«للناس في ما يعشقون مذاهب».. عبارة نرددها، دائماً، في إشارة إلى حالة الشغف بهواية ما، وجعلها ترسم خطوط حياتنا. ورغم تعدد الهوايات لدينا، فإن اقتناء الكتب يصب في القراءة والبحث والهوية الوطنية، وربما العالمية. فالكتب تنطق بما لديها من كنوز وحضارة وفنون وعمران وأمثال، وحكم تبقى عبر الزمان، كل هذا دفع الدكتور محمد عبدالله المنصوري ليكون أحد مقتني الكتب والمخطوطات الإماراتية النادرة، التي ترتبط بالتاريخ والعمران؛ فهو يرى أن المكتبة تؤسس لهوية وطنية.. «زهرة الخليج» التقت الدكتور محمد عبدالله المنصوري، الباحث في التاريخ والعمارة الإماراتية، ومقتني الكتب الإماراتية، فكان الحوار التالي:

  • الكتب شغفي، والمكتبة عالمي

كيف تعرف فعل الاقتناء، ومن أرشدك إلى أول كتاب؟

الكتب شغفي، والمكتبة عالمي الذي ساهم - بشكل أو بآخر - في تكويني، ودفعي إلى فن اقتناء الكتب، الذي يأتي بعد عملية من البحث والاختيار، ثم الاقتناء والاحتفاظ بالكتب ضمن مجموعات ثمينة. أذكر أن أول كتاب لفت انتباهي، وكان في مجموعة مقتنياتي، كان محتواه حول خطابات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في المجلس الوطني الاتحادي، وقد أصدرته وزارة الإعلام في ذلك الوقت. الكتاب كان هدية من أحد أقاربي عندما كنت في المرحلة الابتدائية، والصور التي كانت تعكس إنجازاً مميزاً للقائد في تلك الفترة ورئاسته للاتحاد، هي أكثر ما شدني إليه، ثم في مرحلة لاحقة عرفت أكثر أهمية هذا الكتاب.

شغف اقتناء الكتب.. حدثنا عن هذا من خلال البيت، والمدرسة، ومحطات حياتك المتنوعة!

لأن القراءة أحد أشكال السعادة الخالصة، فإنها دفعتني إلى اقتناء الكتب منذ أن كنت طفلاً، فقد كنت أبحث عن قصص الأطفال، والروايات البوليسية، ثم بدأت أبحث عن الكتب التاريخية، لاسيما تاريخ دولة الإمارات. أذكر دور أمي في ذلك، فقد شجعتني على القراءة، وشراء الكتب، وزيارة المكتبات. وفي المرحلة الجامعية، حينما كنت في جامعة الإمارات، دفعني تخصصي الدراسي (هندسة العمارة) إلى قراءة الكتب المتخصصة، والبحث عنها، لاسيما أن الإمارات كانت تشهد نهضة عمرانية مذهلة، وأصبحت أهتم بالهوية المعمارية، وأتعرف من خلال الكتب والمراجع إلى أهم المعماريين في العالم. حينها توزعت اهتماماتي بين كتب التاريخ، والتراث، إلى جانب الموروث العمراني في الإمارات، وبدأ شغفي برصد التحولات المعمارية في الدولة، التي ترتبط حتماً بما تشهده قبل قيام الاتحاد في فترة بدء اكتشاف البترول، الذي شكّل تحولاً مفصلياً انعكس على العمران وإنشاء المدن، ثم بدأ اهتمامي بالتاريخ بعد قيام دولة الاتحاد. ولا بد من فهم التاريخ الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي؛ لفهم التحولات العمرانية في الدولة. وبالتأكيد إن تغير المشهد العمراني ترافق مع جودة حياة ساكني المدينة والقرية، وهذا يعكس مسيرة مميزة في الدولة.

تبادل ثقافي

يقولــون: إن المكتبــة تؤســـس لهوية عالمية.. ما رأيك؟

نعم، لا شك في ذلك، فالمكتبة تؤسس لهوية عالمية، وتبادل ثقافي بين الحضارات، يقربنا من بعضنا بعضاً. أنا أتكلم، هنا، عن المكتبة الخاصة بكتب الإمارات، التي تحمل خاصية ارتبطت بتصنيف هذه الكتب، مثل تلك الكتب التي صدرت في الإمارات قبل قيام الدولة، وأصدرتها الجهات الحكومية في ذلك الوقت. والكتب التي صدرت في عقد السبعينات، الذي أرخ ووثق البدايات الأولى لقيام الدولة. ثم الكتب التي صدرت في عقدَي الثمانينات والتسعينات، والتحولات التي استمرت في التطور اقتصادياً واجتماعياً وعمرانياً. هذا التصنيف وثق لنهضة عمرانية، وتجربة فريدة، واتحاد قلما أن يوجد في العالم، ما يعكس هوية المكتبة الإماراتية، التي تفردت بهذا النوع من التحولات المفصلية في تاريخ الدولة.

لديك مكتبة عامرة تفيض بالتنوع المعرفي، كيف أخذتك القراءة إلى الكتاب؟

القراءة، فعلاً، أخذتني إلى الكتاب، وشغفي بالقراءة هو الذي أوصلني إلى الاقتناع بأن القراءة هي المفتاح لرصد تجارب الآخرين من الناحية العمرانية والمعمارية، وتخطيط المدن، والتصميم الحضري، والتصميم المعماري، كل هذا من خلال الصورة، ومن خلال توثيق هذه التحولات، فهو فعلاً أخذ بيدي وبتطلعاتي إلى اقتناء الكتب ذات الصلة بالإمارات. 

  • لديَّ كتب عن الدولة قبل قيام الاتحاد

الكتب التي تقتنيها تتنوع في معارفها وعلومها.. حدثنا عن ذلك!

هناك تصنيف لهذه الكتب، فلديَّ كتب عن الدولة قبل قيام الاتحاد، وكتب أصدرتها وزارة الإعلام في مسيرتها منذ مطلع السبعينات والثمانينات والتسعينات. وهناك كتب عن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والكتب المعمارية التي صدرت عن الدولة من جهات عدة، منها: وزارة الأشغال العامة، ودائرة الأشغال، وبلديتا دبي والشارقة، وكتب عن التاريخ العسكري، وعن الكُتاب والرحالة  العرب الأوائل، الذين مروا بالمنطقة خلال الخمسينات والستينات، ورصدوا جانباً مهماً من تاريخ هذه الدول، إضافة إلى كتب عن الشعراء الأوائل.

بدايات العمران

ما الفرق بين الكتب الورقية.. والإلكترونية؟

هذه تحولات مهمة؛ لأن القراءة أداة للمعرفة، سواء من خلال الكتاب الورقي أو الإلكتروني. لكن كيف نتعامل مع هذه التحولات؟.. في الحقيقة أرى أن الكتاب الورقي لايزال يعيش «عصره الذهبي»، ويظهر ذلك في معارض الكتب التي تقام محلياً وعربياً وعالمياً، والتي لاتزال تشهد إقبالاً يعكس الاهتمام بالكتاب الورقي. ورغم انتشار الكتاب الإلكتروني؛ فإن الكتاب الورقي لايزال «سيد الموقف»، من وجهة نظري.

هل هناك كتاب معين ترجع إليه دائماً، وتعتبره جزءاً من ذاكرتك؟

كثيرة هي الكتب التي أرجع إليها دائماً، خاصة التي وثقت بدايات العمران في الإمارات، والتي فيها صور عن بدايات التحولات المعمارية في الدولة، والكتب السنوية التي تصدرها وزارة الإعلام منذ السبعينات، فهي كتب مرجعية لي، ودائماً أعود إليها.

ما رأيك في ما حققته المرأة الإماراتية من إنجازات؟

اليوم، تتصدر المرأة الإماراتية المشهد، في الأدب، والبحث، والتاريخ. وقد سجلت حضوراً لافتاً في مسيرة الإبداع، وهذا مؤشر حقيقي إلى تطور المجتمع. تحتوي مكتبتي على تصنيفين مهمين: الأول هو الكتب التي صدرت عن سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية (أم الإمارات)، فقد حاولت أن أرصد وأجمع وأقتني كلَّ ما كُتب عن سموها منذ السبعينات وحتى الآن. أما الثاني، فهو ما صدر عن المرأة الإماراتية، سواء ما كتب عنها، أو ما أصدرته المرأة الإماراتية، فهذا توثيق مهم في مكتبتي.