تسحر مدينة إدنبره، عاصمة اسكتلندا، زوارها بجمالها وتاريخها الغني، حيث تجمع بين الأماكن التاريخية الرائعة، والمناظر الطبيعية الخلابة، إلى جانب شهرتها بالقلاع والقصور التاريخية، والمهرجانات الكثيرة. لكن، زيارة المعالم السياحية الرئيسية فيها، مثل: قلعة إدنبره، ومقعد آرثر، ومبنى البرلمان الاسكتلندي، لا تكفي للاستمتاع بأجواء هذه المدينة، إذ لا بد من سَبْر أغوارها؛ لاكتشاف طابعها المتنوع والآسر؛ فهذه المدينة تخبئ لكم مفاجآت وأماكن وقصصاً أغرب من الخيال؛ فهل أنتم مستعدون للعبور إلى زمن آخر؟.. انضموا إلينا في جولة سياحية افتراضية؛ لاستكشاف عوالم إدنبره الخفية. 

وعند السير في شوارع إدنبره، يجب الحرص على النظر في كل الاتجاهات، بما فيها الأعلى والأسفل، فكل جدار أو حجر، أينما كان موقعه، يحمل قصة ما، تكشف عن تفاصيل ساحرة من تاريخ هذه المدينة، ولا غرابة في أن تكون إدنبره ألهمت الكاتبة البريطانية «جي كي رولينغ» كتابة سلسلتها الشهيرة «هاري بوتر»، بفضل الأحداث التي شهدتها، وما يتداوله سكانها من روايات، اعتبرت مجرد أساطير لشدة غرابة بعضها.

  • شارع رويال ميل

الشارع الملكي

متعة التجول في إدنبره لا تكمن في روعة قصصها وتاريخها وجمال أجوائها فحسب، وإنما أيضاً في التجارب واللحظات التي يعيشها الزائر على طول طريق «رويال ميل» (Royal Mile)، الممتد بين قلعة إدنبره وقصر هوليروود، والذي كان يشكل المسار التقليدي للمواكب الملكية في ما مضى، ومنه اشتق اسمه «الشارع الملكي»، وهو اليوم يعتبر أكثر الشوارع حيوية في القسم القديم من المدينة، ولا يتفوق عليه سوى «شارع الأمراء» (Princes Street)، الواقع في الجزء الجديد منها.

  • زقاق بايزلي

زقاق بايزلي 


من هذا الشارع الملكي، تتفرع أزقة ضيقة يطلق عليها اسم «كلوز»، وقد شهدت هذه الأزقة أحداثاً عدة، أدت إلى اكتساب بعضها شهرة كبيرة، منها زقاق «بايزلي كلوز»، الذي يبدو - للوهلة الأولى - مشابهاً لبقية الأزقة الضيقة والمظلمة ذات المداخل المقوسة. لكن، إذا أمعنتم النظر قليلاً؛ فستلاحظون وجود تمثال لوجه طفل صغير مع عبارة محفورة فوقه باللغة الاسكتلندية تقول: «انتشلوني يا رفاق.. لست ميتاً بَعْدُ!». فما قصة هذا الزقاق؟

يقال: إنه بحلول القرن التاسع عشر، بدأت المباني القديمة في التدهور، لاسيما تلك التي كانت مكونة من أدوار عدة. وفي 24 نوفمبر عام 1861، انهار مبنى يتألف من 7 طوابق في شارع بايزلي كلوز، ما أسفر عن مقتل 35 شخصاً. وأفادت الصحف المحلية، وقتها، بأن السكان أزالوا الأنقاض على مدى أيام، وعندما ظنوا أنه لا يوجد ناجون، سُمع صوت طفل صغير، يصرخ: «انتشلوني يا رفاق.. لست ميتاً بَعْدُ!». الطفل يدعى «جوزيف ماكإيفور»، ويبلغ من العمر 12 عاماً، وقد شكلت عملية إنقاذه حدثاً سعيداً. هذا الحدث أسفر عن وضع قانون لتحسين المباني، لاسيما المباني المكونة من أكثر من دور. وعندما أعيد بناء المبنى؛ تم وضع تمثال لوجه الطفل الناجي من الكارثة، على قوس مدخل الزقاق مع نقش جملته الشهيرة.

