من علّم العصافير فقه الاستئذان؟! 

من شدّ على عنقها ياقة (المعقول)، وألبس جناحَيْها أساور (المنطق)، وانتزع من حناجرها فن الزقزقة؛ ليستبدله بـ«لوغاريتمات» الحساب المعقدة؟! 

من أقنعها بأن النوافذ المفتوحة لن تسعها، وأن الأبواب المغلقة في وجوهها تستوجب الطرق كي تُفتح؟!

من فعلها؟! بل من يمكنه فعلها؟! نعم.. تماماً كما يتردد الجواب في ذهنك.. لا أحد! 

هكذا بالضبط يهمس يناير الحبيب في أذني، في بداية كل عام.. 

يجعلني ممتنة لكل حصاة تعثرت بها، فقد تعلمت بعدها أن أنهض من جديد، وأبني من الحصى سلماً، أصعد به نحو حافة الحلم.. 

يهتف بي أنني عصفورة.. والعصافير لا تطرق باب الاستسلام، بل تقتحم نوافذ الأمل المفتوحة تحلق منها وإليها. 

هكذا بالضبط يمسك يناير الحبيب طبشوره؛ ليرسم لي على الجدران صورة من كل خيبة تجاوزتها.. يرسمها كرماد تنهض منه عنقاء تشبهني.. ولدت من حيث ظن الجميع أنها احترقت. 

يجعلني ممتنة لكل صفعة نالها خد القلب الكسير مادامت قد علمته المذاق الحقيقي لقُبلة العوض بعدها.. 

يهتف بي أنني عصفورة.. والعصافير لا تطرق باب التردد، بل تعرف بفطرتها أي نبع يرويها ماؤه، وأي مستنقع راكد لا يليق بها. 

هكذا بالضبط «يدندن» يناير الحبيب أغنيته في أذني.. يذكرني كم يجب أن أكون فخورة بنفسي.. يريني أخطائي، لا كي أجلد بها ذاتي، بل كي أبتسم مدركةً كم تعلمت منها.. 

يهتف بي أنني عصفورة.. والعصافير لا تطرق باب الندم.. ماذا لو انكسر الغصن الهش تحت قدمَيْها مادام جناحاها دوماً قادرَيْن على التحليق؟! 

هكذا بالضبط يهديني يناير الحبيب بدايةً جديدةً كل عام.. 

يضع النقطة الخاتمة لسطر كل ما سبق، ويمنحني حروفَ أبجديةٍ ناصعة لكتابة كل ما سيأتي..

يمنحني مرآة لامعة، ويطلب مني زخرفة إطارها.. 

يمسح على قلبي مهوناً ندبة كل جرح محتلّيه القدامى، ويضع القائمة المعدلة لضيوفه الجدد، ولوحة الشرف لمن بقي دوماً بين هؤلاء وأولئك.. 

يفتح لي أوسع نوافذه، ويطلقني كي أحلق في أعلى سماواتي.. عصفورة.. عصفورة لا تطرق الأبواب!