ناديا بوهناد: علم النفس أخذني إلى الكتابة

«أروع النساء، تلك التي تجمع في شخصيتها القوة والحنان معاً».. بهذه العبارة، بدأت الدكتورة ناديا بوهناد حديثها مع «زهرة الخليج»، مؤكدة أنه بجانب كل رجل حرّ امرأة حرة. تقول: «علمني والدي، والبيت الذي تربيت به، أن أعرف كيف أطرح الأسئلة، وكيف أدير الوقت، وعرفت لاحقاً من دراستي وعملي وقراءاتي وأمي، المعنى

«أروع النساء، تلك التي تجمع في شخصيتها القوة والحنان معاً».. بهذه العبارة، بدأت الدكتورة ناديا بوهناد حديثها مع «زهرة الخليج»، مؤكدة أنه بجانب كل رجل حرّ امرأة حرة. تقول: «علمني والدي، والبيت الذي تربيت به، أن أعرف كيف أطرح الأسئلة، وكيف أدير الوقت، وعرفت لاحقاً من دراستي وعملي وقراءاتي وأمي، المعنى الحقيقي لتحديد أولوياتي، وأن أنطلق دائماً من نفسي من ذاتي، التي تشكل مفتاح النجاح الحقيقي لي في دائرة العمل والحياة، فأن أعرف من أنا، وماذا أريد، وما أولوياتي، كل هذا فتحه أمامي السفر، والدراسة، وقصص الناس».

هي استشارية نفسية، وحاصلة على درجة الدكتوراه في علم النفس التربوي من جامعة أريزونا الأميركية، ولديها خبرة بالعمل الميداني، من خلال متابعة الحالات والمشكلات النفسية والسلوكية لأكثر من 20 عاماً، ولديها خبرة بتطبيق المقاييس، وأثمر عملها كتابَيْن، هما: «كارما»، و«راغبات»، وحازت الكثير من الجوائز.. حول تفاصيل التجربة، كان لـ«زهرة الخليج» هذا اللقاء:

بدايةً.. حدثينا عن ناديا المرأة، وما الذي أخذك إلى علم النفس؟

لقد أخذني سؤالك إلى الشعر، من أنا، من ناديا بوهناد؟.. فهل أقول: «هذا سؤال الآخرين، ولا جواب له، ما دلني أحدٌ عليَّ، أنا الدليل إليّ».. الإنسان، لا يختصر بكلمة، ولا بوجه، ولا بحالة، لأنه متعدد، «تعددت لأرى»، أحياناً يكون وجه الطفلة، وجه الحكيمة الناضجة، وربما دراستي لعلم النفس جعلتني أعرف أكثر أسئلة الحياة والوجود، وتبدُّل الحال، والفلسفة تؤكد أن معرفة العالم، وكل ما يحيط بنا، تبدأ من معرفة «الأنا» (الذات). أما علم النفس، فقد تعلمت أسسه الأولى في المدرسة، من معلمة علم النفس والفلسفة، الأستاذة نورا، وكنت حينها أنجذب إلى الموضوعات المتعلقة بالذاكرة، والنسيان، والشعور، واللاشعور. بعدها، قرأت الكثير من كتب الفلسفة، لأمثال: نيتشه، وسبينوزا، وألبير كامو، وابن خلدون، وابن رشد. طبعاً أحببت هذه المادة جداً، لاسيما أن كل العلوم لها فلسفتها الخاصة، العمارة، الاقتصاد، المجتمع، السياسة، والفن، ثم حدث أن درست في أميركا، درست الفلسفة التربوية، ما فتح أمامي أفقاً جديداً آخر.

كيف أثر البيت الأول (بيتك) في تكوين شخصيتك؟

أسرتي مكونة من سبعة أبناء، أنا أكبرهم. في هذا البيت عرفت معنى الحب، معنى التوازن العاطفي، ما ساهم بشكل كبير في تكوين شخصيتي، فوالدي، رحمه الله، كان يحملني المسؤولية، ويعطيني مصروف البيت منذ أن كنت في الثالثة عشرة، وأذكر كيف كانت والدتي تشعر بذلك، وتقول له: «ألا تثق بي؟».. والدتي كانت تنفق كثيراً، ولا يبقى شيء معها إلى آخر الشهر، لكنني استطعت أن أقوم بعملية تخطيط مالي، ونجحت، ولا أزال إلى اليوم أومن بأنه من الضروري جداً أن يكون هذا في كل أسرة، وأن يتعلمه الأطفال قبل الكبار. كنت عنيدة في البيت، وتأثير أمي انعكس على تكوين شخصية مستقلة، ومطلعة، ومثقفة. ورغم أنها تعلمت حتى «الابتدائية»، فقد كانت تقدّر أهمية العلم للفتاة والشباب. البيت الأول هو الحضن والعافية، والقوانين، والتعليمات، بعيداً عن الكبت والضغط، وهذا أخذته من أهلي في بيتي اليوم.