  • دير هوليروود

مأوى دير هوليروود

إذا أكملتم السير في الشارع باتجاه قصر هوليروود، الذي كان مقراً للملوك على مدى 5 قرون، وفيه عاشت الملكة ماري، وتزوجت اثنين من أزواجها الثلاثة، حتى إنه كان المقر الرسمي للملكة الراحلة إليزابيث الثانية في اسكتلندا، فستلاحظون وجود عدد من الحجارة منقوش عليها حرف (S) بالنحاس، فماذا يعني ذلك؟.. إنها حجارة المأوى، التي تشير إلى حدود منطقة الحماية القانونية لدير قصر هوليروود، أو ما يعرف بـ«مأوى الدير».

في القرن الرابع وحتى القرن السابع عشر، كان القانون ينص على أنه لا يمكن اعتقال أي مجرم في مكان مقدس مثل الكنيسة، لهذا كان البعض، خاصة المدينين، يلجؤون إلى الكنيسة؛ لتجنب الاعتقال والسجن، إذ إنه في تلك الفترة حتى سارق رغيف الخبز كان يتعرض للشنق. كان المأوى يغطي مساحة كبيرة حول الدير والكنيسة، وخارج هذه الحدود كان يمكن اعتقال المدينين أو التعرض للعنف، ومن كان يرغب في البقاء لأكثر من 24 ساعة بالمأوى، كان يتعين عليه دفع مبلغ مالي محدد، والقيام بأعمال عدة. عام 1880، ألغي هذا القانون، ولم يعد بالإمكان سجن أي شخص بسبب الديون، فانتفى دور «مأوى الدير».

  • ألعاب يجلبها زوار زقاق ماري كينغز كلوز هدايا لشبح الطفلة آني

شبح الطفلة «آني»

في الوقت، الذي يكتظ فيه شارع «رويال مايل» بالناس والسياح والمتاجر والمطاعم والمعالم السياحية والمباني الكثيرة، يجهل الكثيرون أن هناك متاهة من الأزقة الضيقة والمنازل المهجورة الممتدة تحته منذ القرن السابع عشر، تعرف باسم «ماري كينغز كلوز». شهد هذا الزقاق أحداثاً دامية، بسبب الطاعون الذي قضى على معظم سكانه، لاسيما الفقراء منهم، الذين كانوا يعيشون في الطوابق السفلية من المباني، بالقرب من فوهات المجاري والأوساخ. ونتيجة تدهور الوضع الصحي، ارتأى المسؤولون، وقتها، بناء مبنى للبورصة الملكية (الذي يُعرف اليوم بمبنى مجلس المدينة)، حيث يمكن للتجار بيع بضائعهم بعيداً عن الأمراض والقاذورات. وبدلاً من البحث عن موقع جديد، قرروا هدم الطوابق العليا من هذه المباني، واستخدام الطوابق السفلية أساساً للمبنى الجديد؛ ما أدى إلى دفن زقاق «ماري كينغز» بأكمله. ومع مرور الوقت، اكتسب هذا الزقاق المدفون شهرة باحتوائه على أشباح، لاسيما بعد أن زارته عالمة روحانية من اليابان عام 1992، وادعت أنها لم تختبر أي ظواهر خارقة إلا عند دخولها إحدى الغرف، حيث كانت روح فتاة صغيرة تدعى «آني» غاضبة جداً لقرون عدة؛ لأنها فقدت لعبتها. وهكذا، بدأ بعض السياح يجلبون ألعاباً للفتاة «آني». فإذا أردتم اختبار تجربة ماورائيات استثنائية، فعليكم بالتوجه إلى زقاق «ماري كينغز كلوز»، وحجز تذكرة للذهاب في جولة بهذه المتاهة، مع مجموعة من المرشدين الممثلين، الذين يعيدون تمثيل بعض الأحداث في هذا الزقاق الضيق، والمظلم.

