الاستهلاك أحد جوانب الثقافة المجتمعية، التي تؤثر - بصورة مباشرة - في خصائص المجتمع، ومن المحددات المؤثرة بصورة مباشرة في ثقافة الاستهلاك أنماط الاستهلاك، التي يهمني منها - في طرح مقالي هذا - جزئيتان مهمتان، هما: النمط الاستهلاكي اليومي، والنمط الاستهلاكي الاستثنائي للأسرة، خاصة في المجتمع الإماراتي.

النمط الاستهلاكي اليومي هو كل ما يرتبط بالعمليات اليومية الروتينية من العملية الاستهلاكية، التي ترتبط بالاحتياجات الإنسانية الطبيعية واليومية، مثل: الطعام، والانتقالات، وغيرها. أما النمط الاستهلاكي الاستثنائي، فهو النمط المرتبط بأحداث معينة ليست حتمية، ولا يومية، مثل: زواج أحد أفراد الأسرة، أو الحفلات، أو الاستهلاك في الأحداث الاستثنائية للأسرة.

ترتبط تلك الأنماط، بصورة وثيقة، بالعديد من الممارسات الاقتصادية الاستهلاكية، التي قد تكون مؤثراً مباشراً في الأسرة، وبالتالي تؤثر بصورة مباشرة في المجتمع والأمن المجتمعي، ولا بدَّ أن نتوقف عند بعض تلك الأنشطة المصاحبة لتلك الأنماط، التي تؤثر بالسلب في المجتمع.

الإشكالية الأكثر أهمية - من وجهة نظري - هي تحول الاستهلاك إلى هدف في حد ذاته، وليس وسيلة لتوفير الاحتياجات الإنسانية والمجتمعية، وهذه الإشكالية تمثل مؤثراً مباشراً في تحقيق السلامة الشخصية، فحينما تتحول النزعة الاستهلاكية إلى هدف في حد ذاتها، وعدم ربطها بالاحتياج الفعلي للفرد؛ يمثل هذا هدراً كبيراً لإمكانات الفرد، حيث يتجه الإنسان - في تلك الحالة - إلى السعي للإشباع الاستهلاكي المسيطر على نفسيته بكل الطرق، وهنا تأتي الأزمة الحقيقية، وهي التوازن بين الدخل الاقتصادي للفرد وللأسرة، وبين النزعة الاستهلاكية، وعادة تنتصر تلك النزعة، ويؤثر ذلك بصورة مباشرة في الفرد.

لتحقيق الرغبات الاستهلاكية للفرد؛ فإنه قد يتجه إلى الاستدانة، سواء عن طريق القروض البنكية، أو البطاقات الائتمانية، مع فقد البوصلة الثقافية اللازمة للتوجيه السليم، وفقد القدرة على ترويض النزعة الاستهلاكية؛ فتتحول تلك المميزات، التي حصل عليها الفرد؛ نتيجة قوة النظام المصرفي ومرونته إلى عنصر ضاغط على قدراته، خاصة حينما ترتبط تلك القروض بتحقيق نمط استهلاكي استثنائي، كما أشرت سابقاً، وفي أغلب الأحيان يؤثر ذلك بصورة مباشرة في النمط اليومي، الذي هو استجابة للاحتياجات الإنسانية الأساسية، وفي النهاية تتعرض الأسرة لخطر التأثير المباشر في السلامة النفسية، وهذا ينعكس بصورة مباشرة على أمن الأسرة المجتمعي، وبالتالي تأثر الأمن الاجتماعي للمجتمع ككل.

تعيش دولة الإمارات العربية المتحدة في رفاهة، في ظل قيادتنا الرشيدة، التي تسعى إلى تحقيق كل سبل الرفاهية للمجتمع الإماراتي، وذلك يتطلب منا أن يكون هناك دور مجتمعي موازٍ؛ للحفاظ على هذه المكتسبات، وتحقيق الأمن المجتمعي بأن يكون هناك وعي مجتمعي حقيقي نحو العلاقة بين القدرة المالية للفرد، وبين النزعة الاستهلاكية، حيث إنه من الطبيعي أن تتحكم تلك القدرة في النزعة الاستهلاكية، وليس العكس؛ حتى نحافظ على الأمن الاجتماعي للمجتمع الإماراتي، ونحميه من أحد أخطر مهدداته.