عـلياء زعل لوتاه: إبداعي نقطة قوتي

أخذت الفنانة التشكيلية، علياء زعل لوتاه، الفرشاة إلى عالم آخر من الخيال وشغف الألوان، وأصبح الفن التشكيلي شغفها الدائم، الذي يساعدها على ترجمة مشاعرها، وتخليد ذكرياتها مع الأشخاص والمواقع والطبيعة الصحراوية الخلابة؛ ليمثل محطة انطلاق لمسيرة أكبر من الخبرات والمواهب والإنجازات المتعددة في رحلتها كفنا

أخذت الفنانة التشكيلية، علياء زعل لوتاه، الفرشاة إلى عالم آخر من الخيال وشغف الألوان، وأصبح الفن التشكيلي شغفها الدائم، الذي يساعدها على ترجمة مشاعرها، وتخليد ذكرياتها مع الأشخاص والمواقع والطبيعة الصحراوية الخلابة؛ ليمثل محطة انطلاق لمسيرة أكبر من الخبرات والمواهب والإنجازات المتعددة في رحلتها كفنانة، ثم أستاذة جامعية، وبعد ذلك العمل على تأسيس المتاحف، وتقييم المعارض الفنية.

  • عباية من NAFS / عقد Graduated Link Tiffany HardWear من .Tiffany & Co

ترعرعت علياء في بيئة تعشق الفنون، وكان لنشأتها وسط عائلة فنية دور كبير في خوضها غمار العمل الثقافي، سواء في إنتاج لوحات تشكيلية مستمدة من أحلامها، أو دراستها كمتخصصة، أو العمل على تنفيذ برامج وإقامة معارض لتوثيق الحركة الفنية في الإمارات، وتعزيز التبادلات الفنية والثقافية بين الإمارات وفرنسا، أو كمقيّمة فنية لمتحف اللوفر، والعديد من المعارض التي تقام في دولة الإمارات؛ لتستحق - عن جدارة - نيل العديد من الجوائز والأوسمة، منها جائزة وسام الفنون والآداب الفخري من الحكومة الفرنسية فئة «فارس الفن».. المزيد من التفاصيل في الحوار التالي:

متى بدأت قصتكِ مع المجال الفني؟

بدأت قصتي في المجال الفني منذ نعومة أظافري، فقد نشأت في عائلة تهوى الفن التشكيلي بالفطرة، ولديها موهبة فريدة في الرسم والتصميم، إذ إن أفراد عائلتي معظمهم موهوبون فنياً؛ فوالدي ووالدتي وأخواتي رسامون، لهذا عشقت الرسم، وكنت أرسم كثيراً في صغري، وأصنع الدمى لنفسي، وكذلك منازل الدمى، التي كنت أصنعها من الكرتون والقماش بدقة وحرفية، كما كنت أرسم الجداريات أيضاً. بعد ذلك، التحقت بنادي الفنون في المدرسة، وكان يشجعني معلمي على رسم الجداريات على خلفية المسرح لمسرحيات «فيروز»، التي تقام في المدرسة، وأتذكر أنني كنت أبدع في رسم القناطر في الأبعاد الدقيقة، التي تكاد تكون حقيقية. في هذه الفترة، استهوتني قراءة الكتب عن الفن في مكتبة المدرسة، وحينها أعجبت بكتاب للفنان الشهير سيزان بول الفرنسي، حيث أحببت في فنه تلقائية ضربات الفرشاة ودمج الألوان، وأحببت نقله الحياة اليومية عبر لوحاته الجميلة؛ فنقلت تلك الرسمات لأتعلم منها.

  • عباية من NAFS / سوار Chaumet JOSÉPHINE AIGRETTE / خاتم Chaumet JOSÉPHINE AIGRETTE

عولمة الثقافة

حدثينا عن مجالات دراستك الفنية، وكيف تمكنت من صقل موهبتك!

