أحلام البلوكي: أطمح إلى تأسيس نظام أدبي مستدام في الإمارات

قادها شغفها بالقراءة إلى تبجيل الكتاب وتقديره؛ لذا اختارت أن تعيش في فضاءاته، فعملت على وضع بصمتها الفريدة في عالم الأدب الإماراتي والعالمي. أحلام البلوكي، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة الإمارات للآداب، شخصية استثنائية، ارتقت في سلم النجاح المهني تدريجياً، رافضة القفز فوق مراحل عدة؛ لإيمانها الشديد بضرور

قادها شغفها بالقراءة إلى تبجيل الكتاب وتقديره؛ لذا اختارت أن تعيش في فضاءاته، فعملت على وضع بصمتها الفريدة في عالم الأدب الإماراتي والعالمي. أحلام البلوكي، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة الإمارات للآداب، شخصية استثنائية، ارتقت في سلم النجاح المهني تدريجياً، رافضة القفز فوق مراحل عدة؛ لإيمانها الشديد بضرورة الإلمام بكل جوانب عملها؛ لتكون قدوة للآخرين. ويشغلها، حالياً، تعريف العالم بالأدب الإماراتي وتميزه، وتسليط الضوء على مواهبه الكثيرة، إلى جانب جعل الكتب جزءاً لا يتجزأ من حياة الناس.. في هذا الحوار، نلقي نظرة على تجربتها الفريدة، ونجاحها في الموازنة بين حياتها المهنية والأمومة، وأمور أخرى: 

  • تحتل الروايات الواقعية مكانة خاصة في قلبي

أخبرينا عن بداياتك مع الكتاب، وتطور علاقتك به!

مثل حال الجميع، كان معرض الشارقة الدولي للكتاب حدثاً سنوياً لا يفوّت، إذ كنا نحرص على زيارة المعرض؛ لشراء العديد من الكتب. كانت أول مرة أشعر فيها بارتباط عميق مع الشخصيات؛ حينما قرأت رواية «العار» للكاتبة جاسفيندر سانجهيرا. وتتمحور حول فتاة صغيرة، قررت عائلتها إجبارها على الزواج، إلا أنها اختارت الهروب. لم أكف عن التفكير في الرواية حتى بعد انتهائي من قراءتها، فقد وجدت نفسي أتساءل باستمرار عن شخصيات القصة وعما حدث لها. كانت هذه بداية رحلتي مع الكتب، لاسيما الأعمال غير الروائية، التي تسلط الضوء على صراعات النساء. ولطالما شدني الشعر، أيضاً، وأسرتني الطريقة التي تمتزج بها الكلمات في قصيدة واحدة. اكتشفت لاحقاً «مهرجان طيران الإمارات للآداب»، وصرت أحرص على حضوره؛ وحتى خلال عملي سابقاً في هيئة دبي للسياحة، كنت أركز على تسويق إمارة دبي كوجهة للثقافة والأدب، لذلك احتل المهرجان مكانةً خاصةً في قلبي، وعندما حظيت بفرصة العمل مع المؤسسة، لم أتردد في انتهازها، وانطلقت في رحلتي مع المهرجان والمؤسسة. 

دروس قيمة 

تم تعيينك في منصب الرئيسة التنفيذية لمؤسسة الإمارات للآداب.. ماذا يمنحك المنصب الجديد؟

تعد رئاسة المؤسسة خطوة طبيعية، فهي الرؤية التي كنا نحلم بها أنا والرئيسة التنفيذية السابقة للمؤسسة، السيدة إيزابيل أبو الهول. خلال السنوات الخمس الماضية، تشاركنا مكتباً واحداً، وشاركتني إيزابيل تجاربها ونجاحاتها، وحتى أخطاءها، وقد كانت هذه الدروس قيمة، وساعدت على توجيهي أثناء استعدادي لهذا الدور. إيزابيل كانت قائدة استثنائية، وداعمة لأفكاري، وحثتني على الاستكشاف والتعلم والنمو. كل هذه العناصر ساهمت في تسهيل الانتقال إلى موقع الرئيسة التنفيذية بسلاسة، وأشعر بحماس كبير لتحمل هذه المسؤولية.