  • منطقة ليث في إدنبره

البلدة الخلابة

من الأمور غير العادية، التي يمكنكم القيام بها في إدنبره، بعيداً عن قصص الأشباح والمباني المهدمة، زيارة بلدة «دين» الجميلة، التي تبعد حوالي 20 دقيقة عن وسط المدينة، فهذه المنطقة الهادئة مكان رائع لاستكشاف المنازل القديمة الساحرة، والاستمتاع بالمناظر الخلابة المحيطة بها. من هناك، توجهوا إلى درب «واتر أوف ليث» (Water of Leith)، الذي يقع بالقرب من البلدة، ويتميز بأجوائه الساحرة، واستمتعوا بالمشي وسط الأشجار بالقرب من جداول الماء، وسماع زقزقة العصافير، وصولاً إلى بئر «سانت برنارد»، التي اشتهرت في ما مضى بقدرات شفائية كبيرة، فكان يقصدها النبلاء من لندن للشرب من مياهها. إلا أنه، ومع تطور الطب فقدت البئر سمعتها الشفائية. ولا تنسوا، كذلك، زيارة «حي ليث»، الذي يتجاهله معظم السياح، مفضلين زيارة الأحياء الأكثر شهرة، علماً بأنه يقع في منطقة تتميز بالأصالة والطابع الشخصي، وستجدون فيه العديد من المطاعم، التي تقدم أفضل المأكولات البحرية في اسكتلندا.

  • الشقق القديمة الممتدة على طول شارع رويال سيركس لين

شارع خيالي 

من أروع ما يمكن مشاهدته في إدنبره منازل شارع «سيركس لاين»، الذي يقع على بعد 20 دقيقة سيراً على الأقدام من وسط مدينة إدنبره. ويبدو هذا الشارع كأنه خرج من صفحات قصة خيالية بالعصور الوسطى، إذ تمتد على جانبيه صفوف من المنازل الساحرة، المزينة بالنباتات المزهرة، ويكسو الحصى أرصفته؛ فيمنحه لمسة جمالية متميزة، فيما يرتفع فيه برج جميل، يشكل خلفية رائعة للصور التي يمكنكم التقاطها، والتباهي بنشرها على حساباتكم بمواقع التواصل الاجتماعي.

  • معروضات الدمى في متحف الطفولة

متحف الطفولة

إذا أردتم الاطلاع على ديكورات المنازل في «العصر الجورجي»، فما عليكم سوى زيارة متحف «المنزل الجورجي»، الذي يعتبر نموذجاً مثالياً لما كانت عليها المنازل الفاخرة في ذلك العصر. يضم المتحف مجموعات مذهلة من الأثاث القديم، واللوحات والخزف والفضة، بنمط وأسلوب حياة المجتمع في القرن الثامن عشر، ويقع على بعد نحو 20 دقيقة سيراً على الأقدام من الشارع الملكي.

ووسط مدينة إدنبره، يقع «متحف الطفولة»، الذي يمكن دخوله مجاناً. وهنا، يمكنكم اكتشاف أربعة طوابق، تعرض مجموعة من الألعاب القديمة والجديدة، منها: القطارات، وبيوت الدمى، وملابس الأطفال المطرزة. هذا المتحف مذهل، ومخيف قليلاً أيضاً، إذ تشعر كأن هناك عيوناً خفية تحدق بك، وينتابك شعور بأن بعض الدمى، لاسيما تلك التي بحجم الإنسان، تتحرك خلف ظهرك، تماماً كما يحدث في أفلام الرعب.

  • أطباق اسكتلندية: تارت اسكتلندا، السلمون المدخن، شوكولاتة مارس مقلية، كولن سكينك، البوريدج، وطبق هاغيس

