رائحة الجسم ظاهرة طبيعية تختلف بين الأفراد، فهناك من تنبثق منه رائحة النباتات النضرة، وآخر العود والتوابل، وهناك الروائح الكريهة. لكن، هل تعلم أن رائحة الجسم يمكن أن تكشف معلومات مهمة عن صحة الشخص؟ كما أنها مؤشر مهم للغاية للباحثين في مجال الطب الشرعي والصحة العامة!.. فما الأمر؟

ما العرق وما دوره في جسم الإنسان؟

العرق هو السبب الرئيسي وراء رائحة الجسم، ويتم إنتاجه بواسطة الغدد العرقية في الجسم، ويخدم أغراضاً متعددة، وإحدى الوظائف الرئيسية للعرق، هي تنظيم درجة حرارة الجسم، وعندما ترتفع درجة حرارة الجسم، كما هي الحال أثناء النشاط البدني، أو التعرض للحرارة، تنتج الغدد العرقية العرق لتبريد الجسم، ومع ذلك يحتوي العرق، أيضاً، على مواد كيميائية ومركبات مختلفة، يمكن أن تساهم في رائحة الجسم.

الرائحة المميزة، المرتبطة برائحة الجسم، ترجع - في المقام الأول - إلى وجود البكتيريا على بشرتنا، وعندما نتعرق تقوم هذه البكتيريا بتحطيم المركبات الموجودة في عرقنا، ما يؤدي إلى إطلاق المواد المسببة للرائحة، وهناك أنواع مختلفة من البكتيريا، تنتج روائح مختلفة، التي يمكن أن تختلف من شخص إلى آخر. ويمكن لعوامل، مثل: النظافة الشخصية، ووجود بعض البكتيريا على الجلد، أن تساهم أيضاً في شدة رائحة الجسم.

العلاقة بين رائحة الجسم والصحة:

يمكن أن تؤثر الظروف الصحية، وخيارات نمط الحياة، على تركيبة العرق، ما يؤثر بدوره على رائحة الجسم. فعلى سبيل المثال، يمكن لبعض الحالات الطبية، مثل: مرض السكري، وأمراض الكلى، أن تسبب تغيرات في رائحة الجسم، وفي مرض السكري قد ينتج الجسم رائحة فاكهية، أو رائحة حلوة؛ بسبب وجود الكيتونات.

وبالمثل، إن الأشخاص الذين يستهلكون أنواعاً معينة من الأطعمة، مثل: الثوم أو التوابل القوية، قد تكون لديهم رائحة جسم أكثر وضوحًا، إذ يمكن أن تفرز هذه الروائح من خلال العرق، وتصبح أكثر قوة.

اكتشاف الجنس والعرق والفيروسات أيضاً:

تعمل الفرق البحثية الطبية على اكتشاف المزيد، في ما يخص رائحة الجسم، وعلاقتها بالعديد من الأشياء المحيطة في حياة الإنسان. ومن بين الدراسات، التي تُجرى على هذا الأمر، خلص فريق بحثي أميركي عام 2017، بمشاركة 105 متطوعين، إلى اكتشاف الجنس والعرق من المركبات العضوية المتطايرة، من خلال سحب عينات من باطن كف اليدين.

وكانت النتيجة دقيقة بنسبة 72%، للأشخاص أصحاب البشرة البيضاء، و82% للآسيويين، و67% لأصحاب الأصول اللاتينية، بالإضافة إلى التمييز بين الذكور والإناث بدرجة دقة وصلت إلى 80%. بالإضافة إلى ذلك، تمكن الباحثون من اكتشاف الإصابة بفيروس «كوفيد-19»، من خلال كلاب مدربة على شم الفيروسات في الإنسان، من خلال رائحته.

تشخيص الأمراض:

توسع علم الرائحة البشرية كثيراً في السنوات القليلة الماضية، حيث أصبحت رائحة الشخص تساهم في تشخيص حالته الصحية، وإمكانية التنبؤ بإصابته بعدد من الحالات المرضية الخطيرة، مثل: السكتات الدماغية، ونوبات السكري، وذلك من خلال الكلاب المدربة على اكتشاف روائح البشر المصابين، وإطلاق تحذيرات عن طريق النباح باحتمالية الإصابة، خلال الدقائق التالية، بوعكة صحية شديدة.

وأجريت بعض الاختبارات الطبية، من خلال الكلاب التي اكتشفت الإصابة ببعض أنواع السرطان من خلال الرائحة فقط. ومن خلال العينات تم تأكيد الإصابة، بالإضافة إلى ذلك تم اكتشاف إصابة مجموعة من الأشخاص بفيروس «كوفيد-19»، بنسبة 75%.

لذلك، لا ينبغي تجاهل رائحة الجسم باعتبارها مجرد مسألة تجميلية، إذ يمكن أن تكون بمثابة مؤشر قيم للحالة الصحية للشخص، ولا يجب تجاهل تغيرات رائحة الجسم المستمرة أو غير العادية، لأنها قد تشير إلى حالة صحية كامنة. على سبيل المثال، التغير المفاجئ في رائحة الجسم المصحوب بالتعرق الزائد، أو أعراض أخرى، قد يكون علامة على وجود عدوى أو خلل هرموني، لذلك إن الاهتمام برائحة الجسم يمكن أن يساعد الأفراد ومتخصصي الرعاية الصحية على تحديد المشاكل الصحية المحتملة، واتخاذ الإجراءات المناسبة.

اليوم، أصبحت رائحة الجسم أكثر من مجرد رائحة عطرية، أو أخرى كريهة، حيث يمكن أن توفر أدلة قيمة حول صحتنا، من خلال فهم دور العرق، والعلاقة بين رائحة الجسم والصحة، والعلم الذي يقف وراء ذلك، ويمكننا التعرف على أهمية مراقبة التغيرات في رائحة الجسم، لذلك من الضروري إعطاء الأولوية لممارسات النظافة الجيدة، وطلب المشورة الطبية؛ إذا كانت هناك تغيرات مستمرة أو مثيرة للقلق في رائحة الجسم، ويمكن اعتبار رائحة الجسم أداة مفيدة في الحفاظ على الصحة والرفاهية المثلى.