أراد أن يُحدث تغييراً إيجابياً في حياته؛ فحمل علم بلاده، المملكة العربية السعودية، وراح يجول قاطعاً الدروب الصعبة، محققاً نجاحاً تلو آخر. نايف شكري، ابن مدينة جدّة، عَبَرَ المدن، على قدميه، وأطول رحلاته كانت بين مدينتَيْ جدّة وأبوظبي، معانداً عوامل الطبيعة، وكل من حاول أن يردع همته، ويقول له: «لن تصل». كثيرون أساؤوا إليه. كثيرون سخروا مما يفعل. وكثيرون شجعوه. لكنه قرر ونفذ وحقّق. أما ميرفت، ففشلت في تنفيذ ما فكّرت فيه، فهي تنظر إلى حياتها بكثير من اليأس، بحدسٍ داخلي لديها يُنبئها بأنها لن تصل إلى مكان، فلماذا تجهد نفسها بما لن تكون قادرة على تحقيقه. ميرفت، ابنة الثلاثين، لا تجرؤ اليوم على الحلم، مستسلمة لما تعتبره قدراً، تاركة العنان حتى لوزنها الذي تضاعف في مدة قياسية. فهل يجوز لصبيّة أن تقف عند حافة العمر وهي بعد في عزّ شبابها؟.. هل تحتاج إلى مراجعة أخصائي في علم النفس؟.. هل تحتاج إلى مدرب حياة وتطوير الذات؟.. الثابت، أن الاستسلام في أي عمر ممنوع، لكن ماذا في ألف باء الإمساك بيدها وإعادتها إلى قلب معادلة الحياة، من خلال دفعها إلى أن تتحدى القلق والرتابة والرغبة في البقاء في دائرة الراحة، وتنطلق محدثة التغيير والتطوير الذاتي؟

لنكن واقعيين مع ميرفت، ولننقل لها منذ البداية ما قالته مدربة تطوير الذات، كارلا مطر: «إن عدم اتخاذ القرار.. قرار». إذاً، ميرفت قرّرت في وقتٍ تظن فيه أنها غير قادرة على القرار. وهذا جيّد إلى حدّ ما؛ لأنه يؤكد لها أنها قادرة على اتخاذ القرار الذي ترتاح إليه. فلنبدأ من هنا، من نقطة الانطلاق نحو دفعها إلى تحدي الذات، وإثبات قدراتها.

قد تكون مشكلة ميرفت أنها من صنف الناس الذين يشعرون بأن حياتهم سيئة، وبأن القدر يعاكسهم، وبأنهم غير جديرين بالنجاح. وقد تكون من النساء اللواتي ينظرن إلى أنفسهن في المرآة ليشاهدن ما يعتبرنه بشعاً فيهن لا ما هو جميل. هي باختصار تفتقد الثقة بالنفس، وتشكك بقدراتها على الوقوف أمام مهمة جديدة. والعلاج يبدأ في دفعها إلى تقدير ذاتها أولاً.. فكيف يمكن مساعدتها على ذلك؟.. وكيف يمكنها اتخاذ قرارات جديدة، تؤسس لمستقبل لا لجمود؟.. تقول مدربة تطوير الذات، كارلا مطر: «فلتمسك المرأة بورقة وقلم، ولتبدأ في كتابة ما هو أساسي في حياتها، ثم لتكتب ما تقوم به عادة من تفاصيل تفعلها برضاها أو رغماً عنها، وتؤثر في حياتها، ولتدوّن أيضاً ما ترغب في إحداثه، وما تحلم بإنجازه، ولتقم بإزالة بعض التفاصيل مقابل خطط يفترض تحديدها، والانطلاق بها. الكتابة أمرٌ ضروري؛ لأنها تشكّل ما يشبه التحدي الذاتي، مثلها مثل الزراعة التي تحتاج - من وقت إلى آخر - إلى إزالة، وإلى زرع جديد». نعم، إنها خطوة أولى لا بُدّ منها، من أجل أن تبدأ بالزراعة في ذاتها هذه المرة «فالدنيا لا تنتهي إذا نظرت إلى المرآة، ولم ترَ الزهور في حياتها؛ فيمكنها أن تبدأ بزراعتها الآن».

الخوف من الخطأ

يستطيع الإنسان، أي إنسان، أن يغيّر حياته حينما يغيّر ذاته. فميرفت ليست سعيدة في حياتها؛ لأنها لا ترى نفسها - على الأرجح - مسيطرة على تفاصيل الحاضر، وربما لأنها ترى الناس حولها يتصرفون بغرابة، وفق أمور لم تتوقعها منهم. فلتخفف من توقعاتها تلك، ولتتذكر أنها مسؤولة فقط عن تصرفاتها، وعليها ألا تعول كثيراً على خطوات الآخرين؛ كي لا تصاب بخيبات أمل. أمرٌ آخر يفترض أن تتذكره دائماً، هو أنها قد تُخطئ في قراراتها هي، وهذه حال الجميع، المهم ألا تقف في مكانها؛ خوفاً من الخطأ. هي ترى نفسها سمينة. مهلاً، هذه ليست آخر الدنيا، ويمكنها خسارة بعض الوزن بأن تضع قرارات واقعية تتحدى بها ذاتها. فلتسأل نفسها: لماذا أريد أن أخسر وزناً؟ كي أكون مرتاحة مع نفسي؟ جميل. هل تريد أن تكون خطوة خسارة الوزن نقطة التغيير الأولى نحو إثبات ذاتها، فليكن ذلك. فلتربط قرارها بوقت. شهر، اثنين، ستة أشهر. المهم أن يكون قرارها واقعياً. ولتضع خطة لتنفيذ القرار. وهذا يكون من خلال سلسلة خطوات، تتحدث عنها مدربة تطوير الذات: «لا للتردد، ولنتذكر أن الحياة مجموعة قرارات.. الاستيقاظ عند الصباح، في ساعة معينة، قرار، ويهم برمجة كل تلك القرارات».