التحقت بكلية الفنون الجميلة في الشارقة، وتعلمت الكثير عن الفنون الجميلة، والفن التشكيلي المعاصر، وتاريخ الفنون والفلسفة البصرية والنقد الفني، وغيرها من المواضيع الثقافية، بالإضافة إلى ممارسة الفن في الجامعة وعرض أعمالي الفنية، كما قمت بعمل أبحاث أفادتني كثيراً في حياتي المهنية، وكانت عن عولمة الثقافة، حيث ركزت في أبحاثي على مستقبل الفنون التشكيلية، وأهمية الهوية الثقافية. بعد ذلك، التحقت بجامعة السوربون بأبوظبي لاستكمال دراستي، وحصلت على شهادة الماجستير بامتياز في تاريخ الفن وعلوم المتاحف، وتدربت حينها في متحف «بومبيدو» الشهير، وعملت مع أشهر الفنانين ومقيّمي الفن، وأكملت مسيرتي في إعداد الأبحاث التي تخص العولمة الثقافية، وأجريت مقابلات مع أهم الباحثين في هذا المجال. بعدها تخرجت، ودرست الفنون لمدة سنة في جامعة الشارقة، ثم التحقت بدائرة السياحة والثقافة بأبوظبي؛ لأنضم بعدها إلى طاقم متحف اللوفر بأبوظبي.

ما تأثير العائلة في حياتك الفنية؟

عائلتي تحب الفن وتفهمه، وهذا الشيء مهم جداً لي؛ لأنني أحب أن أشارك أفرادها أفكاري، وحينما أرسم أحب أن أستشيرهم، وأستمع لآرائهم في أعمالي الفنية. ومن دواعي سعادتي أنني أشعر، دائماً، بأنهم صادقون في نقدهم، ومهتمون بأعمالي ومسيرتي الفنية. أما عن مجال عملي والأسلوب الفني الذي أنتهجه، فهناك علاقة قوية بين رسمات والدي ورسماتي، حيث يبهرني والدي بطريقة رسمه، ويعجبني كثيراً أسلوبه الفني في الرسم.

في أي مدرسة من الفن التشكيلي تخصصت؟

لا أنتمي إلى مدرسة فنية محددة، فلوحاتي معاصرة، لكنها تميل قليلاً إلى الفن الانطباعي، الذي يعجبني كثيراً، خاصة في دمج الألوان، وأهمية الضوء.

  • عباية من NAFS / عقد من Terzihan

وسيلة للتأمل

ما الرسالة التي تركزين على تقديمها في لوحاتكِ؟

فني يعبر عن الوقت، وأسجل من خلاله ذكرياتي الخاصة، سواء كانت لمكان أو لأشخاص أو لشعور معين مرَّ بي، إذ يسجل الفن تلك الصور من ذاكرتي من اللاوعي، بطريقة فنية تمنحني الشعور بالراحة والسعادة، كأنني أخلد تلك الذكرى، وأقدمها إلى العالم من خلال منظوري الخاص، الذي أود أن أشاركه مع الجميع. أحياناً، يكون الفن وسيلة للتأمل، وليس بالضرورة لتقديم رسالة.

من أين تستمدين أفكاركِ؟

أستمد أفكاري من حياتي اليومية، ومن الطبيعة التي أصورها عبر عدستي، وأترجمها لاحقاً إلى منظر يدمج الخيال مع الواقع. وأحب أن أتأمل الطبيعة والمناظر الجميلة، وأستلهم أفكاري، أيضاً، من تاريخ الفن بكل أشكاله، إذ أحب أن أقرأ سِيَر الفنانين، والاطلاع على الصور القديمة في أرشيفات المتاحف.

هل لديكِ طقوس تمارسينها قبل الرسم، وما هي؟

قبل أن أرسم أحب أن يكون المكان مهيأ للرسم بما في ذلك: الإضاءة السليمة، وترتيب المواد والألوان، وليست لديَّ طقوس معينة، لكنني أحرص على أن يكون المكان مريحاً وهادئاً، لكي يتسنى لي الاستمتاع بالرسم.

هل هناك ألوان معينة تحبينها أكثر من غيرها؟

نعم، أحب الأزرق والأخضر كثيراً، لكن أحياناً أميل إلى الألوان الترابية، ويعتمد ذلك على موضوع اللوحة.

  • عباية من Manaal Al Hammadi / عقد Chaumet JOSÉPHINE AIGRETTE ساعة Chaumet JOSÉPHINE AIGRETTE / خاتم Chaumet JOSÉPHINE AIGRETTE

نقطة الانطلاق

كيف تؤثر الذكريات الإنسانية في تشكيل لوحاتك الفنية؟

الصور الفوتوغرافية تعني لي الكثير؛ فأنا أحب التصوير كثيراً، حيث أصور اللقطات التي أود أن تبقى معي، سواءً كانت صوراً لعائلتي، أو أماكن أحبها، أو صوراً تدوّن يومياتي، وأحياناً أعود إلى تلك الصور حتى تكون نقطة الانطلاق والإلهام للوحاتي.

