هي جميلة وقوية وحنونة في الوقت ذاته، شخصية مرحة واجتماعية، أنيقة وحكيمة وكريمة.. هي جدتي وصديقتي، نرتدي «المخاوير» نفسها، ونشتري لبعضنا «الوعيان» نفسها.. ابتسامتها جميلة تشرح الصدر، وتُشعرنا بالأمان، وأصابعها دائماً مزينة بالحناء (الروايب)، كأنها حبات الرطب اللذيذ، كما يشبهها أخي الصغير «أحمد»، تعلمت منها الكثير، كان المبيت عندها مغامرات ممتعة، فقد كانت تعلمنا بطرق دائماً مبتكرة، وقصص ما قبل النوم، كانت دائماً ملهمة...

في أحد الأيام، استيقظت من النوم - بكل حماس - لتناول وجبة الإفطار، بعد قضاء ليلة عندها، ونزلت إلى مجلسها بملابس النوم مع أخي «محمد»، وكنت - حينها - في سن سبع سنوات، قبلتها على رأسها كالمعتاد، وجلست بجانبها لتناول الإفطار (الريوق)، كما نقول بالعامية الإماراتية، سألتني: أين حلقك؟ (كواشي) كما نسميه باللهجة الإماراتية، فأجبتها - بتعجب - في الغرفة؟.. فقالت ما الفرق بينك وبين «محمد»؟.. وشرحت لي: «البنات ما يعقن كواشيهن»، وأن الفتاة تتزين بملابسها الجميلة، وتكحل عينيها.. ومنذ ذلك اليوم و«الكواشي» لم تفارق أذنيَّ...

وفي رحلة إلى العمرة، في عمر الثانية عشرة، طلبت مني تحضير القهوة العربية، ولم أكن أعرف طريقة تحضيرها، فشرحت لي الطريقة، وانبهرت بسهولة تحضيرها، وقمت بتحضيرها طوال رحلة العمرة، وعلمتني أيضاً كيفية تقديمها، وذلك بإمساك الدلة باليد اليسرى، وتقديم القهوة باليد اليمنى، وتحريك الفنجان دلالةً على الاكتفاء...

لا تخلو جلسة أمي «مريم» من الأمثال والأشعار والفكاهة، فبأسلوبها الشيق المرح تعلمنا منها الكثير، وحفظنا القصائد والأمثال الشعبية، وكانت دائماً تحكي لنا حكاياتٍ قبل النوم، فيها حِكَم وعبر...

«يا غريب كن أديب».. جملة قالتها لي ولأختي قبل أن تحل الطائرة؛ لتذكرنا بالالتزام بالأخلاق الحميدة أينما كنا، وأننا لا نمثل أنفسنا فقط، بل نمثل بلدنا الحبيب الإمارات، وهذا - في حد ذاته - مسؤولية كبيرة تقع على عاتقنا...

وكان مما تكرره لنا بيت الشعر هذا:

«الزين يا عليا خضاب وينجلي..

والستر يا عليا مناخ الركايب».

«الصلاة الصلاة، نور في الوجه، وبركة في الرزق، وطول في العمر».. هذا ما كانت تقوله لنا نحن أحفادها، عندما نكون في مجلسها، وقد سمعت الإقامة وهي في طريقها إلى مصلى منزلها، فنتسابق إلى الصلاة معها.

ومن أقوال أمي «مريم» المأثورة: «سافروا.. تصحوا»؛ فلطالما شجعتنا على السفر في الشتاء والصيف، والتمتع في رحلتنا، والتعلم من الثقافات المختلفة، والاسترخاء والاستجمام؛ لنعود بطاقة متجددة ونشاط إلى الدراسة أو العمل.

فكل عام وأنتم وبركات الدار بخير.. أطال الله في عمرهنَّ، وأمدهنَّ بالصحة...