سألت إخواني وأخواتي: ما الذي تعلمتموه من بابا.. بما أن معظمكم أصبحوا أمهات وآباءً؟!

أجوبتهم أعادت إليَّ أحلى الذكريات، فطيبة قلبه وحنانه ولطفه لا يشبهها شيء.. تعلمنا منه العطاء، وعمل الخير، تعلمنا منه احترام الآخرين، إذ كان يعامل الجميع بلين ورفق، كأنهم أصدقاؤه. صنع لنا أول حصالة من علبة الحليب المعدنية؛ ليعلمنا الادخار، ولنتبرع للمحتاجين؛ كلما امتلأت العلبة. كان إذا أغضبه تصرف أحد منا يعتذر إلينا، ويشرح لنا التصرف الصحيح، ورغم صغر سننا، فإنه كان يعاملنا معاملة الكبار.

علمنا والدي (العسكري) النظام والترتيب والدقة والأناقة، وأهم من هذا كله - ورغم انشغاله وضغوط عمله - حرصه على أن يصنع لنا أروع الذكريات، فقد كان حريصاً جداً على موعدنا الأسبوعي، وتنظيم الإجازات الصيفية، ومشاهدة الرسوم المتحركة معنا، وأيضاً ممارسة الألعاب الإلكترونية. كانت - ولاتزال - لعبتنا المفضلة «ماريو كارت». كنا نعلم إذا جاء لأخذنا من المدرسة أننا لن نعود إلى المنزل مباشرة، بل ستكون هناك زيارة إلى منزل عمتي «كلثم»؛ لنقضي وقتاً ممتعاً في اللعب، أو الذهاب إلى الجمعية، التي كانت كأنها زيارة إلى مغارة «علي بابا».. طفولتنا لم تكن روتينية أبداً؛ فقد كانت دائماً مليئة بالمفاجآت والمغامرات.

معظم تجارب «أول مرة» مع والدي، مثل: أول دراجة هوائية، وأول رحلة عمرة، وتعليمنا العبادات، وأول رحلة «ديزني»، وأول «road trip»، وحضوره معنا دائماً في أول يوم مدرسي، وتشجيعه لنا الذي كان له الأثر الكبير، كأنه يعدنا لخوض أكبر المعارك، وهو مدرك تماماً أننا سنعود منتصرين.

وحينما كبرنا علمنا قيادة السيارات، وحتى توقيعي اليوم علمني إياه بابا..

لم يفرّق بابا بيننا كذكور وإناث، بل منحنا كلنا الثقة، وكان حبه وتوجيهاته أثمن ما قدمه لنا.. الله يحفظك ويخليك لنا، إذ يعجز الكلام والقلم عن وصف امتناننا لك.. دمتَ لنا، وماما، يا من بكما للحياة معنى وجمال..