ما أدوات الفنان التشكيلي؟

أدوات الفنان، هي: ذائقته، ومعرفته، وفضوله، وشغفه.

عرضتِ لوحاتكِ في دول عدة.. أي المعارض الأقرب إليكِ؟

شاركت في معرض بالبندقية، وأحببت هذا المعرض كثيراً، وعُرضت لي لوحتان مع مجموعة من الفنانين، الذين تعرفت إليهم في إيطاليا. كانت تجربة جميلة جداً، فقد كان هذا المعرض في كنيسة تحولت إلى صالة عرض. ومعرض آخر أيضاً نسقته «دبي للثقافة»، بعنوان «Dubai next»، كان بالمعهد العربي في باريس، وقتها شعرت بالفخر والاعتزاز بدولتي، وما تمتلكه من فنانين مبدعين.

من الأشخاص الذين أثروا في مسيرتك الفنية؟

الدكتورة إليزابيث ستوني، التي تتلمذت على يديها في تاريخ الفن بجامعة الشارقة، وأصبحت من أعز أصدقائي حتى يومنا هذا. كانت خلال مرحلة الدراسة تجيب عن كل أسـئلتي الصعبة، وتتحاور معي، وتدلني على الكتب القيّمة، التي أفادتني كثيراً في أبحاثي، وعلى الصعيد المهني. كذلك، الدكتورة سوفي موكان، التي كانت مسؤولة عن شؤون الطلبة في «Ecole du louvre»، وهي أيضاً مؤرخة لتاريخ الفن، إذ كانت حلقة وصل بيني وبين المقيّمين في متاحف الفنون، وقد عرفتني إلى أهم الباحثين في الفن الحديث والمعاصر، ومن خلالها، وجامعة السوربون بأبوظبي، خضت تجارب مهمة جداً في مسيرتي، مثل العمل على معرضَيْ: «Picasso Mania»، و«Bertrand Lavier»، وغيرهما من المعارض المهمة في متحف بومبيدو.

  • عباية من Manaal Al Hammadi / أساور Tiffany - T Wire مع الألماس من .Tiffany & Co

مشروع فريد

حدثينا عن رحلتك المهمة مع متحف اللوفر؟

مسيرتي في متحف اللوفر أضافت الكثير إليّ ثقافياً وفنياً؛ فمنذ صغري أحببت المتاحف والفنون، وبعدما حصلت على شهادة البكالوريوس في الفنون، حرصت على أن أكمل دراستي في مجال يمنحني فرصة تطوير المشهد الفني في دولتي الإمارات. وقد جعلتني دراستي لتاريخ الفن وعلوم المتاحف في «السوربون أبوظبي» أهوى المتاحف والتاريخ أكثر، فتعلمت الكثير، مثل: تاريخ الفن، وإدارة المقتنيات، والترميم، وعلم الآثار، وإدارة المتاحف، والقوانين الدولية للتراث، وغيرها الكثير. التحقت بمتحف اللوفر أبوظبي عام 2013، قبل افتتاحه، فقمت مع فريق العمل بجمع عدد من المقتنيات الفنية، ومنها مجموعة مهمة للمتحف، وذلك تطلب الكثير من الأبحاث والزيارات الخارجية إلى معارض ومتاحف، وزيارات خاصة، وغيرها من الأمور التي طورتني مهنياً، وثقافياً واجتماعياً. كان العمل على تأسيس المتحف محطة مهمة في مسيرتي؛ فمتحف اللوفر أبوظبي مشروع ثقافي فريد من نوعه.

ما أبرز الجوائز والأوسمة العالمية التي حصلت عليها، وأيها الأقرب إلى قلبك؟

حصلت على الكثير من الجوائز والأوسمة، لكن أقربها إلى قلبي هي جائزة وسام الفنون والآداب الفخري من الحكومة الفرنسية فئة «فارس الفن»، وهي جائزة شرفية فرنسية، يتم منحها من طرف وزارة الثقافة الفرنسية كمكافأة لأولئك الذين تميزوا بإبداعاتهم في المجال الفني أو الأدبي، أو بمساهماتهم في تعزيز الفنون والأدب في فرنسا، وفي العالم أجمع.

«التقييم ليس مجرد نظرة، بل إلمام بحياة كاملة لفنان»، هذه وجهة نظرك العميقة.. حدثينا عن مسيرتك مع مجال التقييم الفني!

