بحثها عن هواية تُبعدها عن شاشة الكمبيوتر، الذي درست هندسته في الجامعة، أوصل الشابة الإماراتية المبدعة، المها المهيري، إلى استكشاف عالم جديد تماماً، هو عالم الزراعة والابتكار. استطاعت المها - بفضل شغفها بنشر ثقافة الاستدامة، والعودة إلى الطبيعة - ابتكار حلول زراعية ذكية عدة، منها: ثلاجة ذكية، و«أصيص» ذكي، وخلطة تربة تصلح للزراعة. ونجحت في دخول السوق الزراعي، لتصبح مبتكرة، وأيضاً رائدة أعمال في سن صغيرة. تقدم المها مثالاً رائعاً للشغف والإصرار، اللذين يمكن أن يدفعا الإنسان إلى تحقيق النجاح والابتكار في مجالات غير متوقعة. في حوارنا معها، تخبرنا عن مسيرتها، والتحديات التي واجهتها وأحلامها، والنصيحة المهمة التي تقدمها إلى أقرانها.. وتالياً نص الحوار: 

  • الإماراتية المبدعة، المها المهيري

خلال السنة الجامعية الأولى ابتكرت الثلاجة الذكية.. أين وصلت في هذا المشروع؟

رغم عملي على مشروع الثلاجة الذكية لمدة أربع سنوات، ومن ثَمَّ فوزي عنه ببطولة مسابقة «للعلوم نفكر»، فإنني أوقفت العمل عليه عام 2018، بعد عجزي عن تحصيل براءة اختراع له، وذلك بسبب إعلان إحدى الشركات العالمية عن مشروع مماثل بمعرض للتكنولوجيا في لاس فيغاس. هذا الأمر دفعني إلى التفكير في ابتكار خلطة تربة زراعية، لاسيما أنه في تلك الفترة بدأت فكرة الاستدامة والزراعة والمستقبل الأخضر تنتشر أكثر بين الناس.

ما الذي ألهمك ابتكار خلطة تربة زراعية، وما الذي هدفت إليه من ورائها؟

نعاني في الإمارات مشكلة في التربة الزراعية، إذ ليست لدينا تربة خصبة، وللحصول على منتج زراعي جيد، على المزارعين أن يخلطوا بأنفسهم مواد لصنع تربة صالحة للزراعة. وأثناء هذه العملية، تحدث أخطاء عدة؛ نتيجة عوامل مختلفة، منها أن معظمهم لا يعرفون النسب الصحيحة لخلط المواد المختلفة، ما يؤدي أحياناً إلى احتراق المحصول. استناداً إلى ذلك، فكرت في تقديم خلطة تربة جاهزة للزراعة إلى المزارعين، وكل من يرغب في الزراعة. بالفعل، أجريت دراسات عدة، ونجحت في الوصول إلى الخلطة المثالية؛ لمساعدة المزارعين في زراعة النبات والخضروات والأشجار، وقتها أنشأت شركتي للحلول الزراعية المبتكرة، وأطلقت عليها اسم «Mahaya’s»، وبدأت تسويق وبيع التربة، واستطعنا أن نحصل على شهادات تقدير وجوائز عدة، على اعتبار أن خلطتنا من أفضل الخلطات. 

«الأصيص» الذكي

كيف لشابة درست «هندسة الكمبيوتر»، وفي سبيلها إلى الحصول على درجة الماجستير في إدارة الأعمال، أن تعمل بمجال الزراعة المليء بالتحديات؟

بالفعل، تخصصت في «هندسة الكمبيوتر»، وكنت أقضي معظم وقتي أمام شاشاته، وكلما أردت أن أرتاح كنت ألجأ إلى هاتفي؛ فكان ذلك يزيد توتري؛ لهذا بحثت عن هواية تُبعدني عن الشاشات؛ فكانت الزراعة ملاذي. تعمقت في أبحاثي الزراعية، وزرت مزارعين لأسمع تجاربهم، وأستفيد من خبرتهم، وقرأت كتباً، وشاهدت فيديوهات على «يوتيوب»، وبدأت بزراعة الخضار على سطح منزلي، وكنت أبيع المحصول لجيراني، الذين كانوا يستغربون فكرة وجود مزرعة صغيرة على السطح، وهذا أوصلني إلى ابتكار الثلاجة الذكية؛ للحفاظ على درجة حرارة مناسبة للخضار. وبسبب عدم قدرتي على استخراج براءة اختراع للثلاجة، انتقلت إلى ابتكار خلطة التربة الصالحة للزراعة، وهذا تطلب مني زيارة مصانع محلية لإنتاجها، وكان الجميع يستغربون وجود فتاة إماراتية صغيرة السن تزور المصانع، وتسأل عن إمكانية تصنيع التربة. وقد واجهت رفضاً من عدد من المصانع، لكن هناك مصانع أخرى شجعتني، وقبلت العمل معي. 

