إسماعيل الحوسني: الخط هوية إنسانية

«أوقفني في العزّ، وقال لي أنت معنى الكون».. بهذه العبارة بدأ الحوار مع الخطاط الإماراتي، إسماعيل الحوسني، الذي مضى نحو الحرف والكلمة، نحو تجلي الخط كمتعة بصرية، حاملاً في قلبه سرّ ارتباطه بهذا الحرف، النابع أبداً من روحانية القرآن الكريم، والشعر، والحكمة. تحمل لوحات الحوسني جماليات الخط العربي المنو

«أوقفني في العزّ، وقال لي أنت معنى الكون».. بهذه العبارة بدأ الحوار مع الخطاط الإماراتي، إسماعيل الحوسني، الذي مضى نحو الحرف والكلمة، نحو تجلي الخط كمتعة بصرية، حاملاً في قلبه سرّ ارتباطه بهذا الحرف، النابع أبداً من روحانية القرآن الكريم، والشعر، والحكمة. تحمل لوحات الحوسني جماليات الخط العربي المنوعة، مثل: الرقعة، والنسخ، والديواني، وغيرها من الخطوط، فاستطاع تطويع الحرف، وإيصاله إلى الفن التشكيلي.

في المرسم الحر بأبوظبي، في هذا المكان الهادئ، الذي شكّل له بيتاً محبباً، ومكاناً أليفاً هادئاً، في غمرة هذا الجو بدأ تعلّم القواعد على يد أهم الخطاطين في الإمارات، ثم تابع مشواره الأكاديمي في الشارقة، منطلقاً من مقولة الإمام علي بن أبي طالب: «أكرموا أولادكم بالكتابة؛ فإن الكتابة من أهم الأمور، وأعظم السرور».. حول تجربته في هذا الفن، وأهميته كإشارة حقيقية إلى عالم إسلامي وعربي؛ كان لـ«زهرة الخليج» هذا الحوار:

بداية.. حدثنا عن الخط العربي، وكيف تراه بين الفنون! الخط العربي يقوم، فنياً، على أسس جمالية، تنطلق من العلاقات بين الخط والدائرة والنقطة. وتشكّل عناصره اللغوية، مثل: العبارة، والكلمة (أي الخط)، والكتلة والملمس، بعداً جمالياً، إذ هناك إيقاع حقيقي بين الحرف واللون والمساحة، ولاشك في أن البعد التجريدي للخط العربي يمنح الفنان الحرية في التشكيل، فهذا الخط الذي يرتبط باللغة العربية ببعد جمالي، يعكس هويتنا. ولو التفتنا إلى بعض الشعوب سنجدها وظفت لغتها في الفن، مثل: الخط الياباني، والصيني، اللذين تميزا بجمالية مذهلة.

لكل فنان رحلته التي يكتشف فيها ذاته وإبداعه.. كيف بدأت رحلتك مع الخط العربي؟  ربما تكون مرحلة الطفولة، هي ذاك البريق للانتباه إلى سحر الحرف، فحبي للخط العربي ظهر مبكراً منذ مراحل الدراسة الأولى، حيث كنت أقوم بتقليد بعض العناوين من الصحف والمجلات، وقد نبهت أساتذتي إلى جمال خطي، إذ كانوا يطلبون مني الكتابة على السبورة، وانعكس هذا على مشاركتي في عمل اللوحات المدرسية.

رحلة التعلم

أين تعلمت قواعد وأصول فن الخط العربي؟ كان المجمع الثقافي المنصة المضيئة في أبوظبي، فمن هناك كانت بداية تعلمي، وكنت محظوظاً بأن أتلقى أصول الكتابة وقواعدها، وأنواعها، على يد الأستاذ الفاضل حسين الهاشمي، إلى جانب أساتذة وفنانين خطاطين آخرين. بدأت مبكراً تطوير نفسي وأدواتي، فتلقيت عدداً من الدورات، إلى جانب بعض المراجع والكتب، وحالياً، أواصل رحلة تعلمي في مركز الشارقة لفن الخط العربي والزخرفة، ومازلت أتعلم؛ لأن باب التعليم يجب ألا يغلق.

حدثنا عن أهم المراحل الفنية، التي قطعتها خلال رحلتك مع الخط العربي! درست خط الرقعة، وخط النسخ، وحصلت على دورات في الخط الديواني، ومازلت مستمراً في التعلّم، وأنا مهتم كثيراً بخط النسخ حالياً، إذ أدرسه فنياً، وطموحي الحصول على مراكز متقدمة في المسابقات المحلية والدولية، وأستعد لإقامة معرض شخصي، وكذلك المشاركة في المهرجانات.

ارتباط بالهوية

هل أثّرت دراستك وعملك بالمجال المصرفي في مسارك الفني؟ الخط مثل الموسيقى، يحتاج إلى تدريب، وتمارين، وبحث، ومتابعة، بقراءة الشعر، والحكم، والنص القرآني، والرسم، والعلاقات اللونية، فهو بالتأكيد يحتاج إلى وقت حقيقي. وقد أخذ العمل المصرفي جزءاً كبيراً من وقتي، وقد يكون أخرني بعض الشيء. لكن، حالياً، أحاول بذل المزيد من الجهد؛ لتعويض ما فاتني.

