شيخة المنصوري: «البادلة» تفتح نافذة على إبداع الجدات

تسرد الوالدة شيخة المنصوري، إحدى «حاميات التراث» بمركز الصناعات التراثية والحرفية، التابع للاتحاد النسائي العام، قصة إبداع المرأة الإماراتية، ومساهمتها في صنع الجمال، بعدما جعلت مهاراتها العالية في حرفة «البادلة» تطريزات فخمة، تزين الأثواب والأقمشة؛ لتضفي عليها جمالاً أخاذاً؛ لما تجود به يد الحِرَفي

تسرد الوالدة شيخة المنصوري، إحدى «حاميات التراث» بمركز الصناعات التراثية والحرفية، التابع للاتحاد النسائي العام، قصة إبداع المرأة الإماراتية، ومساهمتها في صنع الجمال، بعدما جعلت مهاراتها العالية في حرفة «البادلة» تطريزات فخمة، تزين الأثواب والأقمشة؛ لتضفي عليها جمالاً أخاذاً؛ لما تجود به يد الحِرَفية الإماراتية. وتؤكد، في حديثها إلى «زهرة الخليج»، أنها تفتح، من خلال مشاركتها في المهرجانات التراثية، نافذة للأجيال القادمة على حياة الأجداد والجدات، التي اتسمت بالإبداع، حيث ترتدي النساء الأثواب الجميلة، المزينة بنقوش وأشكال هندسية، ما يدل على الذوق الرفيع للمرأة الإماراتية. وكشفت المنصوري، في حوارها، أن أهم ما تتميز به أزياء المرأة الإماراتية، هو ارتباطها ببيئتها التراثية المحيطة، وتماشيها مع العادات والتقاليد الشعبية، فانعكس ذلك على شكل ولون وطبيعة هذه الأزياء، التي تتفرد بجمالها، وشكلها الفضفاض، وتلبيتها مختلف الأذواق.. وفي لقائنا مع الوالدة شيخة، حرصنا على أن نعرف قصتها مع الحرف التراثية، وتطرقنا إلى طبيعة حرفة «البادلة»، ومواصفات حياكتها، والخيوط المستخدمة فيها، وتالياً الحوار:

بدايةً.. متى اكتشفت شغفك بالحِرَف اليدوية؟ حينما كان عمري 8 سنوات، أحببت التطريز على الملابس، وقد استخدمت هذه الهواية في صنع الهدايا المميزة للعائلة والأصدقاء والجيران. وبمرور الوقت، أحببت الحرف التراثية، وقررت الانضمام إلى مركز الصناعات التراثية والحرفية، التابع للاتحاد النسائي العام، ضمن فريق «حاميات التراث»، وتخصصت في حرفة «البادلة». وقد ساعدتني موهبتي، وإيماني بعملي الوطني، في نيل لقب «حامية تراث»، الذي يعكس مسيرة حافلة من العمل الدؤوب، امتدت إلى 38 عاماً.

  • طبيعة حرفة «البادلة»

عناصر الزينة

حدثينا عن طبيعة حرفة «البادلة»!

«البادلة» حرفة ارتبط اسمها بالقطعة التي تزين السراويل النسائية، وهي من عناصر الزينة في ملابس المرأة الإماراتية، وتصنع من «التلي»، كما أنها خليط من الخيوط، الممزوجة بخيوط الفضة، تُشغل على أداة تسمى «الكاجوجة»، وقد تطورت صناعتها، وتعددت ألوانها وأحجامها، ودخلت عليها الخيوط بألوان عدة، مثل: الأحمر والذهبي والأصفر والأزرق. كما تغير الخيط الفضي، وأصبح اليوم يسمى «الزري»، أو «الخوص». تتألف «البادلة» من جزأين: سفلي يعد «القاعدة»، وعلوي يتمثل في وسادة بيضاوية مصنوعة من القطن، تثبت عليها خيوط الخوص.

