ربما لم يسمع بعضنا بمصطلح «الخرس العاطفي»، أو «الخرس الزوجي»، وقد يكون آخرون يعانونه، ويعيشونه بشكل كامل، دون إدراك منهم.. فما «الخَرس الزوجي»، وما أسبابه ونتائجه، وكيف يتم علاجه، وما أثره على العلاقة الزوجية عموماً؟

تعرف الأخصائية النفسية والاستشارية الأسرية والتربوية، حنين البطوش، في حديثٍ خصت به «زهرة الخليج»، «الخرس الزوجي» بأنه السكوت السلبي بين الزوجين، وغياب لغة الحوار والتواصل بينهما، واصفةً إياه بـ«اللبنة الأولى في بناء جدران الطلاق النفسي بين الشريكين».

أنت تعانين «الخرس الزوجي»:

تقول البطوش إن عدداً كبيراً من السلوكيات والمظاهر في الحياة اليومية للزوجين تشير، بوضوح تام، إلى معانتهما «الخرس الزوجي»، ومن هذه المظاهر: توقف الحديث بينهما، واختفاء لغة الحوار، وتخييم الصمت على حياتهما، وفي الأغلب يأتي هذا الأمر بشكل اختياري من قِبَل أحد الشريكين، إذ يتخذه أسلوب عقاب للآخر، بناء على مشكلة أو حادثة سابقة.

وتحذر الاستشارية الأسرية والتربوية من هذه الظاهرة؛ كونها تزلزل الحياة الزوجية بصمت، وقد يكون هذا «الخرس» أهم أسباب تعطل الحياة الزوجية بشكل كامل، فهو ثاني أخطر أنواع الانفصال بين الزوجين بعد «الانفصال العاطفي».

  • «الخرس الزوجي»

 

وتسهب البطوش في شرح هذا «الخرس»، مشيرةً إلى كونه انفصالاً نفسياً، تنتج عنه علاقة روتينية تقليدية، مقتصرة على الأمور الحياتية الضرورية، مثل: الطعام، والشراب، والحديث الخالي من كل المشاعر والاهتمامات. وتكمل أنه قد يؤدي إلى شعور أحد طرفي العلاقة بالوحدة والاحتياج للعاطفة، خاصةً إذا كان مسبب هذا الخرس شريكاً واحداً، دون قبول من الآخر لهذا الواقع. ولا يعني «الخرس العاطفي» انتهاء العلاقة الحميمية بين الزوجين، لكنها قد تكون خالية من المشاعر والحب والمودة تماماً، ويعم الصمت على علاقة الزوجين عموماً.

ومن أبرز مظاهر «الخرس الزوجي» انعدام لغة الحوار والتواصل، نتيجة سوء فهم مستمرة، ما يؤدي إلى بروز الخلافات والمشاحنات، وفقدان احترام الشريك للآخر، وهو مؤشر خطير على فتور العلاقة وبرودتها. كما أن أحد مؤشرات «الخرس الزوجي»، هو وجود مسافة بين الزوجين، تشبه تلك المسافة التي يضعها الإنسان مع شخص غريب، ما يؤكد غياب المشاعر والأجواء الحميمية في هذه العلاقة.

أسباب «الخرس الزوجي»:

تقول البطوش إن كثرة اللوم والانتقاد بين الزوجين، تدفع أحدهما غالباً إلى تفادي الحوار؛ خوفاً من تفاقم المشاكل، ما يُنتج صمتاً في العلاقة، يؤدي في نهايته إلى ما يسمى «الخرس الزوجي». وتزيد الأخصائية النفسية أن اختلاف الأولويات والرغبات والاهتمامات بين الزوجين يعد سبباً رئيسياً لمعاناة هذه الظاهرة، كذلك عدم معرفة الأسلوب الصحيح للتعامل مع الشريك يؤدي إلى الصمت، وبرود المشاعر بينهما، إضافة إلى عدم تقدير العلاقة بشكل صحيح من أيٍّ منهما.

