يضطر بعض الناس إلى العمل الليلي، ولذلك أسباب كثيرة، فمنهم من يفضل العمل في ظل جو من الهدوء وعدم الإزعاج، باعتبارهم أشخاصاً يفضلون الوحدة والاختلاط بأقل عدد ممكن من الناس، ومنهم من تجبرهم ظروفهم الاقتصادية على العمل ليلاً، في ظل أن عملهم الأساسي الصباحي ينتهي في وقت مبكر، لذا لديهم الكثير من الوقت، فيوزعون يومهم بين عملين، ينتصفهما وقت للنوم والراحة.

 

هل العمل الليلي، يومياً، يؤثر في صحة الناس؟

تقول عالمة النفس الروسية، الدكتورة زوليا لويكوفا، لصحيفة «كومسومولسكايا برافدا»، الروسية، إن العمل الليلي مهما كان نوعه، سواءً في البيوت أو المصانع أو المكاتب أو في الطرقات (قيادة السيارات)، مرتبط ارتباطاً رئيسياً بالإجهاد النفسي والضغط العاطفي، حتى لو لم يكن الإنسان لا يعمل إلا بالليل.

وتفسر خبيرة علم النفس الأمر، بتأكيدها أن العمل في أوقات الظلام، مع مجموعة قليلة من الناس، يحفز على الإصابة بالاكتئاب، خاصة إن كان سبب العمل الهرب من الاختلاط بالناس، أو محاولة تعويض نقص ما، سواء كان اقتصادياً أو اجتماعياً أو إنسانياً.

ووجدت خبيرة علم النفس أن معظم العاملين بالمهن الليلية، يحتاجون إلى اهتمام من نوع خاص، وتنصحهم بمراجعة طبيب نفسي؛ لتفريغ شحناتهم العاطفية، وإزالة أسباب التوتر والقلق، التي تدفعهم إلى تفضيل العمل الليلي عن الطبيعي المعتاد نهاراً.

وتشير الدكتورة لويكوفا إلى أن إصابة العمال الليليين بالاكتئاب والاضطرابات النفسية، تحيلهم إلى الوحدة أكثر، ويشجعهم انخراطهم في العمل على الانفراد بأنفسهم، والشعور بأنَّ لا أحد يقف في صفهم ويواسيهم، ما يجعلهم يشعرون بالوحدة أكثر، وبالتالي يصبح أمر عودتهم إلى حياتهم الطبيعية صعباً، في حال تقرر أن يعودوا إلى العمل وممارسة حياتهم في أوقات النهار.

 

الساعة البيولوجية للجسم

وبحسب دراسة سابقة، أجراها باحثون من جامعة أكسفورد الأميركية، فإن اضطراب إيقاع الساعة البيولوجية (ساعة الجسم الداخلية)، يؤثر بشكل مباشر على ذاكرة العاملين ليلاً، وقام الباحثون بدراسة بيانات 47811 شخصاً، يفضلون العمل الليلي، تضمنت معلومات عن أوقات عملهم، وأجروا لهم اختبار الوظائف الإدراكية، فوجدوا أن 79%، ممن أجريت عليهم الاختبارات، لديهم معدلات أعلى لفقدان الذاكرة.

ويرى أستاذ علم الأعصاب بجامعة أكسفورد، راسل فوستر، أن نتائج الدراسة مؤلمة، وتبعث تحذيراً مباشراً إلى أولئك الذين يفضلون العمل في ساعات الليل فقط، كون هذه العملية تزيد مخاطر الضعف الإدراكي لديهم.

وتتفق الدراسة الجديدة مع دراسات سابقة، أجريت على طياري الخطوط الجوية، الذين يطيرون لمسافات طويلة ليلاً، حيث كانت تلك الدراسات قد بينت ارتباطاً بين النوم، واضطراب الساعة البيولوجية في جسم الإنسان، مع النتائج الصحية الموجودة لديهم.