدالة، والحكمة، ويعمل الملح كعميل مزدوج؛ فهو يمثل النقاء والحفظ من جهة، وسمات شريرة من الاضمحلال والدمار من جهة أخرى. تقوم المنحوتات الطينية، التي تظهر كجزء من التركيب والفيلم، بتعزيز النص والاستجابة له، من خلال الشكل والإيماءة، والتفاعل المادي مع الأرض.

• معمارية وفنانة مرئية ومصممة.. ماذا أضاف إليك تعدد التخصصات، وماذا أخذ منكِ؟

- صحيح، أنني لست مهندسة معمارية ممارسة، إلا أنني أعتبر أن خلفيتي التعليمية في العمارة قد وفرت الأساس للطريقة التي أعمل بها، سواء من حيث الأساليب التي تعتمد عليها المفاهيم القائمة على البحوث الدقيقة، أو مشاركتها المادية في تشكيل الفضاء والأشكال. إن التصميم، في حد ذاته كعمل، يتخلل مجال الفن والعمارة، ويوحدهما في سعيهما لوصف قصد أو هدف، إلا أن المهندس المعماري غالباً يشرف فقط على التنفيذ الفعلي لتصميمهما. ما أستمتع به في ممارستي الفنية، هو المشاركة المباشرة والقرب، اللذان توفرهما لي عملية صياغة المواد أو الرسومات أو الأشياء أو المنحوتات.

• أي الألوان الفنية تجدين فيها نفسك تماماً، وتشعرك بالرضا، ولماذا؟

- لديَّ انجذاب عميق للعمل بالطين، كما أنني أعمل كثيراً بالسيراميك؛ لسماته اللدنة والتأملية للغاية، كما أن رحلة تشكيله مليئة بالاكتشافات.

• هناك هاجس يتمثل في علاقة التراث بالحداثة، فكيف تعاملت من خلال أعمالك مع هذا الإشكال؟

- أنا لا أرى تعارضاً أو تناقضاً بين التراث والحداثة، فكلاهما جزء من سلسلة متواصلة من الأحداث التي نعيشها اليوم. يستمر صدى الماضي بالتردد في الحاضر، وبصفتي فنانة، فإن الكثير من أعمالي يدور حول فهم هذه العلاقة، لاسيما استكشاف ارتباطها بتاريخ عائلتي، وتجربتي الشخصية. أنا أؤمن بأن الحصول على فهم أفضل عن ماهيتنا، والإرث الذي نرغب في تركه وراءنا ممكن، عندما ننظر إلى الأفعال والقوى التي شكلتنا، على المستويين الشخصي والجماعي.

• كيف أثر وجودك بالإمارات في موهبتك وإبداعك؟

- أقامت عائلتي في دولة الإمارات العربية المتحدة معظم سنين حياتي، لذلك من الصعب محاولة وصف أو تلخيص تأثير البيئة التي أعدها وطناً لي، حتى قبل بناء مسيرتي المهنية فيها منذ وقت طويل. بطبيعة الحال، هذا هو المكان الذي استثمرت فيه عاطفياً، والذي أعتبر نفسي محظوظة وممتنة؛ لأنه ساهم بشكل كبير في نموي وتطوري كفنانة.

• ما الذي تعبّر عنه القطع النحتية في معرض «عجائب الأرض.. أساطير السماء»؟

- المنحوتات تروي قصصاً وأساطير ومعتقدات نابعة من أولى الحضارات والديانات، وبعضها مستمر إلى اليوم. إنها لغة أبجدية تحاور الماضي، وتحاول معرفة ترداده اليوم، وتتكرر أشكالها مع الزمن، ونراها على سبيل المثال في القوارب، والسجاجيد التقليدية، ونحاول التقاط هذه الأشكال المختلفة، التي تستمر في التردد، وتقديمها بطريقة جديدة كلغة تخرج من الأرض نفسها.