القراءة باب الحياة

القراءة والتخصص يفتحان أفقاً حقيقياً في تكوين «الأنا» المبدعة.. ما أسئلتك الحقيقية، التي دفعتك لأن تكوني ناديا بوهناد، المؤثرة؟

القراءة، فعل حياة، تدفعك إلى فتح باب الأسئلة على الذات والعالم. قراءاتي عموماً كانت تدور حول الفلسفة وعلم النفس، وكانت الكتب تصلني من سوريا، لاسيما الكتب العالمية المترجمة، مثل كتب فرويد، والإنسان المتمرد عند نيتشه، هذه القراءة كوّنت لديّ طريقة التفكير، بعيداً عن السطحية، وأتذكر أنني كتبت القصة الأولى وأنا في «الثانوية» (فترة المراهقة). مع الوقت كان السفر، والعلاقات، وكانت لي جلسة مع صديقة لبنانية، كنت أحكي معها عن العلاقة بين الرجل والمرأة، وهذا فتح أمامي، لاسيما حينما أصبحت دكتورة، أن أستمع إلى معاناة المرأة، وأثمر ذلك لاحقاً كتاب «راغبات»، الذي اعتمدت فيه على تحليل بسيط، وتكلمت فيه عن تجربتي، وبالمحصلة كتبت عن علاقات فاشلة للنساء، ولم أقل لهن انتبهن، فقد تركت الموضوع مفتوحاً أمامهن.

كيف جعلتِ من السرد الروائي رسالة محبة وتسامح، لاسيما في روايتك «كارما»؟

أتابع حديثي عن القراءة والكتابة؛ لأن العلاقة بينهما متداخلة ومثمرة، هكذا كتبت «كارما»، ولا أعتبرها رواية، ولا أعتبر نفسي أديبة، فأنا أكتب كتابات نفسية اجتماعية، وهذا امتد إلى مقالاتي، التي كتبتها في منابر عدة، منها «زهرة الخليج».

«الذكاء العاطفي» من الكلمات المهمة اليوم، في إدارة الرغبات، والطموح، وكل شيء.. حدثينا عنه، وكيف نصل إلى هذا التوازن وسط عالم مشتعل بالمؤثرات؟

«الذكاء العاطفي» نظرية حديثة، ترجع إلى عام 1992، وصاحبها دانييل غولمان، الذي درسته في أميركا كنظرية وتطبيق. عام 2000، عدت إلى الإمارات، وقمت بعدد من الدورات التدريبية، وشاركت في عدد من البرامج التلفزيونية. اليوم، وبسبب وجود وسائل التواصل الاجتماعي باتت مفردة «الذكاء العاطفي» معروفة، واقترب الناس من هذه الثقافة؛ فـ«الذكاء العاطفي» هو المظلة التي تجمع الذكاء الشخصي والاجتماعي، ومنها: وعي الذات والمشاعر، وقدرة الإنسان على الوعي بذاته، وهذا بفعل العقل. إن الذي يملك ذكاءً عاطفياً، يأخذ نفساً عميقاً في حالات الغضب والانفعال، أي يعرف كيف يوجه ويدير غضبه، ومشاعره، أما «الذكاء الاجتماعي»، فهو مهارة التواصل مع الناس، والتفهم، والتعاطف، وإيجاد المبررات؛ لتكسبي الناس. لنصل إلى التوازن، لاسيما أن كلّ شيء مكتسب، ونتعلمه بالخبرة والثقافة، والتطوير، ومراجعة الذات، والتقييم أيضاً، وهذا يؤثر كثيراً في عالم مشتعل بالمؤثرات.

دورات أسرية

اليوم، يواجهنا الكثير من المفاهيم والتحديات.. كيف نؤسس - في مناخ العمل والبيت - بيئة محبة وسلام وطموح؟

هذا يبدأ من التربية، وهو ما أقوله دائماً للمقبلين على الزواج، إذ لابد أن يخضعوا لدورات أسرية، فكل واحد من الاثنين يعكس ثقافة مختلفة عن الآخر، حتى لو كانا من الجنسية نفسها. فهناك من يأتي من أسرة مفككة، أو من أسرة متوازنة، وهذا حتماً ينعكس على علاقتهما، وعلى بقية دوائر الحياة، مثل: العمل، والمجتمع، والصداقات، وكل شيء. ومن أجل تخطي التحديات، لابد من التوازن في التربية، وتجاوز المشاكل، أي التهيئة للزواج، ومن خلال عملي أجد أن معظم مشاكل المراهقين، اليوم، ترجع إلى افتقادهم التنظيم والتوجيه خلال الطفولة، فيكون تمردهم بشكل متطرف.

كيف نربي الطفل على معرفة قيمة الوقت، وتوظيفه بشكل مبدع؟

الأهل هم النموذج، وأقصد الآباء، فالذين لا يعرفون قيمة الوقت، ينعكس ذلك على أولادهم، ويبقون طوال الوقت على الهاتف. من هنا، فإن توزيع المهام على الأطفال، وتنظيم الوقت، للغداء، للفطور، للعشاء، لوقت النوم، للعب، وللقراءة، بعيداً عن الضغط، وحتى لأوقات الصلاة، ضروري، فكل هذا يؤسس للمسؤولية والالتزام. وبناء شخصية مسؤولة.كيف نرتب الأولويات.. الأهم فالمهم؟

يصعب على الكثيرين تحديد الأولويات، فحينما أسال بعض النساء هذا السؤال، هناك من تقول: «زوجي، أولادي، أمي، أبي، والعمل»، ولا توجد من تقول: «أنا»، ولو مرة واحدة. إن اهتمامك بنفسك، وصحتك، ورغباتك، ينعكس على من حولك. من هنا، تكون الأولوية هي ذات الشخص، رجلاً أو امرأة، وصحته، وتوازنه العاطفي، ولا يجب أن تكون مشروعاً مؤجلاً.

هل توجد خطورة من انتشار خبراء التنمية الذاتية على مواقع التواصل الاجتماعي؟

نعم هناك خطورة، وادعاء، وتجاوز للمهنية والبعد الأكاديمي، إذ إنهم يطلقون التعليمات دون أن تكون عندهم رخصة معتمدة من الهيئات المعروفة، لهذا نجد فوضى حقيقية بسبب انتشار هؤلاء المدّعين.