الخط العربي جزء من الهوية الثقافية العربية.. كيف يُنظر اليوم إلى دَوْر الخطاط والعاملين بهذا المجال؟ الخط العربي فن راقٍ، له جمالياته التي تعجب الكثيرين، ويلقى اهتمام المعنيين بالثقافة العربية، ولا شك في أن الخطاطين يحملون مسؤولية هذه الأمانة على عاتقهم، وعليهم العمل على الحفاظ عليها بإخلاص وتفانٍ، مع ضرورة عدم البخل بتعليم الخط العربي للآخرين المهتمّين، ما أمكن ذلك. الخطاط يبدأ من الكلمة، من الحرف، أي الانحياز إلى الحقّ والخير والجمال، يقول ابن عربي: «كل فن لا يفيد علماً، لا يُعوّل عليه». من هنا، يترتب على الخطاط حمل المسؤولية، من خلال هذا الحرف، لاسيما أننا نمتلك إرثاً ثقافياً غنياً، وينعكس كل هذا في اللوحة.

أنت تؤكد، إذاً، أن العلاقة الجدلية بين اللغة والخط، لا يفقه شفرتها سوى الخطاط.. ماذا تقول عن هذا؟ عندما نتكلم عن اللغة، أيضاً يجب أن نتكلم عن الأدب. أنا أحب اللغة العربية، والآداب، وقراءة الروايات بشكل خاص، وإذا لم يكن الخط هناك؛ فإنني أتجه إلى الأدب، فأنا متذوق للأدب والخط معاً.

الخط العربي بين البعد التوثيقي واللغة التشكيلية.. أين يراه إسماعيل الحوسني؟ كل ما يكتب بالخط العربي يعتبر توثيقاً جمالياً وفنياً، وهو جزء من الثقافة العربية، فمن خلال هذا الفن الأصيل نرتقي إلى أعلى المستويات، إذ نجد الخط على عناوين الكتب، والأقمشة، وجدران المساجد، والمتاحف، وهذا يعني اتساع المدار الذي يتجلى فيه هذا الفن. يتميز الخط العربي بخصوصيته الجمالية، وارتباطه بالهوية، كما ارتبط بالدنيوي والمقدّس في الوقت نفسه، فهو فن قائم بذاته، له وظيفة تسمو بالنفعي إلى الجمالي الإبداعي، ففي ظلّ الحضارة العربيّة دخل الحرف العربي في العمارة، والقصور، والمساجد، والمدارس، والصناعات الفنية الخشبية والمعدنية والخزفية والنسيجية والزجاجية، ليضفي بعداً جمالياً، ودخل في المخطوطات والمصاحف الموجودة في متاحف العالم.

هل تخدم التكنولوجيا الخطاط، أم تحدُّ من فنياته؟ هذا السؤال يطرح بشكل مستمر، فالتكنولوجيا يمكن توظيفها في الخط إيجابياً، مثل: حضور الدورات أو ورش العمل، والخط في التكنولوجيا لا يرقى إلى مستوى ما يخطه الخطاط، حيث إن الحرف هنا فيه روح وينبض بالحياة؛ ومتذوقو الخط العربي يعرفون هذا جيداً، لذلك التكنولوجيا لم تصل إلى مستوى الخطاط، ولن ترقى إلى فنياته.

اليوم.. كيف ترى مشهد الخط العربي في دولة الإمارات؟ هناك مهرجانات، ومعارض، واهتمام من وزارة الثقافة، ومؤسسات أخرى في الإمارات والخليج، وهناك دوريات، وعشاق لجمع اللوحات. من خلال مشاركاتي في المعارض، رأيت الكثير من المهتمين بالخط العربي، وأيضاً توجد مؤسسات عدة ترعى هذا الفن، مثل: مركز الشارقة للخط والزخرفة، وأكاديمية الفجيرة للفنون، والمجمع الثقافي في أبوظبي، وغيرها.

حدثنا عن مشاركتك في معرض الصيد والفروسية لهذا العام! لأول مرة أشارك في هذا المعرض الجميل، الذي يلقى إقبالاً كبيراً، وكان لي شرف لقاء فنانين وأساتذة من المشاركين المحليين والدوليين، والاطلاع على أعمالهم وتجاربهم، وأتيحت لي فرصة الرد على استفسارات المهتمين، من الهواة والراغبين في تعلم الخط العربي.

ما النصيحة التي توجهها إلى هواة الخط العربي من الشباب؟ فن الخط العربي بحر من العلم، يحتاج إلى همّة عالية، واجتهاد وصبر للاستمرارية، وهناك أساليب متنوعة في الخط، ويجب عدم الانحياز إلى أسلوب دون آخر؛ لأن هذه الأساليب جميعها جميلة.

كيف تؤثر في الشباب الفنانين؛ لتنشر رسائلك، وفلسفتك، وأهمية هذا الفن الذي يشكل هوية حقيقية تربطنا بالمستقبل، وبإرثنا الثقافي الغني؟ من خلال وسائل التواصل، أقوم بنشر بعض ما أخطه. ففي الفترة السابقة، سنحت لي فرصة المشاركة في المعارض المحلية، بالتعاون مع «السري أرت»؛ لنشر وترويج الخط العربي بين الزوار، حيث أقوم بالرد على استفسارات الجمهور في كل ما يتعلق بالخط، وكذلك قمت بتقديم دورات عامة وخاصة للمبتدئين، صغاراً وكباراً.

بالعودة إلى مقولة ابن عربي: «كل فن لا يفيد علماً، لا يُعوّل عليه».. كيف تجعل اللوحة موقفاً، حدثنا عن هذا؟ على الخطاط أن يكتب ما يخدم الحياة اليومية، والقضايا الإنسانية. وأرى أن قراءة الكتب، والأدب بشكل خاص، تساعد الخطاط كثيراً في اختيار ما يكتبه، وما يعرضه ليكون مفيداً.