لطيفة بنت عيسى: الإمارات بيئة خصبة للفنون

لكل تجربة تشكيلية ملامحها، ولكل فنان شغفه وتميزه، فكيف إذا جمعت بين التراث والمعاصرة، وكان الوطن حاضراً بكل رموزه؟.. القادة، المرأة، الحصان، الصقر، التراث، هم من تميزت بهم الفنانة التشكيلية الإماراتية لطيفة بنت عيسى، التي ترى أن الفنان يحمل رسالة، ولابد أن يقدم الفنان وطنه إلى العالم، وتؤكد: «الفن ع

لكل تجربة تشكيلية ملامحها، ولكل فنان شغفه وتميزه، فكيف إذا جمعت بين التراث والمعاصرة، وكان الوطن حاضراً بكل رموزه؟.. القادة، المرأة، الحصان، الصقر، التراث، هم من تميزت بهم الفنانة التشكيلية الإماراتية لطيفة بنت عيسى، التي ترى أن الفنان يحمل رسالة، ولابد أن يقدم الفنان وطنه إلى العالم، وتؤكد: «الفن عالمٌ فتحَ لي أبواباً روحانية، لقاء مع نفسي ومع الكون، كل لوحة تأخذني إلى باب؛ لأطرق أبواب الوجود».. حول التجربة والمراجع الثقافية، التقت «زهرة الخليج» الفنانة لطيفة، ومعها كان هذا الحوار:

كيف دخلت عالم الفن التشكيلي؟ في مدينة أبوظبي ولدت، وكبرت وسط عائلة يغمرها الفن، فمعظم أفراد أسرتي يمتلكون موهبة الرسم والخط الجميل. كانت الألوان شغفي، والطبشور، وكل ما يترك أثراً فنياً، كنت أرسم على جدار، أو ورق، أو أي شيء، لهذا ليس عبثاً أن تزين لوحاتي جدران الصف، وأروقة وممرات مدرستي، حتى كراسة الواجبات، كنت أزخرفها بالورود، ومن هنا مضيت في تخصصي الجامعي إلى هندسة الديكور، تأكيداً على مفهوم الجمال والفن معاً، إلى جانب دراسات علمية؛ واستطعت الجمع بين الفن والدراسات العلمية، في «القيادة والإدارة والاستراتيجية»، وإدارة الأعمال، وحصلت على الماجستير. ربما أكون محظوظة لأنني تربيت في هذه الأسرة، فأمي تقدر الفن، وأخي يشجعني على المشاركة والسفر، كي أكون حاضرة دائماً، داخل الدولة وخارجها.

حدثينا عن أثر المدرسة في التشجيع على الإبداع، وما اللوحة التي أدهشتِ بها معلماتكِ؟ المدرسة منصة للإبداع والحوار، والتواصل مع رسائل المجتمع، فقد فتحت أمامي الطريق، الذي أواصله إلى اليوم بشغف لا مثيل له. في المرحلة الابتدائية، كنت رفيقة معلمة الرسم، وواصلت الدرب في المرحلة الإعدادية، فقد كنت في مدرسة «القدس»، وطلب مني حينها رسم لوحة لإدارة المدرسة، لوحة للنساء، اقتربت خلالها من وجوه إماراتيات يرتدين البرقع، ويمارسن مهنة التلي، وهي حرفة يدوية للأزياء. لاتزال دهشة عينَي المعلمة أمامي، ربما كان هذا العمل الإشارة الأولى لموهبتي، فقد أرسلت اللوحة للمشاركة بمسابقة فنية على مستوى المدارس، وكان الفوز من نصيبي، ما منحني دافعاً لمواصلة الطريق. ابتكرت، بشكل عفوي وطفولي، لوحة مستدامة، لأنني رسمتها على الجلد، واستخدمت ألواناً من البيئة، فرائحة اللون الممزوجة برائحة الجلد مازالت حاضرة في ذاكرتي. بعدها، توالت النشاطات، فشاركت في ورشة «لا للمخدرات» التوعوية بالمجمع الثقافي في أبوظبي، وفزت بالمركز الأول، وتم تكريمي بهدية من «أم الإمارات».

الفن الهجين

لكل فنان بصمته الإبداعية.. من أين تستوحين أفكارك، وكيف وظفت ثقافتك في الديكور مع التشكيل؟ حاولت أن تكون لي بصمتي الخاصة، فاستخدمت ما يسمّى «الفن الهجين»، ودمجت ببعد حداثي بين التصميم والرسم، وأدخلت على أعمالي المرايا، وما تحمله من انعكاس يصب في اللغة البصرية. إلى جانب الكريستال، والزجاج، جمعت بين التراث والمعاصرة، وهذا يصب تماماً في مفهوم الاستدامة. لاشك في أن القراءة، ومتابعة الأعمال التشكيلية، والقصص، والروايات، والسينما، والموسيقى، تغذي المخيلة؛ لهذا أعتبر الفنان سفيراً حقيقياً لوطنه.

يقولون: «حالما تصبح فناناً، عليك أن تتعلم كيف تتقبل النقد».. كيف تتعاملين مع النقد؟ أي نقد هو اهتمام حقيقي، كونه قراءة للعمل الفني، وتسليطاً للضوء على ما نقوم به. أهم تحدٍّ واجهته، هو تغيير الصورة النمطية للمجتمع عن الفنان. كنت أتعجب كيف لا يستطيع البعض التفريق بين الرسم والصورة، فالفنان يمتلك حساسية خاصة، والجمال هو كل ما نراه في وطننا الحبيب، فكل شيء فيه مرسوم، النخل، والعمران. من هنا يأتي دور الفنان، ومسؤوليته، بنشر مفردات المكان والبيئة.