التقييم الفني هو فن في حد ذاته، حيث إن نظرة وفهم المقيّم للفن والفنان والسياق الذي أتى من خلاله، وربط الفن بموضوع المعرض، والعكس أي ربط موضوع المعرض بالفن، كلها تحصل من خلال ما سبق بطريقة دقيقة على التقييم الصحيح، ويجب على المقيّم ألا يجعل هذا الارتباط مفتعلاً، ومن المهم أن يبحث عن الصلة التي تجعل المتلقي يشرع في الطرح الفكري والجمالي.

  • عباية من Manaal Al Hammadi / أساور Tiffany - T Wire مع الألماس من .Tiffany & Co

تجربة ثرية

ما دورك في تأسيس متحف المرأة في دبي؟

منحتني الدكتورة رفيعة غباش، مؤسسة متحف المرأة، الفرصة لأخوض هذه التجربة المهمة والتاريخية والثرية، إذ تربطني بالدكتورة رفيعة صلة عائلية، وعلاقة وطيدة منذ صغري. وكان دوري هو مساعدتها في مواضيع عدة، منها: الترجمة، والتصميم، وجمع المواد، وتقييم أول معرض للفن المعاصر في المعرض للفنانات الإماراتيات. أعتبر هذه من أجمل الفرص؛ لأنني تعلمت كثيراً من «خالتي رفيعة»، وأفتخر كثيراً بها، وبالمتحف، وبجميع المشاريع الثقافية، الفنية منها والأدبية، التي تنجزها الدكتورة رفيعة غباش.

مارستِ أعمالاً عدة بالمجال الفني، كفنانة أو كمنظمة أو كمقيّمة.. ماذا أضاف هذا التنوع إلى مسيرتكِ؟

التنوع في مسيرتي بدأ بممارسة الفن كفنانة، ثم بتدريس الفن في الجامعة، ثم بالعمل على تأسيس المتاحف، وتقييم المعارض، وأعتبر هذا التنوع شيئاً مهماً في حياتي الفنية والمهنية؛ لأنه يمنحني القدرة على التفاعل مع الفنان والمؤسسة الفنية على جميع الصعد، سواء على مستوى الإنتاج الفني، أو على المستوى الثقافي المجتمعي.

بعيداً عن الرسم، ما هواياتكِ الأخرى؟

أحب تصميم الأزياء والديكور، وكذلك القراءة والسباحة، ومشاهدة الأفلام الوثائقية.

ما نقطة قوتكِ؟

أعتقد أن نقطة قوتي هي إبداعي.

كيف ترين بصمة المرأة الإماراتية على الساحة الإبداعية.. محلياً ودولياً؟

المرأة الإماراتية مبدعة ومجتهدة وطموحة في جميع المجالات. أفتخر كثيراً بالنساء الإماراتيات، اللاتي يخلصن ويضعن بصمتهن في عملهن، فهناك الكثيرات من النساء الإماراتيات اللاتي أثبتن جدارتهن، ووصلن إلى العالمية؛ فالعزيمة والإخلاص والتفاني توارثناها من جداتنا.

  • عباية من Manaal Al Hammadi / قلادة Tiffany من الذهب الوردي والألماس / أساور Tiffany - T Wire مع الألماس من .Tiffany & Co

إلى أي مدى تساهم المعارض الفنية في دعم حركة الاقتصاد الإبداعي بالإمارات؟

تساهم المعارض في تحفيز الاقتصاد الإبداعي، عن طريق مساهمة الفن في إيجاد بيئة ثقافية تجذب السياحة الثقافية، التي بدورها تشكل جزءاً كبيراً من التطور الاقتصادي.

هل يمكن للفن أن يستخدم لتقريب الشعوب؟

الفن لغة عالمية، تفهمها الشعوب كافة باختلاف ثقافاتها، ولا شك في أنه يقرب الشعوب؛ لأنه يعبر عن مواضيع مشتركة في كثير من الأحيان، ومن خلاله تكتشف الشعوب ثقافات بعضها، كما حصل في التاريخ، ولايزال يحصل إلى يومنا هذا.

ما العوامل التي تجعل الفنان مؤثراً في المجتمع؟

بالنسبة للفنان، هذه العوامل مزيج من الإبداع الفني، والإنتاج المتواصل، والتواصل مع المجتمع، بالإضافة إلى المواضيع التي يطرحها.

ما مشاريعك المقبلة؟

فنياً، هناك مجموعة لوحات تصور طبيعة الإمارات، وبعض الأعمال الحرفية. أما مهنياً في التقييم الفني، فهناك مشاريع عدة في الفن العام، أو الفن في الأماكن العامة بإمارة أبوظبي، ضمن عملي مع دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي.