ذكيّة، ومثقفة، وسيدة مجتمع من الطراز الرفيع، تقرأ كثيراً، تتابع آخرة صيحات الموضة، وتطورات العلم والطبّ، وأخبار المجتمع وعالم الأعمال. لكن، ها هي تعترف اليوم بأنها أخطأت في حقّ نفسها؛ فلم تنتبه إلى صحتها كما يجب. لم تُعرْ صحة عظامها الرعاية المناسبة، وتوقفت عن المشي بسبب كثرة انشغالاتها، فكسبت وزناً، ولم تبالِ بنسبة فيتامين (د) لديها. واستمرّت في ممارسة سلوكيات تؤذي العظام، وفقرات الظهر والرقبة. البارحة، استيقظت على ألم مبرح في أسفل الظهر، سرعان ما امتدّ إلى فخذ قدمها اليمنى. ظنت أن ذلك عارض سيمرّ، لكن الألم استمرّ، والفحوص وصور الأشعة بينت إصابتها بانزلاق غضروفي (طرف ديسك). حينها، أيقنت أن المعلومات الصحيّة، التي لطالما تابعتها بنهمٍ قد حذرتها مما قد يصيبها، لكنها - مثل كثيرين - ظنّت أنها بمنأى إلى حين السقوط في التجربة.. فماذا عن صحة العظام عند الكبار والصغار، وبدايات الديسك، والانزلاق الغضروفي؟

رئيس قسم جراحة العمود الفقري بجامعة بوسطن الأميركية، البروفيسور طوني تنوري، يبدأ شرح وصايا يفترض أن تصبح دستوراً: «أقلعوا عن التدخين، فالدخان الذي يتلف الرئتين يؤثر، أيضاً، في الشريان المتجه إلى الغضروف والديسك، ويؤدي إلى غلقه. انتبهوا إلى عضلات البطن والظهر؛ للحفاظ على توازن العمود الفقري؛ فكلما كانت عضلات البطن أقوى؛ كانت آلام الظهر أقلّ. مارسوا الرياضة الخفيفة مثل المشي، فهي أفضل علاج لآلام الظهر. وانتبهوا إلى الحذاء الذي ترتدونه أثناء المشي؛ فليكن مناسباً، ولتكن التمارين الرياضية تصاعدية؛ كي لا تؤثر في عظام الظهر». 

  • بدايات الديسك والانزلاق الغضروفي

لكن.. ماذا عمن أصيب لسبب ما بـ«الانزلاق الغضروفي»؟.. وماذا يُقصد - بدقة - بتعبير «الانزلاق الغضروفي»؟.. يجيب الدكتور طوني تنوري: «القصد هو أن المادة الجيلاتينية تخرج من الغضروف، وهناك نوعان من هذا الانزلاق: نوع أول يكون فيه الديسك الأساسي جيداً، غير أن الانزلاق الذي تعرض له الغضروف تسبب في الضغط على العصب. ونوع ثانٍ يكون فيه الديسك قد أصيب بالتفتت؛ عندها تستخدم دعامات اصطناعية مكان الغضروف، ويعاد تثبيت فقرات الظهر. وباتت تستخدم الجراحة الذكية بدل الكلاسيكية القديمة».

حينما نتقدم في السنّ؛ نتغيّر نفسياً وعضوياً. شيب وتجاعيد، وأيضاً خشونة في فقرات الظهر، ومزيد من الجفاف، وكلما نقص معدل السائل الموجود في تجويف المفاصل، أي الصمغ والجيلاتين، ازدادت الحالة سوءاً، وحدثت انزلاقات تؤدي إلى شد عصب العمود الفقري، واختناق الحبل الشوكي؛ ما يؤثر في جذور الأعصاب المتفرعة؛ فيشلها، ويمتد إلى الفخذين حتى أخمص القدمين، وقد تشتد الحالة فتصل إلى منع التحكم في المثانة، وعدم القدرة على المشي والحركة. 

