سلامة القبيسي: المجتمع الإماراتي متنوع وغني بثقافاته

أن نضحك، يعني أن نعبّرَ عن رغبتنا في رؤية العالم أجمل، ويعني أكثر أن نبحث عن ضوء يجعل الحياة تبتسم. من هنا، لابد من التركيز على فن الكوميديا، من خلال الـ«ستاند أب كوميدي»، وأبطاله الذين يمتلكون حسّ النقد والفكاهة معاً. يكفي أن يقف أحد هؤلاء أمام مجموعة من الناس (الجمهور)، ويرتجل نصاً يجعل الآخرين يل

أن نضحك، يعني أن نعبّرَ عن رغبتنا في رؤية العالم أجمل، ويعني أكثر أن نبحث عن ضوء يجعل الحياة تبتسم. من هنا، لابد من التركيز على فن الكوميديا، من خلال الـ«ستاند أب كوميدي»، وأبطاله الذين يمتلكون حسّ النقد والفكاهة معاً. يكفي أن يقف أحد هؤلاء أمام مجموعة من الناس (الجمهور)، ويرتجل نصاً يجعل الآخرين يلتفتون ويضحكون، وهذا ما تقوم به الشابة الإماراتية سلامة القبيسي، التي تعتبر نفسها أول من دخل هذا الفن في الإمارات، حيث تجمع بين الحضور، والنكتة، والسخرية، من خلال العديد من الموضوعات.. حول تجربتها، والتحديات التي تواجهها؛ كان لـ«زهرة الخليج» معها هذا الحوار:

• بدايةً.. حدثينا عن معنى الضحك، لاسيما حينما يتحوّل إلى فن كوميدي!

- هناك قول لأحد الكتّاب، يقول: «أن تضحك.. يعني أن تعيش الحياة بعمق». الإنسان يضحك، ويبتسم، ويحاول أن يكسر الحزن بالضحك والابتسامة؛ لأن الحياة تستحق أن تُعاش، رغم المشاكل والمتاعب؛ فالقوة في هذه النقلة، التي تفرض وعياً خاصاً، يرتبط بالنقد والسخرية والتهكم أحياناً. والغاية، دائماً، أن نجعل الآخر يبتسم؛ لهذا إن الكوميديا فن، وأكثر الكوميديين العالميين خرجوا من كآباتهم، ووقفوا أمام الكاميرا (أو الجمهور) وأبدعوا. الضحك متعة، وإحساس، نحارب من خلاله الحزن والاكتئاب؛ لنظهر سعادتنا في مواجهة الناس.

• أنت أول إماراتية تقدم الـ«ستاند أب كوميدي».. ما شعورك بهذه التجربة؟

- إنني سعيدة جداً بهذه التجربة، التي تحتاج إلى موهبة، وحضور، وقراءة، ومتابعة لأهم التجارب في العالم. من هنا، أشعر بأن هذا خياري وشغفي، وما أرغب في القيام به في حياتي. وراء أي ضحكة، أو ابتسامة، أو نص مرتجل، هناك رسائل أحاول إيصالها من خلال الكوميديا، بعيداً عن أي دمعة؛ فالأجمل أن نضحك حتى تدمع عيوننا بدلاً من أن نبكي، فكم يحتاج هذا العالم إلى مساحات من الضحك؟.. إنها مهمة صعبة.

• هذا المجال محتكر أكثر من قِبَل الرجال.. كيف وجدتِ هذا الأمر؟

- حقيقةً، إن الإقبال في الإمارات على هذا الفن يكون أكثر من قِبَل الرجال، وأعتقد أن هذا مرتبط بثقافة الفرجة، والمعنى الحقيقي للمسرح من خلال فن الـ«ستاند أب كوميدي»، وامتلاك الجرأة، لاسيما أن المرأة دخلت جميع المجالات، وتميزت جداً. من هنا، إنني أرى أن الموضوع مرتبط بالتعرف إلى أبطال هذا الفن من العرب والأجانب، ومعرفة قيمته الحقيقية، فهو يمتص الغضب، والحزن، ويجعلنا نحكي أوجاعنا بطريقة خفيفة، وتعبير جسدي؛ فنطرح مشاكل الأسرة، والشباب، وكل ما يخطر على البال. دخول المرأة، إلى جانب الرجل، يعني أن كلّ شيء يبدو طبيعياً ومألوفاً، كالحياة تماماً. في أي فن من الفنون، الرجل والمرأة يقدمان معاً مشاهد ارتجالية، تعتمد على التخطيط والذكاء واختيار الموضوع، إلى جانب امتلاك الحس الكوميدي، والموهبة الفذة، والكاريزما، إضافة إلى عنصر الجرأة؛ للظهور على خشبة المسرح، وتقديم عرض يضحك الجمهور.

