التصوير الفوتوغرافي هو اللغة التي يمكن فهمها في جميع أنحاء العالم؛ فالتقاط الصور هو تذوق للحياة بشكل مكثف، فكيف إذا كنا نعيش في عصر باتت خلاله الكاميرا في جيب الجميع. فهناك الهواة، والمحترفون، ومن يمتلكون شغف اللحظة، واليوم تتصدر الصورة المشهد في الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي، وفن الإعلان، وتؤسس لغتها الخاصة في الزمن الرقمي. نتعرف، هنا، إلى شابة تركض باتجاه الشمس، مثل زهرتها، فعالمها مملوء بصور تروي حكاياتٍ وقصصاً مفتوحة على الجمال، مثل الكثبان الرملية، وتحليق الطيور، ما يجعلنا نتساءل عن كيفية التقاطها الحركة، فهي فنانة مشغولة بالبحث عن تيمة لأعمالها، وقد وجدت في مشاريع متعددة نفسها، وأكدت أن الصور مشروع، و«مصدر إلهام؛ لتعزيز التوازن الأسري في مجتمعاتنا العربية».. حول تفاصيل التجربة، وشغفها بالتصوير، كان لـ«زهرة الخليج» هذا الحوار مع المصورة الإماراتية العنود غازي مبارك:

تشكّل الطفولة مرحلة مهمة لاكتشاف الذات، وتسرب ضوء الفن إليها.. حدثينا عن نفسك، وبيتك الأول، ومن زرع فيك شغف الصورة!

لا شك في أن البيت حاضن لأي موهبة يمتلكها الطفل، وربما أكثر من هذا، فحينما كنت ألتفت حولي أجد اهتماماً بالصورة، بألبوم الصور، بالذكريات، وبتفاصيل الحياة والأعمار. كل هذا جعلني أنتبه، فكيف إذا كان أهلي سنداً لي.. ربما أنا محظوظة، كوني أعيش زمن الصورة، وأعرف معنى أن تكون لغة، وأذكر أنني كنت شغوفة بالتصوير منذ صغري، فقد نشأت في بيئة تقدر الفن والإبداع. كان الأمر، في البداية، نوعاً من اللعب والاستكشاف، وسرعان ما تحوّل إلى هواية وشغف، وتأكد هذا لاحقاً في أعمالي ومشاريعي. 

التصوير مذكرتي المرئية، فهو الطريقة التي أوثق بها اللحظة قبل أن تضيع، وربما زاد اهتمامي بهذا الفن لأنني درست التكنولوجيا؛ لذلك يشكل لي التصوير ملجأ حقيقياً يمنحني الراحة، رغم أن التصوير يعتمد على التكنولوجيا لكن ببُعْد جمالي خاص، وليس غريباً أن أدرك أن التصوير غيّر نظرتي إلى العالم، نعم التصوير يجعلني أرى أبعاداً أخرى للحياة، كالعمق، والطبقات، والأبعاد. 

مساحة للإلهام

إلى أي درجة يشكل لك المكان الإماراتي مساحة للإلهام؟

الإلهام قد يأتي من قمر وراء غيمة، أو من الصحراء بكثبانها وكائناتها، وألوانها الساحرة، وتشكيلاتها التي تنبه العين، وتستفز الحواس. على طرف آخر، هناك البحر، والخلجان، والزرقة التي تميل إلى الأخضر والفيروزي والغامق، والشواطئ، والجبال، ألا يكفي أن نعرف القصص التي يختزنها البحر؟! قصص أجدادنا، والصحراء، والجبال، والنخلة، ووجه طفل، فالإمارات غنية فنياً بأماكنها وعمرانها، ويظهر هذا حينما ألتقط لحظة تبرق لها العين. ومن يتابع أعمالي، يجد تفاصيل الطبيعة، والأمكنة، ومن عاداتي الدائمة اكتشاف أماكن غير معروفة، وتوثيقها من خلال الصور، كأنني أدخل إلى مكتبة؛ فتقع عيني على كتاب دون غيره.

كمصورة ذاتية التعلم.. هل تواجهين تحديات معينة، وكيف تتغلبين عليها؟

 عالم بلا تحديات لا يعني شيئاً، فكيف بالتصوير، ربما هناك أناس لا يعطونه قيمته. لكن، على طرف آخر هناك إقبال من الشباب اليوم على هذا الفن. التحدي بالنسبة لي أن يكون لي أسلوب في التصوير، مثل الذي يميز كاتباً عن غيره، ويكفي أن الذي يرى صوري يعرف أنها تحمل توقيعي. لقد تعلمت وحدي، وطوّرت أدواتي المعرفية والثقافية، فاليوم نعيش في عالم مفتوح، ونتعلم من كلّ شيء، كالإنترنت، وورش العمل، واللقاءات، والحوارات، وتبقى ذات المصور، فهي التي تحمل سرّ هذا الشغف، وتأخذه إلى الضوء، فالصورة بنت الضوء، والضوء حقيقي مثل الشمس. تعلمت بالتدرب والممارسة المستمرة، إلى جانب مناخ الموهوبين من حولي، وكوني مع أشخاص موهوبين، لديهم طريقة تفكيري نفسها، وأذهب معهم في رحلات استكشافية.