ما الذي يميز نسخة هذا العام من «مهرجان طيران الإمارات للآداب»؟

تقدم الدورة السادسة عشرة للمهرجان مجموعة متنوعة من الفعاليات لجميع الأعمار والاهتمامات. ويبرز برنامج «بعد النهار في الليل»، هذه السنة، بتقديمه مجموعة من العروض والألعاب وتجارب الطعام، وفرص التسوق طوال الليل، بالإضافة إلى معارض فنية وحرفية، وجلسات نقاشية. كذلك، يقدم برنامج «ملتقى الأفكار» للكتّاب والجمهور فرصة تناول مواضيع متنوعة، بما في ذلك: عالم «سبايدرمان»، والأساطير الصينية، وجمالية اللغة العربية، ومستقبل الذكاء الاصطناعي. ويوفر المهرجان للقرّاء الصغار تجارب فريدة، ويدعو الطلبة إلى جلسات ملهمة، ضمن برنامج «يوم الشباب». وحرصنا هذا العام على جعل الثقافة في متناول الجميع، بأساليب مختلفة، فعلى سبيل المثال نحتفي في جلسة «ونحن نحب الحياة» بالشاعر العربي القدير محمود درويش وأعماله. وفي جلسة «في غرفة التحقيق»، التي يقدمها الكاتب المصري المتخصص في أدب الجريمة إبراهيم فرغلي، يدعو الكاتب الجمهور إلى حل لغز قضية غامضة. أيضاً، أضفنا عامل الموسيقى الآسر في الشعر، من خلال فعالية «أمسية الشعر والعود»، التي ستقام في مسرح الفن الرقمي (ToDA)، وغيرها من الفعاليات التي ركزنا فيها على مزج أنواع مختلفة من الإبداع.

  • المشهد الثقافي

تأثير التكنولوجيا

ما رؤيتك المستقبلية لدَوْر المؤسسة في إثراء المشهد الثقافي.. عربياً وعالمياً؟

أرى لمؤسسة الإمارات للآداب مستقبلاً واعداً، حافلاً بالنجاحات والشراكات الرئيسية. ومن هنا، فإن تطوير استدامتها وتمكينها يشكلان هدفي الرئيسي من خلال منصبي كرئيسة تنفيذية للمؤسسة، بهدف المساهمة في نجاحها ونموها. تتمثل نظرتي إلى مستقبل المؤسسة في إقامة نظام متكامل ومستدام، يعزز جميع جوانب المجتمع الأدبي في دولة الإمارات، ويبدأ ذلك من خلال تشجيع الكتّاب المحليين، وتوفير فرص إضافية لدعم تطورهم، وتقدمهم الإبداعي. كما أسعى إلى إيصال أعمالهم إلى جمهور عالمي، ما يعكس تنوع الثقافة المحلية، وكثافة الإبداع الأدبي في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، تأتي رؤيتي في غرس حب القراءة بنفوس الناس.

هل تعتقدين أن الكتب الرقمية، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، ستغير طبيعة الكتابة والرواية؟

إن الخوف من المجهول مترسخ في أي تطور أو اختراع، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالتكنولوجيا، التي قد تتولى ما يقوم به البشر حالياً. وهناك قلق مستمر بشأن استبدال البشر بالآلات والذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، يؤكد التاريخ أن البشر قادرون على التكيف مع مختلف المستجدات، ومن الطبيعي أن نستغرق وقتاً للتكيف، لكننا سنتعلم بسرعة كيفية استخدام التكنولوجيا لتحسين حياتنا. وعندما تُدمج التكنولوجيا دمجاً صحيحاً، فإنها ستحررنا من المهام المملة التي تستهلك وقتاً كبيراً، ما يتيح لنا التركيز على جوانب أكثر أهمية في الحياة. 