الأيام الحلوة

• ماذا يقدم الـ«ستاند أب كوميدي»؟

- يحتاج المجتمع، والإنسان عموماً، إلى الضحك؛ فوراء الضحك والمرح هناك أسئلة، ونص يتحوّل من المخيلة إلى الواقع، والصعوبة في التقاط بعض العيوب، وتسليط الضوء عليها، وهذا ما يعتمد عليه الـ«ستاند أب كوميدي» في الأساس.

• ما الصعوبات التي تواجهك في هذا المجال؟

- الصعوبات تظهر عند مناقشة المشاكل المختلفة، ومنها: العمل، والزواج، والدراسة، والرحلة، والوحدة، أو أي موضوع آخر؛ كي يشعر الجمهور بأن الموضوع يمسه، ويرى فيه نفسه أو مجتمعه، وهذا كافٍ ليشعر بأنه ليس وحيداً، وأن تغيير ما يفكر فيه - بل وما يفعله - أمر ممكن الحدوث. من هنا، إن الـ«ستاند أب كوميدي»، كأي عمل آخر، فيه الأيام الحلوة، والأيام الصعبة والمتعبة والحزينة، والمرهقة، إضافة إلى الذكريات، التي تبقى محفورة في الذاكرة.

• ما الذي دفعك إلى دخول عالم الكوميديا؟

- الاكتئاب هو ما قادني نحو عالم الضحك، فقد دخلت في حالة اكتئاب عميقة، وشعرت بأنني أعيش في دوامة سوداء، والفضول هو الذي دفعني نحو عالم الكوميديا، ووجدت أنني أمتلك هذه الموهبة، وبالفعل عالجت نفسي من الاكتئاب بالضحكة والفكاهة.

• ما الشيء الأجمل في هذا المجال؟

- الجميل هو بحثك عن الجمال، والأداء الجيد، وتلوين الصوت بما ينسجم مع التمثيل والحكاية، فكل شيء يحتاج إلى تطوير، وبالفعل بدأت ألاحظ أن نبرة صوتي مختلفة عندما أشاهد مقاطع الفيديو الخاصة بي بعد تقديم عرض على المسرح. بدأت أشعر بأنني انتقلت، فعلاً، من الكآبة إلى تقديم هذا الفن بسعادة.. نبرة صوتي، وضوء عينيَّ، كأن هناك طفلاً يضحك داخلي. هنا، انتقلت - بشكل حقيقي - من العزلة إلى العالم، فالآخرون يتمتعون بما أقدم، وأنا أشعر بوجودي وبالفرح؛ لأن المسرح حياة، ويشعرني بنشوة وخفة ونشاط، وهذه قمة السعادة.

الارتجال ليس سهلاً

• ما أصعب موقف حدث لك على المسرح؟

- أصعب المواقف، التي حدثت معي على المسرح، كان عندما نسيت النص، وشعرت بحالة من الارتباك في تلك اللحظة. لكنني اعتذرت إلى الجمهور، الذي - بدَوْره - شجعني وصفق لي. بعد ذلك، تذكرت النص، وتابعت العرض، وعرفت بعدها قيمة الارتجال، وقيمة الإضافة، وسرعة البديهة لتجاوز أي مشكلة، وهو ما يقوم عليه هذا الفن، كأننا نكتب، ونحكي، ونؤدي كل هذا في وقت واحد.

• هل تلتزمين بالنص، أم تفضلين الارتجال؟

- الارتجال تدريب وثقافة، وطريق ليس سهلاً، وأنا لست من محبي الارتجال، لأنني لا أتقنه، ولم أدرسه، وأرتجل في حالات بسيطة، عندما يقاطعني الجمهور، ويتحدث معي خلال العرض، لكن أن أصعد إلى المسرح، وأرتجل بشكل كامل، فإنني لم أصل إلى هذه المرحلة بَعْدُ، لكنني أتمنى أن أصل إليها في يوم من الأيام.