آراء الآخرين

هناك من يأخذون القرارات بسرعة، وهناك من يتريثون. لا يهم، الأهم أن تُتخذ في النهاية. ويجب أن تكون القرارات أكثر قرباً من القيم والمبادئ. ويجب أن تحدث مقارنة بين السلبيات والإيجابيات. ولا ضير هنا في اللحاق بالإحساس الداخلي لدينا، وماذا يقول لنا الحدس الذي بداخلنا عن قرار ننوي القيام به. أخذ آراء الآخرين مهم، شرط ألا نأخذ 100 رأي، بل رأيَ واحدٍ أو اثنين من خبراء وأشخاص نعرف أنهم يريدون لنا الأفضل. ويجب ألا نندم على قرار أخذناه. إذا أصبنا، فقد نجحنا، وإذا لم نصب فقد تعلمنا. فلنبتعد قدر الإمكان عن المشاعر السلبية. ولنتذكر مقولة في علم النفس: «فلنعش، ونقدّر أي شيء قمنا به».

نعود إلى المغامر نايف شكري (28 عاماً)؛ لنسأله هو علَّ ميرفت - وأمثال ميرفت - يتعلمون منه: كيف خاض تجربة التحدي وإثبات الذات في حياته؟.. يجيب: «لا بُدّ؛ لننجز، أن تكون الهمة عالية، والعزيمة والإصرار موجودين، وحينها يمكن أن ينجز الإنسان ما يريد».

وأضاف: «تحديات كثيرة واجهتني أثناء مغامراتي من مصاعب وغبار ورياح وبرودة وحرارة عالية وعبور صحارى. لقد قررت وخططت ونفذت، وقطعت ستة ملايين خطوة في 5500 كيلومتر. والتحدي الذي أخذته منذ البداية شكّل عهداً لنفسي: (ارسم، خطّط، ابدأ، ولا تتوقف)».

  • سوسن بدر

حين يتحدى المشاهير ذواتهم

في سِيَر المشاهير كثير كثير من تحدي الذات، والقدرة على تحقيق الأحلام، والوصول إلى الأهداف. ونحن، جميعنا، نقرأ فيها لكننا سرعان ما نعود وننسى. لذلك، لا بُدّ من أن نتذكر هؤلاء في كل مرة نرى أنفسنا متسمرين في أمكنتنا، وغير قادرين على إحداث أي وثبة في حياتنا. عمار الشريعي، أحد أعمدة الموسيقى في مصر، لم يهزمه العمى الذي أصابه من التحليق بمواهبه الموسيقية العظيمة. فقد تحدى ذاته وحلّق. أيضاً، طه حسين، هو ضرير تحدى إصابته، وأصبح صاحب البصمة الكبرى في الثقافة العربية. الراقصة والممثلة الهندية، سودها تشاندران، تعرضت لحادثة عام 1981، أدت إلى بتر إحدى قدميها، لكنها تحدت وأصبحت واحدة من أبرز الراقصات الكلاسيكيات في الهند. من جهته، يمثّل ويليام جيمس، الذي عُرف بلقب «أبو علم النفس الأميركي»، نموذجاً لقدرة الأشخاص على تحقيق ذواتهم. وهو الذي عاني في شبابه الاكتئاب، وفكّر كثيراً في الانتحار. لكنه عاد وهزم كل الأفكار السيئة السلبية، وأصبح مثالاً في القدرة على التحدي، وتطوير الذات.

الممثلة المصرية سوسن بدر تحدّت العمر والنفس، عندما صبغت شعرها بلون أبيض رمادي، بدرجة تقارب لون شعرها الطبيعي، الذي يفترض أن يكون في عمرها. فقد قالت: «هذا عمري، وأنا كبرت، وأنا ما زلت أعمل على تطوير ذاتي.. أمس واليوم وغداً»، فقرارها جرأة منها، ما جعلها تتجاوز الخوف من العمر، والانطلاق نحو المستقبل بلا قيود. لا بُدّ من اتخاذ قرارات، والفشل ليس أبداً نهاية. إديسون، مثلاً، فشل آلاف المرات، قبل أن يخترع المصباح الكهربائي، وحينها قال: «لم أفشل يوماً، بل وجدت للتوّ 10000 طريقة غير ناجحة». من جهتها، ليلى علوي تحدّت نفسها مع الوزن الزائد مراراً وتكراراً، وتحدثت عن ضرورة أن يحب كل شخص نفسه، وأن يبدي رضاه عما يتمتع به من صفات؛ ليحقق النجاح، وقالت للمرأة في كل مكان: «ارضِي عن نفسك، عشان تبقي أجمل واحدة في الدنيا».