أُفكّر فيها.. تلك المرأة الإماراتية الأولى، التي تخطتْ حواجز الخوف من الموت عطشاً، ومشتْ إلى الماء؛ لتروي البلدة، وتُحرّك الجغرافيا، وتضاريس البقاء.. تلك الأولى، التي وهبت الإمارات ثقة وديمومة وحضارة؛ فبمشيها إلى الماء غذّت الأرض بينبوع الاتحاد، وجذّرت أجيالاً من الحكمة والنور والطموح. فلا أجمل من ذلك المشهد الأمومي، الممزوج برحمة الماء في تنكات معدنية على رؤوس الأمهات الذاهبات فجراً إلى العيون، على أطراف القرى، في سككها الترابية، أو الحجرية الوعرة. وكان المشي إلى الماء - رغم شقائه - أشبه بالنزهة، وطقس الترويح، فهو رحلة مسامرة مشروعة للأمهات، يتحررن فيها من وتيرة الحياة المعبأة بالهموم المنزلية.. كل خطوة إلى الماء هي طاقة فضفضة وانبلاج للسلام الداخليّ.. مع كل مشية، يولد الشفاء، وتدبُّ حكاية جديدة على الأرض، والنبع ليس ببعيد، لكن الدرب إليه شاق، ورغم الرحلة المتعبة، فإن العيون هي البوابة الأولى المشرعة للأمهات على فضاء الحرية المحدودة، العيون هي المخلص الأول لهن، ومسوّغ التنفس والنسيان خارج قيد الخضوع، لتنسلّ من حيزها الروتيني، وتتحرر من حدود البيت، وفي الينابيع تعود إلى أصلها الوجودي، الذي كانت عليه، فلربما كانت المرأة الإماراتية وادياً شفافاً منطلقاً في الأخاديد الكونية، أو نجمة ماء جنوبية تغني منذ الأزل، أو شلال غيم في الأبدية، أو قصة شفافة لبراءة حب جديد عند الينبوع.. هناك تحديداً قرب الماء وفيه، تحكي وتصغي وتغسل أحزانها، فمنذ زمن طويل وهي تلتصق بالينابيع والشلالات والأودية والجرار، فيتجسد من خطاها المائيّ مهدُ الحضارة والتاريخ والنموّ والحياة، وسيرة أصيلة لحكاية المرأة الأولى.. النبع الإماراتيّ الأول للتألق، والعطاء، والحُبِّ.