لمياء الصيقل: الصيد علمني الاستدامة.. والحفاظ على البيئة

مشغولة بالبعيد، تحمل سنارة الوقت، ترميها بيدٍ في البحر، وبأخرى تكتب قصيدة، ربما هو الشغف الذي يجعلها بألف جناح، كأنها تكتب حكاية التحدي، أو كأنها تؤكد أن التميز يحلّق بعيداً.. هكذا أتت الشاعرة لمياء الصيقل من الشعر إلى الصيد، فأسست أول فريق نسائي لصيد الأسماك، لتعيد حكاية البحار إلى ألقها، ولكن هذه

مشغولة بالبعيد، تحمل سنارة الوقت، ترميها بيدٍ في البحر، وبأخرى تكتب قصيدة، ربما هو الشغف الذي يجعلها بألف جناح، كأنها تكتب حكاية التحدي، أو كأنها تؤكد أن التميز يحلّق بعيداً.. هكذا أتت الشاعرة لمياء الصيقل من الشعر إلى الصيد، فأسست أول فريق نسائي لصيد الأسماك، لتعيد حكاية البحار إلى ألقها، ولكن هذه المرة بطلها امرأة.. حول تفاصيل البيت الأول، والرحلة مع العلم والتخصص، والهوايات، كان لـ«زهرة الخليج» هذا الحوار مع الشاعرة لمياء الصيقل:

نبدأ من بيتك الأول.. كيف زرع فيك كلّ هذا الشغف؟

هل أقول إنني ابنة الشعر، فكل ما حولي يأخذني إلى شجرة الشعر.. نخلة البيت، البحر، الصحراء، المحبة، الأغنية، والأهازيج. أنا أولاً امرأة بسيطة، لكن لا أدري من أين كانت لي كل أجنحة الخيال هذه، فما أعرفه هو أنني تربيت في بيت مسوّر بالمحبة والحنان، محب للمعرفة والثقافة، فأبي وأمي - رغم التحديات الدراسية في تلك الحقبة - أكملا دراستهما الجامعية. من هذا التحدي جاءني دعم والديَّ، رغم أن اهتماماتي لم تكن ضمن نطاق اهتماماتهما، وربما كانت تربكهما، لأن بعض هواياتي فيها نوع من الخطورة، لاسيما «الفروسية»؛ فكان والدي (رحمه الله) يصفني بالبنت الخاصة، والذكية. أما والدتي، فكانت - ولاتزال - توجهني وتناقشني، وتساعدني على تحقيق أهدافي وطموحاتي، لاسيما أنني شخصية قلقة، تريد دائماً أن تنتقل من فكرة إلى أخرى، كأنني أركب الغيم، فأنا ابنة الحلم، إذ عندما أحقق أي إنجاز أرى بريق الفرح في عينَيْ أمي، وهذا وحده كافٍ ليفتح أمامي دائماً باب الطموح؛ فأدخله دون خوف أو تراجع.

ماذا يعني لك الصيد، وما اللحظات الأكثر تأثيراً التي عشتها؟

يمكنني أن أشبه الصيد بقصة لا نعرف أحياناً نهايتها، لكننا نعيشها، نختبرها كما الحياة، أو كما الحظ، ماذا أقول وأنا على علاقة مباشرة مع الماء، فالذهاب نحو الصيد نوع من التحدي، الرحلة أيضاً، وتعلم مهارات، أن نعيش حياة الفريق. لاشك في أن هناك الكثير من اللحظات المؤثرة، لحظات نجاح، لحظات خيبة، وإحباط، وصدمة. الأهم هو اختبار هذه التجربة، انتظار الصيد، الفرح به، وإن كان لا؛ فالطريق والرحلة لهما سعادة خاصة، إلى جانب الحكمة في التعامل مع الصيد والاستمرار بروح عالية، فأنا مؤمنة بأن كل ما يحدث لي في مجال الصيد هو من تدبير رب العالمين، فإن كان خيراً حمدت الله كثيراً، وإن لم يكن في ظاهره خيراً، علمت أن الله أبعد عني شراً أجهله.

فريق الناموس

حدثينا عن فريق الناموس للصيد!