ظهرت أعمالك في حملة «Shot on iPhone» عام 2018.. أخبرينا عن هذه الفرصة وتأثيرها في مسيرتك المهنية!

المشاركة في هذه الحملة كانت فرصة مذهلة، لم تعزز فقط ثقتي بمهاراتي، بل فتحت لي أبواباً جديدة في عالم التصوير الفوتوغرافي، وعززت مسيرتي المهنية بشكل كبير؛ حيث بدأ الناس يعرفون أعمالي.

من بين مشاريعك البارزة.. هل يوجد مشروع، أو حدث ثقافي، تتذكرينه بشكل خاص؟

بشكل عام، أشعر بالفخر بكل مشروع أقوم به. لكن من بين مشاريعي البارزة التقاطي صوراً للسفارة السويدية في الإمارات، وتم عرضها في جناح السويد بمعرض «إكسبو 2020 دبي». المشروع مستوحى من أعمال المصور السويدي يوهان بيفمان، ويهدف إلى دعم المساواة بين الجنسين، عبر التأكيد على أن تحقيق مجتمع متوازن يبدأ بمشاركة الرجال في الأعمال المنزلية وتربية الأطفال. في السويد، يحصل الآباء على إجازة أبوة، ويشاركون الأم في تربية الأطفال، ليس فقط بقضاء الوقت معهم، بل بلعب دور مهم في حياتهم. من هذا المنطلق وثقت علاقة الآباء الإماراتيين بأطفالهم. من خلال مشاركتي في هذا المعرض، أردت إبراز أن هناك آباء إماراتيين يلعبون دوراً مهماً في تربية أطفالهم، ودعم شريكات حياتهم، وقد تعلمت أموراً كثيرة من العائلات التي قمت بتصويرها، وأتمنى أن تكون هذه الصور مصدر إلهام؛ لتعزيز التوازن الأسري في مجتمعاتنا العربية.

كيف تجمعين بين شغفك بالتصوير وعملك في مجال التكنولوجيا، وتجربة المستخدم «iPhone»؟

 أعتبر أن التكنولوجيا حليف لا غنى عنه في عملي، إذ يمكنني استخدام «iPhone» في التصوير الفوتوغرافي؛ لدمج شغفي بالفن واهتمامي بالتكنولوجيا، خاصةً في مجال تجربة المستخدم، إذ إن اهتمامي بالعمل كمدير لإدارة المنصات الرقمية وتجربة المستخدم يعود، جزئياً، إلى تأثير ستيف جوبز. باختصار، رغم أن ستيف جوبز لم يكن مخترع تجربة المستخدم، فإن رؤيته ونهجه في التصميم كان لهما تأثير كبير في كيفية تطوير وتنفيذ (UX) في الصناعة، وهذا ما دفعني إلى دراسة هذا المجال. إن خصائص «آيفون 15 برو ماكس» أحدثت ضجة في مجتمع التكنولوجيا؛ بفضل عدستها الفريدة بقوة تكبير 5 x، وتصميمها البنتا - بريزمي المميز، ميزة تبرزها في عالم التصوير الفوتوغرافي بالهواتف المحمولة. فمع فتحة عدسة (2.8/F)، وطول بؤري مكافئ 120 ملم، توفر هذه العدسة مواصفات تقنية مذهلة تَعِدُ بصور دقيقة، وهذا سهل لي التعامل مع الأجهزة والعدسات، والبرامج، فالهدف الأول والأخير هو الصورة التي تحكي قصة، لاسيما أن التصوير لغة جمالية، يمكن توظيفها في مجالات الحياة كافة.

نصائح سريعة

ما نصائحك للمصورين الناشئين، الذين يسعون إلى استكشاف مجال التصوير الفوتوغرافي؟

  هذه النصائح تكمن في التعلم المستمر، وتحديث المعلومات، والتفنن، والابتكار، والقراءة، أي قراءة تفتح المخيلة. وأيضاً السينما، فكل الفنون روافد ثقافية، وقراءة الوجوه، وقراءة الأماكن، ومعرفة ماذا أريد من الصور، فالتصوير الفوتوغرافي مجال يتطور باستمرار، وعلينا معرفة التقنيات والأساليب المختلفة، بأن نجرّب ونجرّب، ونطوّر، ونتابع أهم مصوري العالم، والفنون التشكيلية، لأن التصوير هو فن قراءة الظل والضوء، وقد كانت الصورة تخرج من الماء والغرف المظلمة، لكن اليوم هناك برامج عدة. كذلك، أنصح بالتقاط الصور بانتظام لتطوير الحس الفني، فأي طريق يعني الصبر والتحلي بالمثابرة، وأن نتعلم من الأخطاء، ولا نستسلم أبداً، كما أن هناك العديد من الموارد المتاحة، مثل: الكتب، والدورات عبر الإنترنت، وورش العمل، التي يمكن أن تساعد في تعلم أساسيات التصوير وتقنياته. إلى جانب بناء شبكة علاقات بالتواصل مع مصورين آخرين، والتركيز على قواعد التكوين الفني، وكيفية الانتباه إلى الضوء؛ فهو عنصر أساسي في التصوير الفوتوغرافي. إن التصوير أداة تعبير حساسة، أرى نفسي من خلالها.

