متعبون ومرهقون، أو منهكون بلا سبب. نحتاج إلى الاستلقاء، والابتعاد عن الضوضاء، والنوم.. ننام فلا نرتاح، وننهض لكننا نريد أن نعود وننام، لا نأكل لكننا نسمن، ونأكل حيناً آخر وننحف. وجوهنا شاحبة، ونحاول أن ننهي أعمالنا؛ فنشعر بالتشوش. نحاول أن نبتسم لكن الضغوط النفسية التي تجتاحنا تمنعنا من ذلك. لا نعرف ما بنا، ونتذمر، فيجيبوننا: «تتدللون». الفحوص الأولية لم تشر إلى داء، لكننا لسنا بخير.. لا ألم لكن تعب وتشوش وارتباك ذهني، وشعور عارم بالإعياء.. تشعرون بكل هذه الأعراض؟.. ماذا عن وضع الغدد الصماء في أجسامكم؟

نسمع عن الغدة الدرقية، والغدة النخامية، والغدد الصنوبرية والزعترية والكظرية، لكننا قد نجهل أن جميعها تُشكل معاً الغدد الصماء في جميع أنحاء الجسم. إنها شبكة كما ألياف الشبكات الإلكترونية، تساعد خلايانا على الاتصال معاً. إنها مسؤولة عن جميع الخلايا والأعضاء ووظائف الجسم. حينما تسوء الغدد الصماء في جسم الإنسان تسوء حالته، وتبدأ معاناته، ويصبح بحاجة ماسة إلى أن يعرف أكثر عنها.. فما تلك الغدد المنتشرة في حنايا الجسم، وتنتج مواد كيميائية مهمة جداً، تسمى «هرمونات»؟

في الاسم.. يقال إنها سميت «صماء»؛ لعدم وجود اتصال بينها وبين الخارج، فكل علاقتها تكون مع الهرمون في قلب الجسم.. ماذا في الفعل؟

أخصائي الغدد الصماء والسكري، الدكتور إبراهيم سلطي، يقول: «إن تأثير الغدد الصماء في جسم الإنسان قوي جداً. وعمل هذه الغدد يبدأ منذ تكوّن الجنين، وقبل أن يطلق صرخة الحياة الأولى، ويرافقه طوال الحياة. وأي خلل في عمل الغدد الصماء قد يؤدي إلى العقم، وسوء في عملية الاستقلاب، ما يرتدّ سلباً على معدل السكري في الدم، وعلى الضغط، ووظائف القلب، وطبيعة حرق الطعام، ودورة النوم».

هي «غدد صماء» بالجمع لا بالمفرد؛ «فتلك الغدد أنواع ووظائف، منها: الغدة النخامية في الرأس، والغدة الصنوبرية والغدة الدرقية في مقدمة الرقبة، وتفرز هرموناً يساعد على النمو، والغدة الكظرية فوق الكلية، وغدة البنكرياس، وغدد الأعضاء التناسلية.. ومهمة الغدة الكظرية مثلاً هي السيطرة على الدورة الدموية، وأملاح الدم، في حين تُعنى غدة البنكرياس بتنظيم السكر في الدم. أما الغدة الدرقية، فهي من أهم الغدد الموجودة في جسم الإنسان، ومهمتها إفراز الهرمونات التي تتحكم في عمليات أيض الخلايا، وأي خلل في وظيفة هذه الغدة يؤدي، حتماً، إلى خلل في مختلف وظائف الجسم. أما الغدة النخامية، فتقوم - تحت سيطرة الدماغ - بضبط وتنظيم نشاطات مختلف الغدد الصماء في الجسم».

وتصاب الغدة، عادة، بالنشاط المفرط، أو بالقصور. وفي هذا الإطار يشرح الدكتور سلطي: «تحدد العلة من خلال الأعراض التي تتأتَّى عنها، فالنشاط المفرط يؤدي إلى إنتاج الجسم كميات مفرطة، زائدة، من الهرمونات الدرقية، وتزيد هذه الكميات معدل الأيض في مختلف أجزاء جسم الإنسان. أما إذا كانت نتيجة الخلل قصوراً؛ فهذا يؤدي إلى تباطؤ نشاط الغدة الدرقية وعملية الأيض، ما يتسبب في شعور بالإعياء، وبتوترات عصبية، وارتباك ذهني، وارتفاع أحياناً في الضغط، وتسارع في دقات القلب، ونقصان في الوزن».

مهمة الهرمونات

تُشكل طبيعة الأعراض، غالباً، دليلاً على اسم الغدة المصابة، ويصار إلى تحديد أدق عبر قياس نسبة الهرمون في الدم، وإجراء فحوص دم تبين نسبة السكري في الدم، ونسبة الكلس، وطبيعة عمل الأعضاء التناسلية، وكل نسبة تصدر تعد دليلاً مباشراً إلى صحة أو عدم صحة غدة معينة؛ فيستدل من ارتفاع معدلات السكري - على سبيل المثال طبعاً لا الحصر - على وجود خلل في عمل غدة البنكرياس. ويستخدم في بعض الأحيان في تحديد صحة عمل الغدة الدرقية، مثلاً، فحص الموجات فوق الصوتية.

ونقص أحد الهرمونات، التي تفرزها الغدد الصماء، يؤدي إلى تعطل الوظائف الفيسيولوجية التكوينية الأساسية في جسم الإنسان، وولادة طفل، مثلاً، بغدة نخامية أمامية معطلة، يؤدي إلى إعاقة عملية نموه الطبيعي.