«الناموس» فريق نسائي لصيد السمك، مكون حالياً من 6 عضوات، هنَّ: أسماء الريسي، وفاطمة الحمادي، ومريم العامري، وعائشة الكعبي، وشيرينه البلوشي، بالإضافة إليَّ. كانت الانطلاقة الأولى للفريق عام 2017، ثم بدأت تأسيس الفريق، وخوض الطريق بشكل احترافي في 2019، عن طريق مشاركتنا في البطولات الأصعب، بطولات: «الكنعد»، و«السكل». لم تكن الانطلاقة سهلة، لكنني تعلمت من كل العقبات، وأصبحت أكثر خبرةً، وحكمةً، وهدوءاً.

ما دور والدك في تشجيعك على ممارسة هذه الهواية؟

ربما يكون والدي البطل الأول بالنسبة لي، بطل القصة التي عرفها آباء وأجداد البحر، فقد كان يعشق البحر، ويأخذنا في إجازة نهاية الأسبوع للسباحة عبر قارب الصيد. كنت أراقبه، وهو يحضر خيوط الصيد، أو يخرج لإصلاح القارب، ويأخذني معه إلى سوق السمك «الجبره»، ويبين لي أنواع السمك، وكيف يتم تنظيفها. أحياناً، كنا نذهب في رحلات صيد قصيرة، وكان عندما يذهب للصيد يعود ونحن نترقبه بشوق لنرى ما اصطاده، وكيف تم توزيع السمك بينه وبين من كانوا معه. وكان إذا اصطاد «اليريور» (القرش) أتى، ونادى أختي الكبيرة لتقف بجانبه، ويكون طولها؛ فنشعر بالفخر به. كان يقول لي: انظري إلى إصبعي «السبابة»، ويشير إلى حفرة عميقة، تشبه القطع، أو الجرح العميق، ويقول لي هذه علامة للصيادين؛ لأن الذي يصطاد السمك الكبير يتعرض لقطع في مكان إمساك الخيط. عشق البحر جاءني من أبي، الذي توفي عام 2017، رحمه الله، ومنذ ذلك الحين كلما نظرت إلى البحر تذكرته، وقد كانت السباحة طلبه الأخير قبل وفاته، فكان البحر آخر من ودعه. ومنذ ذلك الحين، أشعر بأن البحر يسرقني من كل شيء؛ ليكون أوّل اهتماماتي وشغفي وفضولي، ومهما حققت من إنجازات أشعر بأنني في بداية المشوار، وأعتقد أنه لو رأى أبي ما حققته سيكون سعيداً وفخوراً بي، لأنه كان يرى أبسط إنجازاتي كبيراً. 

كيف استطعت تأسيس وقيادة فريق نسائي في مجال الصيد؟

عام 2017، شاركت وصديقاتي في بطولة الجهات الحكومية، وأحرزنا المركز الثالث. من هنا، بدأت معرفتي بإدارة نادي أبوظبي للرياضات البحرية، واقترحت عليهم إقامة بطولات نسائية، فرحبوا بالفكرة، وساهمت معهم في العمل على البطولة عام 2019، وكانت بطولة ناجحة، إذ استقطبت في دورتها الأولى 126 مشاركة، وأكثر من 23 قارباً، وتقرر استمرار البطولة دورياً، ثم اتجهت لمعرفة المزيد حول بطولات الكنعد. وبالتأكيد كل عضو في الفريق مشارك في الأفكار والنجاح، وانطلقنا باسم «فريق الناموس النسائي لصيد السمك»، ومنذ ذلك الحين شاركنا في 29 بطولة، وحققنا إنجازات عدة، ومازلنا مستمرين. وسنبدأ المشاركة بالبطولات الدولية، وستكون أول مشاركة لنا في بطولة الفجيرة الدولية لصيد الأسماك، وسنشارك في بطولة الخليج الأولى للسيدات لصيد السمك، التي ستقام في عمان. لم تكن فكرة تأسيس الفريق هدفاً من أهدافي، حيث كانت البداية مع الأهل، ثم أصبحت أصطاد مع صديقاتي من الشاطئ، وتطور الشغف إلى أن بدأنا بتأجير قوارب الصيد، ومن حينها بدأ الشغف يكبر ويتطور، وكنت كثيرة الفضول، ولا أخجل من السؤال، فقد كنت أحبّ أن أجرب كل طريقة صيد أراها، وأقوم بشراء الأدوات وأكرر التجارب؛ لأتأكد من قدرتي على تحقيق النجاح.

