عندما يحضر اسم الفنان السعودي محمد عبده، تتبادر إلى الذهن مئات الأعمال الغنائية الخالدة في أرشيف الأغنية السعودية خصوصاً، والخليجية عموماً، فالفنان أطلق عليه الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة مصادفة لقب "فنان العرب"، عام 1981، بعد غنائه في مهرجان قرطاج الدولي، نتيجة مقابلة عبده للرئيس التونسي، وتم تقديمه وقتها باعتباره فناناً سعودياً، فقال الرئيس حينها من باب الوحدة العربية: "إنه (فنان العرب)، وليس سعودياً فقط"، وكان برفقة عبده في اللقاء الشاعر والكاتب السعودي الراحل طاهر زمخشري، الذي نقل ما دار بين الحبيب بورقيبة وعبده، للإعلام السعودي الذي تداول اللقب منذ ذلك الوقت وحتى الآن.

  • محمد عبده

لكن، لا يعرف كثيرون أن عبده كان قد ظهر ممثلاً في مسلسل وحيد، هو "أغاني في بحر الأماني"، عام 1969، مع المخرج المصري نور الدمرداش، الذي أخرج المسلسل عن قصة الكاتب لطفي زيني، والسيناريست فهيم القاضي، وشارك عبده بطولة المسلسل، الفنانون: فاطمة مظهر، وحسن دردير، ولطفي زيني، وعلية عبدالمنعم، وفيفي سعيد. وتم تصوير العمل، الذي عرضه التلفزيون السعودي الرسمي آنذاك، بين الرياض والقاهرة.
والمسلسل عبارة عن عمل تراثي غنائي، يحكي قصة المطرب الشاب "هاني"، الذي أدى عبده دوره، والذي يعاني تصرفات عمه "مشقاص" المنتمي للطرب القديم، والذي يريد أن يحذو "هاني" في الغناء حذو المطرب الراحل "كردوس"، ويشرب "هاني" وعمه عن طريق الخطأ مشروباً يجعلهما يدخلان في نوبة نوم عميقة، ليظهر لهما "كردوس" في المنام، وتدور الحكاية حول رغبة "هاني" بتقديم أعمال جديدة، بينما يصر عمه على أن ينتمي بصوته إلى الغناء القديم.


ولأن "أبو نورة"، كما يحب جمهوره مناداته، نسبة لابنته الكبرى، معروفة رحلته الفنية بين الجمهور، لا بد من العودة إلى بداياته الفنية، التي انطلقت مع عالم الغناء في سن مبكرة، وهو طالب في المعهد الصناعي بجدة، في بداية الستينيات، عن طريق عباس فائق غزاوي، الذي كان من ضمن مكتشفي صوت محمد عبده، عندما غنى في الإذاعة في برنامج "بابا عباس" عام 1960، وبارك هذا الاكتشاف الشاعر المعروف طاهر زمخشري.
سافر محمد عبده من جدة إلى بيروت برفقة غزاوي وطاهر زمخشري، وهناك تعرف على الملحن السوري محمد محسن، الذي أخذ من زمخشري كلمات "خاصمت عيني من سنين"؛ ليغني محمد عبده أغنية خاصة به، بعد أن غنى الكثير من أغاني من سبقوه، ومنها أغنية "قالوها في الحارة.. الدنيا غدارة"، وسُجلت الأغنية وعاد عبده إلى أرض الوطن ودخل إلى ساحة الغناء بقوة، وتعرف على العديد من الشعراء أمثال إبراهيم خفاجي، الذي كان له تأثير واضح في حياته الفنية، والموسيقار طارق عبدالحكيم الذي قدم له لحناً رائعاً من كلمات الشاعر المعروف ناصر بن جريد، بعنوان "سكة التايهين، والذي قدمه عام 1966.
ووجد محمد عبده أنه بحاجة إلى التلحين لنفسه، رغم ألحان طارق عبدالحكيم وعمر كدرس، التي صقلت موهبته لكنه خاض التجربة وكانت أغنية "خلاص ضاعت أمانينا.. مدام الحلو ناسينا"، التي قدمها على العود والإيقاع دون أي توزيع موسيقي، وكان نجاح هذا اللحن تشجيعاً له على خوض التلحين الذاتي، مع كلمات أغنية الشاعر "الغريب"، وهي أغنية "الرمش الطويل" عام 1967. يومها، وزعت هذه الأسطوانة ثلاثين ألف نسخة، ومعنى ذلك نجاح محمد عبده، وانتشاره فنياً في جميع أرجاء السعودية بمختلف مناطقها، وفي دول الخليج المجاورة، والعالم العربي. وبعد "الرمش الطويل" جاءت رائعة طارق عبدالحكيم) "لنا الله" من كلمات الشاعر إبراهيم خفاجي عام 1967.
قبل بدء الإرسال التلفزيوني عام 1965، كان مسرح التلفزيون هو المكان اللائق لتقديم الجديد بعد مسرح الإذاعة، حيث تعاون محمد عبده مع الأمير عبدالله الفيصل، في رائعته التي بعنوان "هلا يابو شعر ثاير" من ألحان محمد عبده، وما كادت تبدأ فترة السبعينيات إلا ومحمد عبده ينهي بكل نجاح المرحلة الأولى في تاريخ الأغنية السعودية الحديثة المرتبطة بمحمد عبده، لقيامه بتطوير الفن السعودي.