المأكولات التقليدية 

السير في شوارع إدنبره، واستكشاف جمال معالمها السياحية وتاريخها الغني، يستهلكان الكثير من طاقتكم، وسرعان ما تشعرون بالجوع، وليس هناك ألذ من تذوق المأكولات الاسكتلندية التقليدية، التي ستضيف نكهة خاصة إلى رحلتكم، وتغمس حواسكم في روح المدينة الرائعة. ومن أبرز هذه الأطباق: «فطيرة الستيك» (Steak Pie)، المصنوعة من لحم البقر، والخضار الطازج، وتقدم مع صلصة كثيفة، وبطاطس مهروسة. و«البوريدج الاسكتلندي» وهو طبق فطور بسيط شهي وصحي، يتكون من: الشوفان والحليب أو الماء، وسره يكمن في الإضافات. ومن المأكولات التقليدية الاسكتلندية، أيضاً، طبق «كولن سكينك» (Cullen Skink)، وهو عبارة عن شوربة كريمية، مصنوعة من سمك الهادوك المدخن والبطاطس والبصل، تقدم مع أرغفة الخبز الاسكتلندية. أما طبق «هاغيس» (Haggis)، فيعد واحداً من الأطباق الوطنية في اسكتلندا، وهو مزيج من أحشاء الخروف (أو البقر) مع الشوفان والتوابل. ويتم تقديمه، عادة، مع البطاطس والزنجبيل والجزر. ولا تنسوا، بالتأكيد، تناول طبق «سلمون الأطلس المدخن»، الذي يتميز بنكهته الفريدة الغنية بالنكهات. وللتحلية، لا بد من تناول ألواح «شوكولاتة مارس المقلية»، التي تتميز بمذاقها الحلو والمالح، أو «تارت اسكتلندا»، وهو فطيرة حلوى شهية، تُحشى بالمربى أو العسل أو الزبدة، ويمكن تناولها مع فنجان من الشاي الاسكتلندي الرائع.

  • تتميز إدنبره بمبانيها القديمة ذات الهندسة القوطية

معلومات.. ونصائح:

- قبل السفر إلى إدنبره، اقرؤوا عن تاريخ هذه المدينة؛ لتستمعوا أكثر بزيارتكم. 

- تعتبر الحافلات أفضل وسيلة تنقل في إدنبره.

- إذا كنتم تزورون إدنبره في فصل الصيف؛ فاعلموا أن الغروب يأتي في وقت متأخر جداً، والشروق في وقت مبكر جداً.

- احملوا معكم، دائماً، جاكيت واقياً من المطر؛ تحسباً لتغير الطقس، أو انخفاض درجة الحرارة.

- لالتقاط صورة جميلة لقلعة إدنبره، تبين مدى عظمتها وكبرها، توجهوا إلى نقطة «مراقبة فينيل» (Vennel Viewpoint)، التي تقع بالقرب من القلعة.

- زوروا مقعد آرثر، أو جبل آرثر، واستمتعوا بإطلالة بانورامية على المدينة. 

- ضعوا كنيسة «روسلين» في جدول زياراتكم، فهي واحدة من أكثر الكنائس غموضاً في العالم.

- استكشفوا كهوف «غيلمرتون»، التي تتضمن ممرات وغرفاً، حفرها عمال المناجم في بلدة «غيلمرتون».

- لا تنسوا زيارة قلعة «هيرميتاج» في ريف إدنبره، للاطلاع على قصصها، وكذلك «جسر فورث» المعلق، الذي يعد أحد رموز إدنبره.

- إذا كنتم لا تخافون من المقابر، فننصحكم بزيارة مقبرة «غراي فرايرز»، التي يقع فيها تمثال الكلب «بوبي»، لتعرفوا قصته.

 

اسكتلندا.. والإمارات

تحرص الإمارات على الارتقاء بالعلاقات التجارية والاستثمارية مع اسكتلندا، عبر فتح مجالات أوسع أمام مجتمعَي الأعمال في الجانبين، بما يسهم في إطلاق شراكات اقتصادية جديدة، خاصة أن اسكتلندا تعد وجهة مهمة، وغنية بفرص النمو المشترك، ضمن المملكة المتحدة، التي تربطها بالإمارات علاقات استراتيجية تاريخية.

وكان وفدٌ اسكتلنديٌّ زار الإمارات بداية العام الجاري؛ للوقوف على آخر مستجدات المشاريع المشتركة بين الجانبين، وبحث سبل توطيد التعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك، خاصة في قطاعات: الصناعات الغذائية، والطاقة النظيفة، والتكنولوجيا المتقدمة.