ما رأيك في حركة الفن التشكيلي بالإمارات؟ طبيعي أن تزدهر الحركة التشكيلية في بلد كل ما فيه يدعو إلى الجمال.. ففي كل معرض، ونشاط، لابد أن يكون هناك ركن للفن، مثل: معارض الكتب، الصيد والفروسية، مهرجانات التراث البحري، وغيرها الكثير، إضافة إلى وجود متحف اللوفر، ومنارة السعديات، كل هذا بيئة خصبة للفن، فهنا تجتمع الثقافات والشعوب، والنخب، ولابد أن أشير إلى ما قام به سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير ديوان الرئاسة، إذ أصدر سموه أمراً إلى الجهات المعنية، لوضع بند جديد في لوائحها الخاصة هو دعم الفنانين، وهذا شيء مشرف وجميل. على سبيل المثال، هناك فنانون وصلوا إلى العالمية، مثل: فاطمة لوتاه، نجاة مكي، فايزة مبارك، هاشل اللمكي، محمد كاظم، وفنانة الجداريات شفا غدّار، والكثير من الفنانين الذين شاركوا في بيناليات عالمية، ما يعكس مكانة الدولة، وحضورها المتواصل والمؤثر في مختلف الأحداث الفنية العالمية، للتعريف بالهوية الإماراتية والعربية لجمهور الفن العالمي. وبخصوص تجربتي، فقد عرضت أعمالي أمام سياح متنوعين في قصر الإمارات، هذا المكان الحضاري.

روح المكان

من أي الآفاق الجمالية ينبع إلهامك؟ الإلهام يكون فطرة ربانية، تضاف إليها الثقافة والمخيلة، والأهم روح المكان، والحس العالي باللون والطبيعة، والتفاصيل، وهذا انعكس على لوحتي «أم الإمارات»، فسموها قدوة لنا جميعاً، ولوحة المغفور لها الشيخة سلامة بنت بطي، وهي والدة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراهما، والتي رسمتها بعد قراءتي عنها. في الحقيقة، هناك نساء لا يمكن إلا أن يتركن أثراً بي. ولا أغفل الطبيعة بما لها من تأثير قوي فيَّ، إذ أستوحي منها عمق اللون، لون رمال الصحراء، بتدرّج ألوانها، وأشكالها، إلى جانب لون السماء والبحر، والأزياء. أحب أن أقول إن الديكور علّمني تدرج اللون، والفانتازيا، وهذا أيضاً ينعكس على أعمالي.

ما أبرز رموز لغتك البصرية، وكيف تبدعين دلالتها التشكيلية؟ ركّزت كثيراً على فن البورتريه، للشيوخ، والأشخاص الذين تركوا بصمة في الحياة والتاريخ، إلى جانب رموز البيئة، مثل: الصقر، والخيل، والنخيل، والكائنات البحرية، وأعمال أخرى وظفت فيها الفن الزخرفي، ورسم الورود، والأشجار.

يبدو في أعمالك تركيزك على الخيل.. حدثينا عن هذه التجربة! أنا عاشقة للخيول، وكنت أمارس هواية ركوبها في الصغر، وقد اكتسبت ثقافة عن الخيل، وأنواعها، من خلال حضوري المهرجانات، وزيارة الإسطبلات، وقراءة الشعر أيضاً، منذ امرئ القيس وإلى الآن «مكرٍّ مفرٍّ مقبل مدبر معاً»، هذا الشعر الذي عكس حركة الحصان، لهذا حاولت رسم الخيول بحالات متعددة، بالإضافة إلى رسمي الخيول العربية، وما وراءها من قصص.

أنامل الشغف واللون

هل يمكن ترجمة العواطف بواسطة الفن التشكيلي؟ أي فن يبدأ من الشعور، والإحساس، والحب، والوجدان، يضاف إليها تكنيك اللون، والخطوط، لتجسيد أي حالة.

بمن تأثرت.. محلياً، وعربياً، وعالمياً؟ أستلهم أفكاري من الكتب التاريخية، والتراثية، وكذلك من الصور البصرية لشخصيات وأحداث تاريخية أيضاً. هناك فنانون أعجبت جداً بتشكيلهم وتقنياتهم اللونية، مثل: الفنان عبدالقادر الريس، وفيصل عبدالقادر، وأحمد بن عبدالله المغلوث من السعودية، وهناك غيرهم. أما الفن الغربي، فأنا بعيدة عنه، لأنني تراثية عربية.

في ظل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا.. كيف توظفين اللغة البصرية والألوان؟ لم أعمل حتى الآن مع أنظمة الذكاء الاصطناعي، وليست لديَّ مشكلة في تجريبها، وأظن أن الفنّان الحقيقي لا يستطيع التخلي عن حسّه الجسدي والروحي للتواصل مع الواقع في لوحاته. أما الفن الذي يعتمد أصحابه على الذكاء الاصطناعي، فهو فن حداثي، ونوع من الفنون التطبيقية «الديجيتال»، أو التزيينية. يقال إن التكنولوجيا ستسيطر على كلّ شيء، لكنني أعتقد أن الفنان مثل الشاعر، سيبقى بصوته ومشاعره، التعبير الأرقى، ولا أخاف على مستقبل الفنانين، والدليل أن المتاحف العالمية منصة لحضور الفن، وأهم الأسماء، واللوحات التي رسمت بأنامل الشغف واللون.