دخلت الشاعرة العمانية، عائشة السيفي، إلى جنة القصيد، متوجةً كأول امرأة تفوز بلقب برنامج «أمير الشعراء»، في موسمه الـ10، وهي ترفل في حلة زاهية من فريد الحروف، وتميز المعاني، محتفية بالاختلاف الذي تأنق به ثوب نظمها الموشَّى بجماليات اللفظ، وأطاح بالرتابة وتقاليد الوقوف على الأطلال، وهي تزين وشاح موهبتها بإبداع لغة لطالما جادت بالجديد والمبتكر.. «زهرة الخليج» حاورتها حول الفوز، وتجربتها الشعرية:

• أنت أول امرأة تتوج أميرةً على مملكة الشعر.. ما شعورك؟

- لو سألتِ قبيل التتويج عن ذلك الشعور؛ لبدا مختلفاً؛ إذ إنه قد مضى في رحلةٍ طويلة مضنية جداً، كمن يحط رحاله عند نقطة النهاية، شعرت في تلك اللحظة بأن العناء جدير بأن يخاض؛ ذلك أنني حينما سمعت اسمي يعلن أحسست بأني أطير في سماوات بهيجة، طافية على موج الحقيقة، وواقع الفرحة، وقد كنت دائماً أتوقع الفوز؛ لأنني جديرة به؛ فقد دخلت هذا السباق مدججةً بكل أدواتي الشعرية، وكرست جهدي واشتغالي على النصوص التي أوليتها عناية فائقة، وكنت على يقين أن الله لن يخيب مسعاي. الآن، أنا أشعر بالمسؤولية التي تحملتها بفوزي في «أمير الشعراء»، لأنه ليس النهاية، بل هو بداية لصفحة جديدة في رحلتي الشعرية.

إبداعات الماضي

• الشعر دعوة إلى الاحتفاء بالمختلف.. هل تمارسين التجريب للخروج من السائد، أم الشعر عندك استدعاء لحرفية التراث؟

- يمكن للشاعر أن يكون شاعراً ما لم يطرق باب المختلف، لأننا لا نقف عند البناء الذي أسسه السابقون؛ فنحن حسب معطيات واقعنا الثقافي الاجتماعي نقوم بمواصلة بناء تلك القلاع الشاهقة، التي شيدها الشعراء السابقون، ونحن - من بَعْدُ - نرفع سقف توقعاتنا الشعرية، مستصحبين تراثنا الذي نعمد إلى إنتاجه بالنقد، وهمنا في ذلك أن نحدث شعريته في عملية إبداعية تتوخى المعاصرة؛ لذلك لابد لقصيدتي أن تتوافر على أدوات شعرية حديثة، تستفيد من التراث الشعري، ومقصدي أن أستفز أبناء وبنات جيلي ليتفاعلوا مع ما كتبت، فنصي يشبههم ويشبه تفاصيل حياتهم، فهو ليس نصاً تراثياً مجتزأ من الماضي بل نص بُني على إبداعات الماضي، التي توسع الجماليات لهذا الجيل. وهنا، يظهر جلياً مفهوم التجريب الذي نمارسه لتأصيل تجربة الشاعرة، نافية تماهيها المطلق مع الماضي، فأنا كشاعرة أتميز عن غيري من الشعراء، ومعاناتي الشعرية تختلف عن معاناة الآخرين.

• ما أهم ملامح مشروعك الشعري؟

- أتوخى في مشروعي الشعري الأصالة والتفرد، مُحَاوِلةً تفكيك عوالم الأنثى؛ فهي بالنسبة لي كينونة لم تستكشف بَعْدُ، وقد نجد في بعض إنتاجات الشعراء المعاصرين، مثل: محمود درويش، ونزار قباني، أصواتاً للأنوثة، لكن التعبير عن الأنثى لا تجيده إلا أنثى مثلها، تكتب عنها دون خوف؛ لذلك أريد أن أكتب عن أنثى شجاعة لا تخاف من مقص الرقيب، أنثى مريدة ملتزمة؛ فأنا أنشد إبداع نصوص شعرية، تنطق بلسان الأنثى، وتعبر عنها.

