تنزل «رهف» على السلالم، وهي تنظر إلى شاشة هاتفها. تدخل المصعد، وعينها على رسائل «الواتساب»، التي وصلت إلى هاتفها للتوّ. تقود سيارتها، وهاتفها في يدها. تدخل الاجتماع، وتظلّ تسترق النظر، من حين إلى آخر، لهاتفها الذكي، إلى أخبار «الفراندز» على «السوشيال ميديا».. تستيقظ ليلاً، مرات ومرات، لتتأكد من بريدها الإلكتروني، وعدد مَنْ وضعوا لها «لايك» على آخر «بوست»، وما إذا كان أحد قد أرسل إليها رسالة سريعة.. تنام وتقوم وهاتفها على سريرها، على مرمى شبر من أصابعها. تضعه على الشاحن الكهربائي، ثم تنهض مراراً؛ للتأكد من آخر مستجداته.. هي مدمنة «الهاتف المتحرك». قال لها أحدهم ذلك؛ فابتسمت بسخرية. لم تبالِ في البداية، لكنها بدأت تشعر، في آخر فترة، بأنها فعلاً كذلك. فهل هناك في علم النفس ما يعرف بـ«رهاب الانفصال عن الهاتف»؟.. هل يمكن أن يتعلق الإنسان بهاتفه إلى الحدّ الذي لا يعود معه قادراً على الابتعاد عنه لحظات؟.. هل حالتها طبيعية أم مرضية؟ 

حالة «رهف» ليست صحيّة أبداً. وهناك كثيرون وكثيرات مثلها. نحن جميعاً نعجز في أحيانٍ كثيرة عن وضع هاتفنا جانباً أكثر من عشر دقائق؛ فنحن نعيش جميعاً حالة طغيان التكنولوجيا على حياتنا اليومية. الهاتف الذكي من تكنولوجيات هذا الزمان، فقد امتلك أشخاصاً، وجعلهم طوعاً له، بدل أن يبقى هو في خدمتهم. «رهف» واحدة من هؤلاء. لكن، هذا ليس معناه أن كلّ من يمسكون بهواتفهم يعانون مشكلة نفسية، فهناك قياسات ودرجات ونسب.. فمن أيّ درجة أنتم؟ 

استشاري علم النفس، الدكتور محمود رضوان، من مركز برايت الطبي، يتحدث عن درجة العلاقة مع «الموبايل»، التي تُحدد طبيعة الحالة، فيقول: «أصبح لدى بعض الأشخاص رابط ذهني ونفسي مع الهاتف المحمول، فإذا فقدوه شعروا بالتشويش الذهني. ونسبة النساء من هؤلاء تزيد على نسبة الرجال؛ فهناك أشخاص لا يتحملون رؤية شاشة الهاتف مقفلة معتمة». ويضيف: «علمياً، حُددت حالة (النوموفوبيا)، استناداً إلى عدد المرات التي يدخل فيها الشخص إلى هاتفه؛ فإذا زاد العدد على ثلاثين مرّة، فمعناه أن الشخص مصاب برهاب الانفصال عن هاتفه». 

ماذا عنكم؟.. ماذا لو حاولتم احتساب عدد المرات التي دخلتم فيها، أمس، إلى هاتفكم المحمول؟.. هل هو ثلاثون مرة؟.. أكثر؟.. أقل؟.. احسبوها بشكل صحيح؛ لتأتي النتيجة صحيحة. 

  • الهاتف الذكي من تكنولوجيات هذا الزمان

لكن، بماذا يشعر - أو قد يشعر - المصاب بهذا الرهاب؟.. بحسب الاستشاري النفسي، يشعر بالانتقاص والتوهان والضياع وعدم التركيز وعدم الأمان؛ إذ يمنح الموبايل من يعاني «النوموفوبيا» الراحة؛ فيمتنع عن المشاركة في النشاطات الاجتماعية، مفضلاً البقاء في عالمه الافتراضي. وتدريجياً، يفقد السيطرة على نفسه والتحكم في حياته؛ ويُصبح الهاتف الذكي أقوى وأكثر ذكاءً منه. 

أصبحنا، الآن، نفهم أكثر حالة «رهف».. صحيح أن من هم دون سنّ الخامسة والعشرين أكثر عرضة للإصابة بهذا الرهاب، غير أن الجميع، من مختلف الأعمار، معرضون.. الأرقام والنسب في هذا الموضوع مقلقة.

غلق الهاتف ليلاً

فلنكن إيجابيين.. ليس كل من بالغ قليلاً في استخدام هاتفه يعاني نفسياً؛ فالمبالغة درجات. لذلك، قبل أن نبلغ مستوى مبالغة «رهف» المرضية؛ فلنعرف أكثر عن «النوموفوبيا». أن نتوتر إذا نسينا هاتفنا في المنزل؛ هذا أمر طبيعي في عالم بات خلاله الهاتف عالماً في حد ذاته، لكن ما ليس طبيعياً هو أن نشعر بالقلق الشديد، وأن نبدأ بالتصبب عرقاً، ونلغي كل مواعيدنا ونتوتر ونتشاجر مع الآخرين. هناك أشخاص باتوا يشعرون بالعجز والذعر من دون هواتفهم، إنه الخوف من العزلة؛ فهناك أشخاص يتمسكون بهواتفهم، ويرغبون في إبقائها قريبة منهم في مختلف الأوقات، في محاولة لعدم تجربة شعور الوحدة. وهناك من يرون في الهاتف أماناً لهم، إذ إنهم يرون العالم في هاتف يمسكونه، ويستطيعون التحكم فيه، كما يشاؤون. 

في مثل حالة «رهف»، يُصار إلى اعتماد العلاج السلوكي المعرفي، الذي يعمل على تعليم المصاب، الواقع تحت ثقل أزمة «النوموفوبيا»، كيفية إدارة أفكاره ومشاعره السلبية، التي تظهر عند التفكير في عدم امتلاك الهاتف. ويوصى المصاب، مثلاً، بأن يبدأ بإغلاق هاتفه ليلاً، ووضعه بعيداً قليلاً عن متناول يده، أو تركه في المكتب مثلاً عند الذهاب للغداء.. هي حلول بسيطة قد تساعد على التخلص من مشكلة، قد تتحوّل إلى حالة إدمان حقيقية للدماغ. وليتذكر الجميع أن الهاتف وجد لخدمتنا، لا لاستعبادنا. 

رهاب «النوموفوبيا» 

هو عبارة عن مرض يصيب الفرد بالهلع؛ لمجرد التفكير في ضياع هاتفه المحمول، أو حتى نسيانه في المنزل. وتوصلت دراسة، أجرتها شركة «سكيوريتي إنفوي»، المتخصصة في الخدمات الأمنية على الأجهزة المحمولة، إلى أن 66% من مستخدمي الهواتف المحمولة، في بريطانيا وحدها، يعانون «النوموفوبيا».

وأظهرت الدراسة، التي نشرتها صحيفة «الدايلي ميل»، أن معدلات الإصابة بـ«النوموفوبيا» تنتشر بصورة أكبر بين فئة الشباب، من عمر 18 إلى 24 عاماً، وبدرجة أقل بين الفئة العمرية من 25 إلى 34 عاماً. وبيّنت، كذلك، أن النساء مهووسات بفقدان هواتفهن، أكثر من الرجال.