ما الذي يميز حرفة «البادلة»؟

«البادلة» تتطلب مهارة عالية، ويختلف ذلك بحسب الحجم والنقوش والزخارف، ولها أسماء عدة، ويتم صنعها بواسطة 6 بكرات من الخيوط المعروفة بـ«الهدوب»، الملونة حسب الرغبة، وتُجمع أطرافها بعقدة مشتركة، تثبت بإبرة صغيرة على المخدة المعروفة بـ«الكاجوجة»، وكانت في السابق تستغرق من شهرين إلى ستة أشهر، ومنها أيضاً ما تتكون من 15 خوصة وأكثر، حسب إبداع المرأة، وقدرتها على الحياكة، وتطريز أشكال هندسية رائعة.

لكل حرفة مراحلها.. ماذا عن مراحل «البادلة»؟

تبدأ مراحل «البادلة» بـ«البيت»، الذي ينسج أولاً، وعند الانتهاء منه تنسج «النثرة» من دون الفصل بين النسيجين. بعدها «القيطان»، وهو أنواع عدة، مثل: السلسلة أو «البوراس»، بحسب عدد خيوط الخوص. أما «البادلة» العربية، فلا تُنسج لها حاشية، إنما تتكون من «البيت» فقط في المنتصف، وفيه خوصة أو خوصتان أو أكثر، وكلما ازداد عدد الخوص كبر حجم «البادلة».

مهارة.. وإبداع

هناك تاريخ ممتد لـ«البادلة» مع الأزياء التراثية في الدولة.. أخبرينا عن ذلك!

تأتي حرفة «البادلة» ضمن صناعة «التلي»، الخاصة بالمشغولات اليدوية التي تميزت بها الإماراتية، وكانت قديماً تصنع من أسلاك الفضة الأصلية، التي تجلب من الهند، حيث ارتبطت بكبار القوم والتجار والميسورين، وكانت صناعتها تتطلب مهارة وإبداعاً في التطريزات والأشكال الهندسية، وهذا ما كان يميز أزياء المرأة قديماً؛ إذ كانت دائمة الحرص على مظهرها وأناقتها، من خلال حياكة زيها الخاص بيديها. وبمرور الزمن، قامت المرأة بتطوير تصاميمها، انسجاماً مع خطوط الموضة، فقد تميزت ملابسها بالبساطة، وذوقها الرفيع، وتناسق ألوانها.

  • التجديد في وقتنا الحالي

الكثير من الحرف دخلها التجديد في وقتنا الحالي؛ فهل تأثرت «البادلة» بذلك؟

نعم تغيرت، فقد دخلها الكثير من الإضافات والتجديد، وأصبحت تشكل مساحة واسعة للإبداع، من دون الإخلال بروحها الأصيلة. كما تشهد تجديداً في المواد المستعملة، حيث أصبحت تصنع من خيوط قطنية تُمزج مع أشرطة فضية لامعة. ويطلق على التطريزات والأشكال الهندسية العديد من الأسماء، مثل: «بوفتلة، وبو فتلتين، وبو ثلاث فتلات، وبونظارة»، وغيرها. كما تختلف كميات الخيوط المستخدمة في «التلي»، بحسب نوع «البادلة»؛ فهناك أنواع من «التلي» تحتاج إلى ست بكرات من الخيوط، إضافة إلى بكرة واحدة من الخوص. أما «البادلة» الصغيرة، فيتطلب صنعها ثماني بكرات من الخيوط، وبكرتين من الخوص. فيما تستخدم 14 بكرة من الخيوط، وأربع إلى خمس بكرات من الخوص؛ لصنع «البادلة» الكبيرة.

كيف يمكن الحفاظ على هذه الحرفة التراثية الأصيلة؟

يعمل الاتحاد النسائي العام على صون الكثير من الحرف التراثية، ومنها «البادلة»، من خلال مركز الصناعات التراثية والحرفية، ويجعلها في الصدارة خلال المهرجانات والمعارض، لحفظها ونقلها إلى الأجيال القادمة، إذ إنها لاتزال تعلن حضورها في جميع المناسبات الوطنية والدينية، لاسيما الأعراس؛ لتكون شاهدة على قصة كفاح المرأة، ومساهمتها في إعانة الأسرة، وصنع الجمال. كما نعمل في المركز على استقبال طلاب المدارس، ونستعرض أمامهم تلك الحرف التراثية، كذلك نقوم بزيارة المدارس؛ لنشر ثقافتنا، وتراثنا العريق.