• من أين تستقين أفكارك؟

- أستقي أي عرض من الحياة، والقراءات، والمجتمع أيضاً، ولأن المجتمع الإماراتي متنوع وغني جداً بثقافاته وجنسياته المتنوعة، فإنني في عروضي أتحدث عن هذا الاختلاف؛ فوجود أكثر من 200 جنسية، وبحكم أنني أنحدر من عائلة من جنسيتين مختلفتين؛ فوالدي إماراتي، وأمي مصرية، إلى جانب أنني تعلمت في مدارس فرنسية، وتعاملت مع ثقافات وجنسيات مختلفة، فتفكيري أوروبي، وأسلوب حياتي أميركي، وعيشتي عربية، وأتكلم عن كل هذه الأمور التي تهم العديد من الأشخاص، والتي تشبه - إلى حد بعيد - المواقف والتجارب التي مرت بي وعشتها؛ لهذا عروضي تستهوي وتلامس الجمهور الإماراتي، والعربي أيضاً.

• كيف تجددين أفكارك، من دون أن تكرري نفسك؟

- الحياة كنهر متجدد، وتعني التقاط كل ما هو غريب ولافت، وتوظيف النكتة، والنص، والقصة، والاستفادة من تجارب عالمية وعربية، ولابد للكوميدي أن يكون في تطور دائم، وعليه أن يتابع الأشياء الدارجة والمنتشرة، ويعلّق عليها في عروضه، فمن الممكن أن يتحدث عن شيء حزين وكئيب، بشرط أن يقدمه بطريقة ساخرة تضحك الجمهور، إضافة إلى سرد اليوميات، وصياغتها بطريقة تناسب عرضنا، وأستطيع أن أصف نفسي بأنني صاحبة إصرار، فأنا لا أتوقف عن الكتابة، أو عن متابعة ما يحدث حولنا في العالم؛ فهذا كله يؤدي إلى النجاح والتطور.

لسنا «أراجوزات»

• اليوم.. إلى أي درجة الجمهور بحاجة إلى الضحكة؟

- لا شك في أن جائحة «كورونا»، وما عشناه خلالها، أثرا كثيراً في العالم، ونحن اليوم بأمسِّ الحاجة إلى الضحك والترفيه عن أنفسنا، فلا يوجد شخص لم يمر بتجربة سيئة خلال هذه «الجائحة»، فهناك شعوب تعيش الغربة، وأخرى الحروب، وشعوب تعيش الفن والموسيقى. هذا الفن نشأ في القرن التاسع عشر بأميركا، ثم تطوّر خلال الحرب العالمية الثانية، من خلال المسرح الهزلي؛ لرفع الروح المعنوية للناس. في القرن الماضي، أصبحت هناك نوادٍ له، وانتشر في الثمانينات، وأصبح يقدم على المسارح، وفي برامج التلفزيون، كما أصبح يقدم في عروض مستقلة بالنوادي، وفي هذا القرن أصبح من الفنون المهمة.

• أنت تسعدين الناس، وترسمين الضحكة، فمَن الذي يضحك سلامة؟

- في حياتي اليومية أحيط نفسي دائماً بأشخاص إيجابيين، يمتلكون حس الفكاهة، وشعاري: «إذا مستواك الكوميدي لا يوازي مستواي الكوميدي.. فلا تلزمني كصديق». وبالنسبة للشخص الكوميدي، الذي يضحكني فهو نمر أبو نصار، الذي يدمج اللغتين العربية والإنجليزية، في أسلوبه وأدائه وطريقته، وأعتبر أن هذا الشخص مدرسة فنية.

• ما الطقوس التي تمارسينها قبل العرض؟

- أحب أن أتوحد مع نفسي قبل بداية العرض؛ لأعيد ترتيب أفكاري، وتحضيراتي للعرض، على مستوى النص، ولغة الجسد، وغيرهما، وأتخيل نفسي أمام الجمهور، وما يود الاستماع إليه.

• ما الذي يزعجك من الجمهور؟

- صراحةً.. أكثر ما يزعجني أنه عندما يعرفون أنني أقدم «ستاند أب كوميدي»، يطلبون مني إضحاكهم، فأضطر إلى الاعتذار، فما لا يعرفه الكثيرون هو أن عملنا يختلف عن المهرج أو الأراجوز، فهو يتطلب مسرحاً وعرضاً منفرداً ونصاً سردياً لمواقف مختلفة؛ فالـ«ستاند أب كوميدي» عملية متكاملة ومترابطة، فلا أستطيع أن أقول النكت فقط.