بطولات صيد

هل ما قمتِ به أثر في من حولك؟

أعتقد أن وجودنا في مجال الصيد غيّر الصورة النمطية عن الصيد، وصعوبة خوض البحر، فصار لسان حال الكثيرين والكثيرات يقول: «كيف استطاعت سيدات قيادة القارب، ودخول مجال الصيد والذهاب إلى أبعد نقطة في البحر عن البر، بمسافة أكثر من 100 ميل، والصمود لأيام، والعودة بالسلامة وبصيد وفير، والابتسامة مرسومة على وجوههن؟». فقد ساهم وجودنا في إنشاء بطولات صيد خاصة بالسيدات، ونتمنى أن يكون دائماً تأثيرنا إيجابياً.

ما الإنجازات والبطولات، التي حصلت عليها في مجال الصيد؟

حصلنا على 5 جوائز، هي: المركز الأول بالجولة الثانية من بطولة الإمارات الافتراضية 2020، والمركز الثاني بجائزة أكبر سمكة في بطولة الإمارات الافتراضية 2020، والمركزان الثاني والثالث في بطولة الظفرة الكبرى لصيد الكنعد عامَيْ: 2021، و2023، والمركز الثالث ببطولة الجهات الحكومية 2017.

حدثينا عن القيم والمبادئ، التي اكتسبتها من علاقتك بالبحر والصيد!

تعلمت احترام البيئة البحرية، والشعور بالمسؤولية تجاه المخلوقات البحرية الجميلة، حيث نقوم بإرجاع السمك الصغير ليكبر، وخصصنا سلة مهملات لنحافظ على نظافة البحر من المخلفات. تعلمت أن سلامة مرتادي البحر جزء من مسؤوليتي، فلو وجدت خشباً على سطح البحر، أو حبالاً، أو أجساماً طافية، واستطعت أن أزيلها، فإنني أقوم بهذا الدور فوراً، لكن إذا كانت كبيرة فإنني أبلغ الجهات المختصة مع إرسال الإحداثية.

الصيد المستدام 

ما أحلامك المستقبلية، وما الذي تريدين تحقيقه؟

الأحلام والطموحات، بالنسبة لي، ليس لها سقف أو حدود. أهم أهدافي، حالياً، في مجال الصيد تكمن في تشجيع المجتمع والسيدات على استثمار الوقت في ممارسة هذه الهواية الرائعة؛ لإبراز صورة المرأة الإماراتية الطموحة، التي تتحلى بالعزيمة والإصرار والإرادة، وبث رسائل إيجابية للمجتمع، من خلال تسليط الضوء على البيئة والصحة والسلامة البحرية، والتعاون مع الجهات المعنية؛ بهدف دعم المبادرات في هذا المجال، وتمثيل المرأة الإماراتية في بطولات السمك محلياً وعالمياً.

هل هناك مبادرات أو مشاريع خاصة، تشجع على الصيد المستدام، وتوعية الصيادين بهذا الجانب؟

يوجد الكثير من القوانين؛ للمحافظة على استدامة الثروة السمكية، وهناك جهود كبيرة تقوم بها الجهات المعنية بالدولة. تصلنا الأنظمة والقوانين كصيادين وهواة، عبر قنوات عدة، منها: الرسائل الهاتفية، ووسائل التواصل الاجتماعي، والندوات، والورش. أيضاً، تتضمن المشاركة في المسابقات لائحة بأهم القوانين؛ للالتزام بالحفاظ على الثروة السمكية، وإيقاف الصيد الجائر. كل الصيادين على اطلاع تام بأهمية الحفاظ على الثروة السمكية؛ لتستمر للأجيال القادمة.

كيف يمكن للشابات أن يستلهمن من تجربتك لتحقيق أحلامهن؟

هناك جملة دائماً أرددها: لا تدع أحلامك حبيسة خيالاتك. ابدأ الخطوة الأولى، واغتنم الفرص، وانطلق حيث تأخذك طموحاتك، ولا تتوقف أبداً؛ فلا توجد نهاية للإبداع، والسماء ليست لها حدود.