الأمومة أعظم هبة خصّ الله بها النساء. لكن، هل ينتبه من يحيطون بمن أصبحت للتوّ أماً إلى مشاعرها، التي اضطربت بين يوم وآخر، وإلى تلك الهرمونات التي قلبت كيانها رأساً على عقب، فاعلة فعلها نفسياً بجسدها وإحساسها ومداها؟

منى، أصبحت - منذ ستة أيام - أماً، وهي ليست بخير؛ فهي تحاول أن تخفي مشاعر الإحباط التي تجتاحها بابتسامة، وبنظرة إلى طفلتها «هنادي»، التي انتظرت مجيئها «على أحرّ من الجمر». شهيتها للطعام قلّت، ونومها أيضاً قلّ، ورغبتها في التواصل مع الآخرين باتت معدومة، فلم تعدّ تطيق أن تسمع من يقول لها: «افعلي هذا.. انتبهي من هذا.. تناولي هذا..»، فلم تعد تهتم بنفسِها، وأصبحت تغضب بسرعة، وتبكي بسرعة، وتقلق لأتفه الأمور. كانت تعرف أن نساء كثيرات يصبن بـ«اكتئاب ما بعد الولادة»، لكنها كانت تظنّ أن من يصبن به يعانين - من الأساس - مشاكل نفسية. ظنّت أنها ستكون في أمان، لكن حالتها تطورت، وردات الفعل التي كانت تقوم بها أثرت تدريجياً في علاقتها بزوجها، الذي كان أوّل من صارحها: «منى.. أنتِ لستِ بخير!». فما رأي طبيب علم النفس، محسن عوض، في كل ما حدث مع منى؟.. هل معاناتها ستزول بسرعة؟.. وكيف تتصرف - كما كل أم جديدة - مع «اكتئاب ما بعد الولادة»؟

نظر الطبيب النفسي إلى الوالد، وسأله: ماذا عن صحتك أنت النفسية؟.. لم يطرح الطبيب سؤاله عبثاً، فالرجال قد يصابون أيضاً بالاكتئاب بعد ولادة طفلهم، وإن كان هذا بنسبٍ أقل. وذلك بسبب زيادة المسؤوليات، والخوف من المستقبل. بعد أن اطمأن الطبيب على الأب، سأل الأم عن الأعراض والمشاعر والتقلبات المزاجية، وعن توقعاتها، وما إذا كانت تأتيها تهيؤات ما. وبدأ يخبرها عن مسائل يفترض أن تعرفها كل امرأة تنتظر مولوداً: «هناك ثلاث حالات قد تمرّ بها المرأة بعد الولادة، تبدأ بالحالة المسماة (بيبي بلوز)، أي حزن طارئ، ومشاعر قلق طارئة، وقد تتطور إلى (اكتئاب)، وقد تصل إلى حالة (الذهان)، التي تتطلب دخول المستشفى».

حدد الطبيب حالة منى بـ«اكتئاب ما بعد الولادة»، فماذا عن هذه الحالة بالتفصيل؟.. يجيب الطبيب: «نحو 80% من الأمهات الجديدات يختبرن، أول أسبوع أو أسبوعين بعد الولادة، ما يعرف بحالة (البيبي بلوز)، ومن 15 إلى 20% منهن يصبن باكتئاب يدوم أكثر من أسبوعين بعد الولادة. ويجب هنا التمييز بين التغيرات المزاجية البسيطة، وبين الاكتئاب المرضي. فالمرأة، مهما مرّت بتقلبات مزاجية لن تتطور حالتها سلباً؛ إذا كانت عائلتها خالية من الجين الوراثي المرافق للأمراض النفسية. على كل حال، لا داعي للقلق، لكن هناك أكثر من داعٍ لسؤال الطبيب النفسي، خاصة إذا بدأت المرأة تشعر بأفكار سوداء تنتابها، والمتابعة مع طبيب نفسي ضرورية للانتباه إلى أي أعراض، تشي بأن تغيراً طرأ على مزاج المرأة بعد الولادة، بينها: التعب المستمر، والبكاء بلا سبب، والنوم القليل، والرغبة في العزلة، وفقدان الشهية، وفقدان الاهتمام بالنظافة والثياب والشكل».

هناك نساء يسألن: «أليس هناك مهرب؟.. هل يمكن الوقاية من هذه الحالة؟».. جواباً: «الوقاية تكون بالوعي والثقافة. أما واقعياً، فالمرأة تمرّ - في مرحلة الحمل ثم الولادة - بتغيرات هرمونية كبيرة، فالإستروجين والبروجيستيرون يرتفعان كثيراً لديها وهي حامل، وبعد أن تضع مولودها تنخفض نسبة هذين الهرمونين بسرعة؛ ما يؤدي إلى تغيرات نفسية سريعة. لهذا، نصيحة إلى الأمهات الجديدات بأن يرضعن مواليدهن رضاعة طبيعية؛ لأن من شأن ذلك رفع نسبة البروجيستيرون، وتقليل الاكتئاب. في المقابل، من المهم أن تعرف الأم، أيضاً، أنها إذا كانت متوترة كثيراً، وأرضعت طفلها فقد يتأثر سلباً، ويبقى مستيقظاً متوتراً يبكي».

هناك من يقول: «هذه ضريبة الأمومة، فلتسترح الأم الجديدة، ولا بد لحالتها أن تتحسن. فلتستشر الطبيب إذا احتاجت، ولتنظر كثيراً إلى عينَيْ طفلها، ولتلمس وجنته وأنفه وأذنيه، ولتضعه على صدرها، ولتخرج به إلى الشمس، إلى فيتامين (د)، ولتعترف بأي مشاعر سلبية تجتاحها. فالاعتراف بداية العلاج، فهذه أيام ستمرّ، وإذا طالت وتمددت؛ فتجب حتماً استشارة طبيب نفسي.. فلا تخجلي أيتها الأم الجديدة من طلب المساعدة».