هل هناك تغير في تفضيلات القراء، وطرقهم، عند التفاعل مع الكتب؟

 هناك تطور ملحوظ في تفاعلنا مع القصص، التي تبقى جزءاً أساسياً من تجربة الإنسان، وتُعد الوسيلة التي نفهم من خلالها العالم من حولنا. ويظهر ذلك في الطرق التي نستهلك بها القصص اليوم؛ فالناس يستهلكون الكتب الصوتية وملخصاتها والمدونات الصوتية؛ للتفاعل مع المواضيع والاهتمامات المختلفة. كما أصبحت الهواتف الذكية، والأجهزة اللوحية، بمثابة مكتبة كاملة، يمكننا التنقل بها في أي مكان، وزمان. نرى، كذلك، أن العديد من الأفراد قد انتقلوا إلى إصدارات الكتب الرقمية للحفاظ على البيئة؛ ويُعد هذا الانتقال مفيداً، لكن تظل قراءة الكتاب لها نكهتها الخاصة. اليوم، ينشئ الشباب محتوى ثرياً حول الكتب على منصة «تيك توك»، تحت وسم «بوك توك» #BookTok، ويتفاعل الجمهور مع هذا المحتوى بشغف، ونرى ذلك في تخصيص المكتبات مساحات لعرض توصيات الكتب، التي تُعرض ضمن «بوك توك»؛ وكل هذا يشير إلى أن هناك حاجة أساسية إلى القصص في حياة الجميع. وقد تتغير الأشكال التي تظهر بها القصص، وتتغير الأنواع المفضلة لدى الجمهور، لكن البحث عن القصص التي ترتبط بتجارب الناس في الحياة سيستمر. 

  • الثقافة والكتاب العربي

مستقبل الأدب

إذا قدمنا عقارب الساعة إلى عام 2050.. كيف تتخيلين واقع الثقافة والكتاب العربي؟

أرى أن كل منزل في دولة الإمارات والمنطقة والعالم سيحتوي على مكتبة، رقمية أو غير رقمية. كما أعتقد أننا سنكون في مكان أكثر توازناً بالنسبة لعلاقتنا مع التكنولوجيا، حيث ستصبح جزءاً طبيعياً من حياتنا اليومية، وليست هذا الاختراع الضخم، الذي نتعثر في استخدامه حالياً. كما أعتقد أن الإنسانية ستكون أكثر ترابطاً، وعندها سنستمتع بالفنون بشكل أعمق؛ وسنسمع الموسيقى، وسنشاهد الأفلام، وسنقرأ القصص بشكل مختلف. أظن أنه ينتظرنا مستقبل مشرق، يتحد فيه البشر والفنون بشكل متميز. 

كيف تجمعين بين شغفك بالقراءة، ومهامك الإدارية؟

القراءة هواية، أستثمر فيها وقتي الشخصي، إلا أنني خلال انشغالي بالقيادة، وما إلى ذلك، أستمتع بالكتب الصوتية، التي تُعد وسيلة رائعة للاستفادة من الوقت في القراءة والتعلم. ومع ذلك، أستمتع بتخصيص وقت ما قبل النوم للقراءة، وغالباً أقرأ مع ابنتي الصغيرة، وأستكشف عالم أدب الأطفال؛ ما يساهم في تعزيز رؤيتي لدار «ELF» للنشر. 

أصبحت أماً للمرة الأولى.. كيف توازنين بين تحديات تربية طفلة، وإدارة مؤسسة ثقافية بارزة؟

تتولى النساء أدواراً محورية في المجتمع، ولا يتوجب علينا التفكير في التخلي عن هذه الأدوار؛ لنكون أمهات أو العكس. لذلك من الضروري البحث عن التوازن، فوجود مرونة في العمل نعمة بلا شك، إذ تسمح بيئة العمل التي تضم عدداً كبيراً من النساء، بالبحث عن هذا التوازن؛ لهذا نخطط لبناء حضانة أكبر؛ حتى يتسنى لموظفاتنا إحضار أطفالهن، فمن المهم ألا نتخلى عن دورنا كأمهات؛ لنحافظ على مهامنا في العمل. 

أخبرينا عن روتينك اليومي، الذي تستعدين به للانطلاق إلى عملك!