هل يمكنك تقديم بعض النصائح إلى من يصورون بالهاتف؟

أهم شيء هو استخدام الضوء الطبيعي، لأنه من أفضل مصادر الإضاءة عند التصوير، وحاول التقاط صورك في ضوء النهار، أو بالقرب من النوافذ؛ للحصول على إضاءة طبيعية وناعمة. أيضاً ثبت الهاتف؛ لتجنب الصور المهتزة، واستخدم «ترايبود» صغيراً، أو ضع الهاتف على سطح ثابت أثناء التصوير، خاصةً في ظروف الإضاءة المنخفضة، وتأكد من تركيز الكاميرا بشكل صحيح على الهدف عن طريق الضغط على الشاشة. ويمكنك، أيضاً، ضبط التعرض يدوياً؛ للحصول على مستوى الإضاءة المناسب. كذلك، تجنب الزووم الرقمي؛ فاستخدامه يمكن أن يقلل جودة الصورة، وبدلاً من ذلك حاول الاقتراب من الهدف بدنياً؛ للحصول على تفاصيل أفضل. 

كيف ترين تأثير التكنولوجيا في مستقبل فن التصوير الفوتوغرافي؟

تلعب التكنولوجيا دوراً حيوياً في تشكيل مستقبل فن التصوير الفوتوغرافي، فمع التطور المستمر للأدوات والبرمجيات، أصبح من الممكن تحقيق مستويات جديدة من الجودة والإبداع في الصور، إذ إن الكاميرات الحديثة مزودة بتقنيات متقدمة، تسمح بالتقاط صور عالية الدقة، حتى في ظروف الإضاءة الصعبة. بالإضافة إلى ذلك، إن استخدام البرمجيات الحديثة في تحرير الصور يوفر أدوات قوية للتعديل والإبداع، ما يفتح آفاقاً جديدة للتعبير الفني. من ناحية أخرى، يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً مهماً في عملية التصوير، من خلال تحسين الصور تلقائياً، وتقديم اقتراحات للتكوينات الفنية. 

أرض الفرص

ما أحلامك المستقبلية، وما الذي تريدين تحقيقه؟

 عندما لا أكون منغمسة في زحام الحياة، أجد نفسي أحلم برحلات مدهشة حول العالم، رحلات تتجاوز حدود غرفة المعيشة الخاصة بي. لكن، واقعياً أنا أخطط لاستغلال مهاراتي في التصوير لإحداث تأثير عميق وملموس. على سبيل المثال، المشاركة في مشاريع تبرز قضايا اجتماعية مهمة، للمساهمة في صنع تغيير إيجابي بالعالم، كما أتمنى نقل خبرتي إلى المصورين الناشئين من خلال توجيههم وتعليمهم. كذلك، آمل تنمية جيل جديد من المبدعين.. من يعلم؟ فربما في يوم من الأيام، عندما تسمح لي حياتي، أتمكن من تحقيق حلمي بالسفر حول العالم، ومشاركتكم كل لحظة عبر عدستي.

نحن نعيش أعياد الوطن، عيد الاتحاد الـ52.. ماذا تقولين، وإلى أي درجة ترين أن القيادة الحكيمة ساهمت في دعم المرأة الإماراتية؛ لتظهر بأبهى صورة؟

أقول بداية: «عيشي بلادي، عاش اتحاد إماراتنا»، فكم أشعر بالفخر لأنني ابنة هذا المكان، والتاريخ، والأرض، والوطن فهو الوجود كله، وأيضاً الثقافة، والتراث، والناس، والتاريخ، فكل ما أنا عليه الآن يحدث؛ لأنني ابنة هذا المكان، الذي فتح أمامنا فرص التعليم، وشرع القوانين، وزرع فينا الطموح، من الصحراء إلى الفضاء. فباتت المرأة في كلّ المجالات القيادية، والمهنية، والحياتية، بصور متعددة، منها: صورة الأم، وصورة رائدة الفضاء. وهل هناك أجمل من أن أوثّق بالصورة هذه السلسلة التاريخية (صورة المرأة)؟!

قدمت الإمارات إليَّ الكثير؛ فهي موطني ومصدر فخري، ووجدت فيها مجتمعاً يعمل بروح الفريق الواحد، ويحتضن الثقافات المتنوعة. إن علاقتي بهذه الأرض الطيبة علاقة تقدير واحترام، حيث تعلمت منها قيمة التنوع الثقافي، والتعايش السلمي.. إنها بالفعل أرض الفرص، والإمكانيات اللامحدودة.