ما التحديات التي واجهت مشروعك؟

مسألة التمويل هي التحدي الأهم لأي مشروع، لكنَّ فوزي بعدد من المسابقات، منها فوزي في «كوب 27» بشرم الشيخ بجائزة أفضل شركة ناشئة في الوطن العربي عن صناعة الحلول الزراعية، مكنني من الحصول على مبالغ لا بأس بها ساعدتني في مشاريعي، كما أنني لم أترك عملي بإحدى الشركات الخاصة، ولا أنسى وقوف أهلي بجانبي ودعمهم لي، ليس من الناحية المادية فقط، وإنما بمساعدتي في مشاركاتي بالفعاليات والمسابقات. وقد دفعني نجاحي في تسويق خلطة التربة إلى ابتكار منتج آخر يكمل الأول، هو «الأصيص» الذكي، الذي حقق نجاحاً كبيراً. 

كيف توصلت إلى تصنيع مثل هذا «الأصيص»، وما آلية عمله؟

انتسبت إلى برنامج «How to Make Almost Everything»، الذي تقدمه جامعة (MIT)، ويهدف إلى تعليم كيفية تحويل أفكارنا إلى منتج ملموس. كانت لديَّ فكرة تصنيع منتج جديد للزراعة، وكنت قد وضعت تصميمه على ورقة، ومن خلال هذا البرنامج تمكنت من تحويله إلى حقيقة، بعد أن عثرت على المصنع المناسب، الذي وافق على إنشاء القوالب المطلوبة لتصنيع «الأصيص» الذكي، الذي أطلقت عليه اسم «Terrapod». في تلك الفترة، دخل العالم في حالة جمود مع انتشار جائحة «كورونا»، فأوقفت العمل على المشروع، وكحال الجميع لجأت إلى «السوشيال ميديا»، حيث بدأت أعلم الناس كيفية زراعة الخضار في منازلهم. ومع انتهاء «الجائحة»، وعودة الحياة إلى طبيعتها، كانت فكرة «الأصيص» الذكي بدأت تلقى قبولاً كبيراً من غير المزارعين. وبعد تجارب عدة، توصلت إلى ابتكار النظام المثالي لنجاح «الأصيص» الذكي، الذي يعمل بالطريقة التقليدية في ريّ المزروعات، بمعنى أنه لا يحتاج إلى كهرباء، وإنما يكفي تزويد خزانه بالماء، وتعبئته بالتربة، وزراعته بالخضار، وحتى الأشجار الصغيرة، وتركها تأخذ حاجتها من الماء؛ لتثمر بعدها؛ فعندما نوفر للنبتة بيئة التغذية المناسبة تقدر على التحكم في حاجتها من الماء، وتمكنت من استخراج براءة اختراع له. ويوجد اليوم حجمان من «الأصيص»، أحدهما صغير، تتم تعبئته مرة كل أسبوعين، في حين أن الحجم الأكبر تتم تعبئته مرة واحدة في الشهر، ومن السهل حمله ونقله من مكان إلى آخر، ووضعه في المنزل على الشرفة، أو في الحديقة، مع الحرص على وصول الشمس إليه. 

  • ننشر ثقافة الزراعة بين الناس

ابتكارات جديدة

اليوم، تملكين شركة خاصة بك تصنع التربة و«الأصيص» الذكي، ما الذي تطمحين إليه بَعْدُ، وما الرسالة التي تريدين توجيهها؟

لا أتوقف عن التفكير في ابتكار منتجات جديدة، وحالياً أعمل على تطوير سماد عضوي، يعرف باسم «السماد الحشري»، يعتمد على حشرة الـ«Black Soldier Fly»، وهي نوع من الحشرات التي تتم تربيتها كعلف للدواجن، وفيها فائدة غذائية، ليس للإنسان فحسب، وإنما أيضاً للنبات. في شركتنا لا نصنع ونبدع فقط، وإنما ننشر ثقافة الزراعة بين الناس، فكل المنتجات التي نبيعها تحمل معلومات إرشادية عن كيفية الزراعة، وفائدة التربة، وآلية عمل «الأصيص». وقد حرصت على كتابة كل المعلومات على ملصقات المنتجات؛ لتتسنى للناس قراءتها أثناء مشاهدتها في «السوبرماركت»، ليستفيدوا منها، وربما تحثهم على الزراعة المنزلية. أمنيتي أن يقوم أكبر عدد ممكن من الناس بزراعة وإنتاج خضرواتهم وفاكهتهم بأنفسهم، لاسيما بين الشباب الذين يغيبون عن قطاع الزراعة، كما أتمنى أن أرى مزيداً من النساء يعملن في سوق الزراعة، من نقطة الإنتاج إلى التصنيع، وصولاً إلى البيع. 

ما النصيحة التي توجهينها إلى أقرانك من الشباب، الراغبين في تأسيس مشروعهم الخاص؟

أهم نصيحة أقولها لهم: لا تخافوا من تجربة الأشياء الجديدة، ولا من الفشل؛ فقد فشلت كثيراً، قبل أن أنجح في الوصول إلى خلطة التربة المثالية، و«الأصيص» الذكي، الذي صممته 12 مرة، قبل أن أنجح في الوصول إلى شكله النهائي. كثيرون يخافون من الفشل، أما أنا فأراه فرصة للتعلم والنمو والتطور. البعض يعتقدون أنني نجحت فجأة، لأنهم لا يعرفون أنني أعمل على مشاريعي منذ 10 سنوات، وواجهت الكثير من الصعاب قبل أن أحقق النجاح.