 أستيقظ كل يوم في السادسة صباحاً، وأقوم أنا وابنتي «راية» بالذهاب في نزهة قصيرة قبل الإفطار؛ لنستمتع بأجواء الصباح، ونرى جمال الأشجار، وننصت إلى صوت العصافير. نعود بعدها إلى المنزل، ونتناول إفطارنا (أنا، وزوجي، وراية). وأقوم بإعداد الشاي، مشروبي المفضل، وأحتسيه برفقة زوجي، الذي يفضّل القهوة، ثم أتوجه مع «راية» إلى المكتب، وتبقى في حضانتها بينما أبدأ يومي.. هذا روتيني اليومي، وأنا محظوظة كل صباح بالاستمتاع به. 

  • وصفة النجاح

وصفة النجاح

ما نصيحتك؛ لتحقيق النجاح المهني؟

 من الضروري العمل من أول السلم المهني، واستغلال كل فرصة ممكنة لتعلم مهارة جديدة. عندما بدأت مسيرتي المهنية، توفرت لي فرصة العمل كمتدربة إدارية، لكنني اخترت أن أبدأ بأقل وظيفة ممكنة في المؤسسة، التي كنت أعمل بها؛ لأنني أردت أن أتعلم كل شيء عن كل وظيفة. مهدت الطريق حتى وصلت إلى هذه المكانة من المسؤولية؛ فمن الضروري أن يثق فريقي بخبرتي، ومعرفتي بصغائر الأمور. لذا، أنصح الجميع بالتحلي بالشغف اللازم لتعلم كل شيء، وأقول لهم: في بداية رحلتكم المهنية؛ حاولوا الحصول على المزيد من المسؤوليات، واستغلوا كل فرصة لمعرفة المزيد عن الكثير من الأشياء، ولا تترددوا في ارتكاب الأخطاء والتعلم منها؛ لأن هامش ارتكاب الأخطاء يتقلص مع زيادة التطور المهني. ومن الضروري، كذلك، اختيار المهنة المناسبة، التي تجمع بين مهاراتكم، وما يحتاج إليه العالم، والأهم أن تتماشى مع قناعاتكم في الحياة.

ما الفن الأدبي الأكثر جذباً لك، وما الكتاب الذي تنصحين بقراءته؟

 أستمتع بقراءة الأعمال الروائية كافة، لكن تحتل الروايات الواقعية مكانة خاصة في قلبي، لاسيما التي تتناول مختلف العلاقات، مثل: العائلة، والصداقة. عادةً، تناقش هذه الروايات قصة واحدة، تستعرض فيها عمق العلاقات بين البشر، وأعمال «تياري جونز»، و«إليف شافاك»، مثال رائع على ذلك.

نعلم أنك، أيضاً، شغوفة بالموسيقى، وتعزفين على البيانو.. كيف بدأ اهتمامك بالموسيقى، وهل هناك عمر محدد لتعلم العزف على أي آلة موسيقية؟

لا، ليس هناك عمر محدد لتعلم الموسيقى. لكن يقول البعض إنه من الأفضل التعلم في سن صغيرة؛ لبناء المهارات بسهولة أكبر. بالفعل، بدأت تعلم البيانو في سن صغيرة، إلا أنني توقفت في ما بعد، ثم عدت بعد سنوات طويلة، وركزت وقتي ومجهودي في التعلم قبل حملي بابنتي «راية». ثلاث ساعات يومياً، ساعدتني على تعلم الأساسيات، التي تُمكنني من العزف مجدداً في أي وقت. للموسيقى مكانة خاصة في قلبي، وتحتل جزءاً كبيراً من حياتي منذ صغري، فلطالما كنت أغفو على ألحان الموسيقى. 

أخيراً.. ما العبارة التي قرأتها، وأثرت فيك؟

هناك جملتان تأثرت بهما عندما قرأتهما، وأعود إليهما دائماً: الأولى للكاتب والشاعر والفيلسوف جبران خليل جبران، وهي: «الحياة والحب والجمال ثلاثة أقانيم في ذات واحدة مستقلة، مطلقة لا تقبل التغير ولا الانفصال. الحياة بغير الحرية كجسم بغير روح. والحرية بغير الفكر كالروح المشوشة». والثانية للكاتبة إليف شافاك: «لا يمكن للقصص هدم الحدود، لكن يمكنها فتح آفاق تفكيرنا.. من خلال هذه الآفاق، نتعلم عن الآخرين، وأحياناً نحب ما أصبحنا نعرفه».