وقد تأتي هذه المشكلة نتيجةً حتميةً لطبيعة أحد الزوجين، حينما لا يمتلك مهارة التواصل، ويكون ذلك ناتجاً عن طريقة تنشئته في صغره، أو عيشه في كنف والدين عانيا ذات الأمر؛ فتعلم منهما، باتخاذهما نموذجاً للحياة، وأيضاً فإن للحالة المادية، وتعاظم المسؤوليات، وضغوط الحياة، دور مهم في هذا الأمر، كما تقول البطوش.

ولا يمكن إغفال دور مواقع التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية، إذ إن إدمانها من قِبَل أحد الشريكين قد يسبب ابتعاده عن الآخر، وفتور علاقتهما، فينتج الخرس الزوجي".

  • الأبناء هم ضحية الخرس الزوجي

 

الأبناء هم الضحية:

وتحذر البطوش من «الخرس العاطفي»، لأنه ينعكس سلباً على الأطفال ونفسيتهم، ويؤدي إلى إفراغ شحنات سلبية بداخلهم، ما يُنتج خللاً في شخصياتهم، ينشأ معهم منذ الصغر، ما قد يكون سبباً مباشراً في عدم تقديرهم لوالدَيْهم في مراحل متقدمة من حياتهم، لأن غياب المشاعر في المنزل يصنع أبناءً غير قادرين على التعبير عن مشاعرهم، وعاجزين عن تشكيل أسرٍ متوازنة، عاطفياً ونفسياً.

كما أن استمرار تحمل الزوجين للضغوطات الناتجة عن «الخرس العاطفي» قد يكون سبباً مباشراً في الإصابة بالأمراض العضوية، مثل: الضغط، والسكري، وتهيج القولون العصبي، وأيضاً: التوتر والقلق والأرق.

  • «الخرس الزوجي».. العلاج

 

طرق للعلاج:

توصي البطوش بأن يكون العلاج من خلال ممارسات وسلوكيات، على الأزواج اعتيادها، مثل: الحديث المستمر معاً، وإيجاد لغة للتواصل والحوار. وفي حال كانت اهتماماتهما مختلفة، فلا بد من التقارب، وتغيير بعض هذه الاهتمامات لتلائم الطرف الآخر.

وتؤكد الأخصائية الأسرية أن فترة الخطوبة مهمة جداً في الوقاية من هذا الأمر؛ فهي كافية ليعرف كلٌّ منهما طباع الآخر. وتنصح، أيضاً، باتباع نهج التغاضي والتجاهل في بعض الأمور، وعدم تصيد أخطاء الشريك، بل يجب أن يسعى كل طرف للمبادرة بالتواصل، واستخدام الكلام الجميل والمعسول، والتقرب إلى الآخر من خلال الجمل اللطيفة والهدايا والابتسامة، إذ إن لها دوراً مهماً جداً في كسر هذا النوع من «الخرس». وإذا لزم الأمر؛ فلا بأس في أن يتدرب كلٌّ منهما على الابتسامة في وجه الآخر.

ومن العلاجات التي تنصح بها البطوش، أيضاً، إحسان الظن بالشريك ومصارحته، وإيجاد مساحة آمنة له للبوح بكل ما يجول بخاطره، والعمل على حل المشاكل أولاً بأول، وعدم تركها تتراكم، إضافة إلى أهمية تغيير روتين الحياة بين فينة وأخرى، والسعي لممارسة الأنشطة معاً، داخل البيت وخارجه.

وتنوه البطوش بأهمية التسامح والمرونة في التعامل، وضبط النفس، والتفكير في أسباب أي مشكلة، ومعرفة حجمها الحقيقي، وعدم تضخيمها إطلاقاً.

وتختم حديثها بالتأكيد على أن الزوجة الذكية هي التي تختار الوقت المناسب للحديث مع شريكها، وتقدر دائماً على التعبير عن حبها، ودفعه للقيام بالأمر ذاته معها، فيما يمكن للزوج الذكي أن يعرف أن زوجته بحاجة دائمةً للعاطفة، التي تعد الحل الأكبر لكل الخلافات.

  • الأخصائية النفسية والاستشارية الأسرية والتربوية حنين البطوش