• صفي لنا اللحظة المثلى؛ لتلقيك وحي القصيد!

- هي لحظة نرجسية، تتملك كل كياني، وتأتيني في أكثر المواضع غرابةً، فهي لحظة غير متوقعة، يأتيني وحيها مكتملاً غير ناقص؛ وأكون مخلصة لبرهة الوحي الشعري، وذلك من شأنه تطوير عطائي الجمالي؛ فعندما يزورني هذا الوحي الشعري، وتنهمر صورُه الفنية؛ أهجر الحياة بكل تفاصيلها، وأجد متعة كبيرة في متابعة القصيدة حال تشكلها، فهي لحظة مخاض لطفل القصيد، لذلك أقول إنني مخلصة للحظة الشعرية؛ لأنها تتصف بالأنانية.. فإما أن تكون أو لا تكون.

• من وجهة نظرك.. كيف تتأنث اللغة عبر مداخل الشعر؟

- القصيدة أنثى، وعليها أن تكون أنثى إذا خرجت من رحم إبداع أنثى؛ فهي تواصلٌ لكل أصوات النساء الشاعرات في العالم عبر الحقب، وهن بذلك كن رافداً لبحور اللغة؛ لذلك يجب علينا نخرج إناثاً كثيرات؛ لنؤكد أنوثة اللغة، وهي تعبّر عن عوالم المرأة؛ لنشتغل عليها لغوياً؛ سعياً وراء تأنيث اللغة.

القصيدة ناقصة

• بمن تأثرت من السابقين، وما الأثر؟

- منذ بواكير تعرفي إلى الشعر، قرأت للكثير من الشعراء بالعصور المختلفة، لكنني أستطيع أن أقول إنني مخلصة للنص الشعري دون كاتبه؛ لذلك تجدينني أقرأ لشعراء مغمورين نتاجهم متميز وجاد، وكلما أمعنت في القراءة عرفت أكثر أنه ليست هناك قصيدة مكتملة، فهي ناقصة ليكملها من يأتي بعدها؛ لذا سأواصل الإخلاص للنص الجميل، فأنا نتاج لكل من سبقوني، لهذا لا أريد أن أكون نسخة مكررة من أحد الشعراء، فمن خلال قراءاتي أسعى إلى التميز، وصك تجربتي الشعرية الفريدة.

• كيف تجدين المشهد الشعري في الخليج عموماً؟ 

- كنت حاضرة في الملتقى الشعري الخليجي، الذي أقيم بالدمام قبل شهر، وسررت بالاستماع إلى تجارب شعرية من مختلف الفئات العمرية رجالاً ونساء، وقد اكتشفت كم نحن مزيج مختلف من حيث الجغرافيا والثقافة والانفتاح، فقد انصهرت في هذه النصوص التي استمعت إليها؛ لهذا أقول إن الشعر الخليجي، اليوم، يتربع على صدارة الشعر في الشرق الأوسط، لكن هناك كثير من تجارب الشاعرات التي لم نقف عليها بَعْدُ؛ فنحن نتطلع إلى اليوم الذي يصبح فيه إبداع النساء شيئاً عادياً، وذلك عندما ترتقي المرأة المنبر؛ لتلقي قصيدتها الحرة بكل جرأة وشجاعة. 

• ما الذي تضيفه جائزة «أمير الشعراء»، التي تطرحها الإمارات، إلى الشعر والشعراء؟

- ما تقوم به الإمارات من خلال برنامج «أمير الشعراء» ينشر الشعر بين هذا الجيل المشغول بمواقع التواصل، وعالم الإنترنت، وهو دور ريادي ومهم جداً؛ لأنه يساهم في تسويق الشعر؛ ليصير ثقافة جماهيرية، وليظل صوت الشعر حاضراً في وجدان هذا الجيل الذي تتلقفه العولمة؛ ومثل هذه البرامج تكرس للشعر، وتجعله الوجه الحضاري الأمثل. فكم نحن محتاجون، اليوم، إلى غرس الشعر غرساً في حياة الناس، وأن نجعل منه مادة جماهيرية.