عبدالله لطفي يرسم الإلهام بالأبيض والأسود

في عالم من الإبداع، تبرز موهبة الفنان عبدالله لطفي في تحويل المألوف إلى استثنائي. فمنذ تشخيصه بـ«التوحد» في سن الرابعة، خاض عبدالله (30 عاماً) رحلة فريدة في اكتشاف ذاته وقبولها، مستخدماً الرسم بالأبيض والأسود لغةً مرادفة للكلمات؛ للتواصل مع العالم من حوله، والتعبير عن مكنوناته. فمن طفل واجه التنمر ل

في عالم من الإبداع، تبرز موهبة الفنان عبدالله لطفي في تحويل المألوف إلى استثنائي. فمنذ تشخيصه بـ«التوحد» في سن الرابعة، خاض عبدالله (30 عاماً) رحلة فريدة في اكتشاف ذاته وقبولها، مستخدماً الرسم بالأبيض والأسود لغةً مرادفة للكلمات؛ للتواصل مع العالم من حوله، والتعبير عن مكنوناته. فمن طفل واجه التنمر لمجرد أنه مختلف، إلى فنان شاب، يفتخر بأن «التوحد» يكمله. قصة ملهمة يرسمها عبدالله بشغف على «كانفاس» حياته؛ ليقدمها إلى كثيرين يحتاجون إلى قراءة ما بين سطورها.. فماذا في تفاصيل لوحته الحية؟ 

بصوت واثق، ولغة واضحة، ومفردات معبرة.. أخبرنا عبدالله، عندما سألناه عن بداياته في الرسم، أنه اكتشف حبه للفن في سن مبكرة، حيث استخدم الرسم وسيلةً للتواصل مع أهله ومحيطه، إذ لم يكن يجيد الكلام، ما عرَّضه، على حد تعبيره، للتنمر في المدرسة. لسوء الحظ، كانت سنواته الأولى مليئة بالتنمر والتفاهم السيئ بسبب توحده. لكنَّ الصعوبات التي واجهها كطفل لم تكن سوى حافز؛ لتعزيز عزمه على التعبير عن ذاته من خلال الفن، بدعم وتشجيع من أهله، يقول عبدالله: «في المدرسة كنت أحب حصة الرسم، لكن الطلاب كانوا يتنمرون لي؛ لأنني كنت مختلفاً عنهم»، مشيراً إلى أنه بعد أن تخرج في «الثانوية»، انتسب إلى «استوديو مواهب»، وهو معهد للرسم مخصص للبالغين من أصحاب الهمم، وهناك التقى مرشدته «غولشان كفارانا»، لأول مرة، وهي التي شجعته على الرسم بالأبيض والأسود، والارتقاء بفنه إلى مستوى جديد، ولاتزال إلى اليوم ترشده في رحلة تطوير ذاته. 

«الأنيمي».. و«المانغا» 

وعن سبب ابتعاده عن استخدام الألوان في رسوماته، يشرح عبدالله أن التلوين يسبب له التوتر والإرهاق، فهو لا يحب أبداً رؤية الألوان تخرج عن حدود خطوط رسوماته؛ لهذا يريحه اللونان الأبيض والأسود، ويجعلانه ينطلق في إبداعه من دون الاهتمام بالتفاصيل المتعبة، ولم ينكر أنه، أحياناً، يلون بعض الرسومات، لاسيما تلك التي يكلف بها من جهة ما. أما السبب الثاني لاختياره الرسم بهذا الأسلوب، فيعود إلى عشقه فن «المانغا»، و«الأنيمي»، والكتب الهزلية، والروايات المصورة، التي يبدو تأثيرها واضحاً في رسوماته.

استوديو خاص

خلال جائحة «كورونا»، أغلق «استوديو مواهب» أبوابه، فوجد عبدالله نفسه يبحث عن مكان؛ لمواصلة التعبير عن ذاته بالرسم، وهنا تبلورت فكرة إنشائه، عام 2022، استوديو خاصاً به في حي الفهيدي التاريخي بدبي، أطلق عليه اسم «نكست تشابتر - هاوس 10»، بمساعدة مرشدته وأهله، الذين أحاطوه بالدعم والتشجيع منذ البداية. 

لم يكتف عبدالله بالرسم، بل أراد أن يشارك العالم برسوماته، فبدأ يبيعها، ولاقت هذه الرسومات إعجاباً واعترافاً بجماليتها وفرادتها، مثبتاً أن الابتكار الفني لا يعرف حدوداً. ومع كل عملية بيع، يتعزز إحساسه بالإنجاز والفخر، يقول عبدالله: «أحب فكرة أن الفن هو عملي، فأنا أعشق الرسم جداً، وأشعر بالفخر بما أقوم به»، ولهذا يُبقي أبواب الاستوديو الخاص به مشرعة لاستقبال الزوار والسياح، في أي وقت، ليريهم أعماله، التي تعبر عن فخره بانتمائه إلى المجتمع الإماراتي، ويبيعها لهم.