فلنسأل عن الهرمونات: ما هي؟ وما مهمتها بشكل أدق؟

مصدر الهرمونات هو - كما سبق وقلنا - الغدد الصماء، لكن لا بدّ أن نعرف أكثر عن الهرمونات، وتأثيرها في الجسم، ومهمتها كما بتّم تعرفون: تنظيم النشاطات الداخلية في الجسم، مثل: النمو والتغذية وتخزين المواد الغذائية، وفي عمليات التناسل.. وهناك لمعلوماتكم غدد في الجسم تفرز هرمونات لها صلة بتصرفات البشر، وتصنيفهم إناثاً أو ذكوراً. وفي هذا الإطار، طبعاً، تدرج بعض التصرفات، التي قد يقوم بها ذكور، وتقرّب صورتهم من تصرفات الإناث! السبب؟.. خلل هرموني!

إذا عمدنا إلى تقسيم الهرمونات إلى نوعيات ووظائف؛ فستظهر أمامنا تصنيفات من نوع: الهرمونات المنشطة للغدد التناسلية، وهرمون «اللوتين»، والهرمون المنبه للجريب، وهرمون الحليب (البرولاكتين)، وهرمون النمو.. فماذا في تفاصيل عمل هذه الهرمونات؟

نبدأ من الأخير (هرمون النمو) تحديداً، واسمه يدل عليه «النمو»، فهو يساعد في بناء الجسم عبر تكوين البروتينات. ومهمة هذا النوع من الهرمونات تكسير الدهون، وتكوين الأجسام الكيتونية، كما يزيد مستوى أملاح الصوديوم والبوتاسيوم والمغنيسيوم، ما من شأنه زيادة نسبة الجلوكوز في الدم. ويتأثر هذا الهرمون، عادة، بالمجهود العضلي، ويرتفع حينما تشتد الضغوط النفسية، وفي حالات هبوط السكر، وتحت تأثير البنج.

ننتقل إلى هرمون البرولاكتين، ومهمته مساعدة الأعضاء الأنثوية على النمو، خاصة الثديين، وينخفض عادة مستوى هذا الهرمون في النصف الأول من الدورة الشهرية، ويرتفع في فترة الحمل، ويصل إلى أقصاه بعد وضع الجنين، وخلال مرحلة الرضاعة.

الهرمون المنبه للجريب أساسي، أيضاً، عند الجنس اللطيف، ومهمته إطلاق هرمون الأستروجين من مبيض الإناث، وتكوين الحيوانات المنوية عند الذكور، وترتفع نسبة هذا الهرمون عادة عند اللواتي بلغن سن اليأس، وتنخفض من جانب آخر عند استخدام أدوية تحتوي على الأستروجين.

علاج الغدد الصماء

إلى جانب الهرمون المنبه للجريب، هناك هرمون آخر منشط للغدد التناسلية، يحمل اسم «الهرمون اللوتيني»، وهو مسؤول أيضاً عن إفراز هرمونَي الأستروجين والبروجيستيرون من المبيض، كما يزيد مستوى التستيستيرون عند الذكور، ويحافظ على الحيوانات المنوية.

هذا غيض من فيض أصناف الهرمونات ونشاطها، التي هي مواد كيماوية تدور في الدم ليل نهار، محددة نسبة النمو وشكل الإنسان، هل هو ناعم أم خشن، سريع الانفعال أم طويل البال، خامل أم نشيط.. الهرمونات بكلام آخر هي بروتينات تنتجها الغدد الصماء، وتتركها تنتقل عبر الدم، وتنظم وظائف الجسم.

نعود لنتحدث مباشرة عن الغدد الصماء الصغيرة حجماً، الهائلة تأثيراً، فنسأل: هل هناك علاجات لها؟ وما مدى فاعلية العلاجات الموجودة؟

ما يجهله كثيرون هو أن أمراض الغدة ليست عارضة، ولا تمر مرور الكرام، كأن شيئاً لم يحصل!.. أمراض الغدة، بحسب الدكتور إبراهيم سلطي، مزمنة وتتطلب علاجات مستديمة، وتناول أدوية من دون توقف، من شأنها إعادة تصحيح الخلل، والتعويض عن القصور في حال كان حاصلاً، أو عن الإفراط في النشاط في حال كان سبباً.

ماذا عن خيار الجراحة؟.. هل يمكن اعتماده في حالات الخلل بالغدد الصماء؟

يلجأ الأطباء، في بعض حالات خلل الغدة الدرقية، التي تُعنى بمعدلات النمو الصحيحة، إلى العمل الجراحي وسيلة علاجية، بعد أن يكون العلاج الدوائي قد أثبت فشله. والعمل الجراحي يكون في مثل هذه الحالات دقيقاً، بسبب قرب الغدة من الأوتار الصوتية.. وهناك خيار علاجي آخر، يقتضي استخدام اليود المشعّ، ومعلوم هنا أن الغدة الدرقية هي العضو الوحيد في جسم الإنسان، الذي يمتص اليود.

بين غدد صماء وهرمونات ناقصة أو زائدة، يعيش الجسد أياماً سوداء، وأخرى بيضاء.. يبقى أن لكل داء دواءً، لكن الدواء في حالات الخلل الهرموني، والخطأ في عمل الغدد الصماء، ليس مرحلياً بل هو مزمن!