تتدخل مرشدته، هنا، لتخبرنا بأن عبدالله يتعلم مهارة التواصل مع العملاء، والتأكد من أنه تم دفع المال مقابل الأعمال التي كلف بها، فهو - بحسب شرحها - متمسك بأن يكون شخصاً مستقلاً، يعتمد على نفسه بشكل كامل. 

وعن الإلهام الذي يستمده في رسوماته، وما إذا كان يتبع روتيناً معيناً، يؤكد عبدالله أنه لا يستخدم الأقلام العادية، وإنما يرسم على «الآيباد»، مستعيناً ببرنامج «برو كرييت»، وقلم الماركر الأسود؛ ليرسم مباشرة على الكانفاس ما تبدعه مخيلته من ترجمات للصور التي يراها في محيطه، ثم يضيف إليها العبارات الكوميدية، لينقل من خلالها رسائل عدة. 

رسالة وحيدة

سألنا عبدالله: أي رسالة تريد أن توجهها إلى العالم من حولك؟ فرد بكل بساطة: «هناك رسالة وحيدة أريد أن أوصلها إلى الجميع، وتحديداً إلى أهالي الأطفال المصابين بطيف التوحد، هي أن يتقبلوهم كما هم، ويغمروهم بالحب، وألا يطالبوهم أو يتوقعوا منهم أن يتغيروا؛ لأن ذلك سيجعلهم بائسين. فـ(التوحد) هو ما يميزهم، بل هو ما يكملنا». 

رسالة عبدالله تذكرنا بفيلم «راين مان»، من بطولة: توم كروز، وداستن هوفمان، الذي يؤدي فيه دور شاب مصاب بـ«التوحد»، يتمتع بموهبة احتساب الأرقام، وعد الأشياء بسرعة مذهلة، ويواجه عدم تقبل شقيقه له، الذي يحاول أن يغيره. لكن هذا الشقيق يكتشف، في النهاية، أنه من خلال إظهار ما يكفي من الحب والتعاطف تجاهه، يُخرجه من قوقعته، ويطلقه في عالم جديد. 

رسومات.. وكتاب

موهبة عبدالله لفتت أنظار جهات عدة، فتم تكليفه بالكثير من الأعمال الفنية، أبرزها جدارية في مطار دبي الدولي، وتعاونه مع «فوكس سينما» بمناسبة عيد الاتحاد الـ52، إضافة إلى مشاركته في معارض فنية عدة. واليوم، تستدعيه بعض المدارس لتعليم طلابها الرسم، ما يزيده فخراً، ويُشعره بمسؤولية كبيرة تجاه ما يقدمه، ويغمره سعادةً عندما يرى الأطفال ينجزون رسومات لم يكونوا يتوقعون أنهم قادرون على فعلها. كذلك، فاز عبدالله بمسابقة «فن صندوق الرسائل»، التي تنظمها مجموعة بريد الإمارات، وسيتمكن سكان إمارة رأس الخيمة من مشاهدة رسوماته على صناديق بريدهم. إلى جانب ذلك، أصدر عبدالله كتاب تلوين بعنوان «التوحد يكملني». أما عن مشاريعه المستقبلية، فيأمل عبدالله أن يرسم على سيارة «لامبورغيني»، بعد أن عرض عليه المسؤولون في هذه الشركة تلك الفكرة، كما يتمنى أن يرى رسوماته على طائرات «طيران الإمارات» أو «الاتحاد للطيران». 

احتضان هوية

بعيداً عن الرسم، يعيش الفنان الإماراتي عبدالله لطفي مع عائلته، مستمتعاً بتفاصيل حياته العادية، فهو يعشق قيادة سيارته «الجيب» على مسارات محددة، ويتباهى بأنه حصل على رخصة قيادة السيارات عندما بلغ سن الـ18، كما يحب مشاهدة الأفلام السينمائية كل يوم خميس، ومتابعة مسلسله الكرتوني المفضل «The Amazing World of Gumball». 

وبكل فخر، يحتضن عبدالله هويته كفنان إماراتي مصاب بطيف التوحد، ورحلته تلهم العديدين، ليس ممن يعانون طيف التوحد فحسب، بل أيضاً من عشاق الفن في جميع أنحاء العالم.

روح مرحة

هل من حلم خاص تريد أن تحققه؟.. بنبرة اعتبرناها جدية، قال لنا: «أريد أن أتزوج»؛ ليتراجع عن ذلك، ونفهم أنه يمازحنا، فحلمه الحقيقي هو أن يزور إيطاليا؛ لأنه يعشق الطعام الإيطالي، محدداً بلهجة إيطالية لطيفة، تبين أيضاً قدرته على تقليد اللهجات «الباستا والبيتزا»، ويضيف: «أحب السفر كثيراً، وسبق أن زرت لندن مع أهلي، ولوس أنجلوس، وواشنطن، حيث شاركت في فعاليات مختلفة هناك، واليابان البلد الذي أعشقه؛ لأنه موطن (الأنيمي)، و(المانغا)، والرسوم الكرتونية التي أفضلها».