آلام الصغار

والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا نرى أحياناً أطفالاً يعانون مشاكل في الظهر؟ 

يقول الدكتور طوني تنوري: «لا بُدّ من التمييز بين آلام الظهر عند الكبار والصغار؛ فآلام الظهر عند الفتيات قبل سن البلوغ غالباً تترافق مع التواء في سلسلة الظهر. والفتيات يعانين منه أكثر من الفتيان. على كل حال، هناك نقاط يمكن للأهالي التحقق منها؛ للتأكد مما إذا كان طفلهم يعاني حقاً آلاماً في الظهر، أهمها: إذا اكتشفوا أن أكمام القمصان التي يرتديها غير متوازنة، بمعنى أن يكون أحد الكمين أطول من الآخر؛ فقد يُشكل ذلك دليلاً على وجود التواء في أحد الكتفين. الاختبار الثاني، اطلبوا من طفلكم الانحناء إلى الأمام؛ فإذا بدا أحد جانبي الظهر أعلى من الآخر؛ فهذا يعني وجود عطب ما في العمود الفقري، وانحراف شبه أكيد. ويجب أن يراقب الأهالي أطفالهم بدقة، ويراجعوا الطبيب بسرعة؛ إذا تبيّن أيٌّ من الإشكاليات التالية: إذا لم تكن الكتفان على المستوى نفسه، وإذا كان السروال من جهة أطول من الثانية، وإذا كانت فردة الحذاء متآكلة من جهة أكثر من الثانية، وإذا كان كمّ القميص من إحدى الجهتين أقصر من الجهة الأخرى». 

لا داعي للذعر؛ في حال ظهرت مشكلة ما. لكن، لا بُدّ من اتباع توصيات لظهر ورقبة سليمين، ومتوازنين، وقويين، أبرزها: تصحيح طريقة الوقوف بركبتين مستقيمتين، وظهر مستقيم، وكتفين ويدين منبسطتين مستريحتين. أما في الصف، فيفترض أن يجلس الطفل ويضع اليدين والساعدين على الطاولة أمامه، ويجب أن تكون شاشة الكمبيوتر على مستوى نظره، وألا يحمل أكثر من 10% من مقدار وزنه، بمعنى إذا كان يزن أربعين كيلوغراماً؛ فيجب ألا يتعدى وزن حقيبته المدرسية الأربعة كيلوغرامات. 

نسبة مرتفعة

لنعد إلى نتائج الأخطاء التي تقترف في الصغر، ويحصدها الكبار آلاماً مبرحة في الظهر، والتواءات في الفقرات، وانزلاقات غضروفية.. فكيف يمكن التأكد من أن الألم سببه انزلاق غضروفي؟.. يجيب رئيس قسم جراحة العمود الفقري: «يشعر من يعاني الانزلاق الغضروفي بالألم البسيط، الذي غالباً يتطور تدريجياً ليزداد سوءاً. ويحتاج تشخيص الحالة إلى التصوير بالأشعة السينية، أو الرنين المغناطيسي. وقد يطلب بعض الأطباء فحوصاً عصبية، تعرف بـ(التخطيط الكهربائي)». 

لكن، ماذا لو ثبتت الإصابة؟.. الجيد في الأمر أن نسبة الشفاء تكون مرتفعة، ونادراً ما يلجأ الطبيب إلى التدخل الجراحي، ويكون ذلك في المراحل المتقدمة. يقول الدكتور تنوري: «إن الجسم قد يصلح نفسه بنفسه، بمعنى أن الديسك الذي يضغط على العصب مسبباً آلام الظهر، قد يعود ويجف؛ فيخف الضغط على العصب، ويتحسن الألم. فالديسك مثله مثل الإسفنجة، مملوء بالمياه بنسبة تزيد على 90%، ومثلما تجف الإسفنجة تدريجياً، كذلك قد يجف الديسك، ويخف الالتهاب، ويتوقف الألم. ومن الضروري أن يعرف من يعاني آلام الظهر أنه (ليس دائماً آخر الدواء الكيّ)، بمعنى أن العمل الجراحي ليس دائماً الحلّ الأخير. أما إذا لم ينفع الدواء، وكان لا بدّ من التدخل الجراحي؛ فهناك الجراحة الذكية، التي تقوم على التدخل البسيط من خلال شقوق وأسلاك صغيرة. لكن، رغم كل التقنيات الجديدة، فما يُوصى به كل واحد منا، هو وجوب الانتباه المبكر، وعدم تحميل العظام أكثر من طاقتها؛ لأن الوقاية تبقى على الدوام خيراً من العلاج، مهما كان نوعه». 

  • أشعة الشمس المباشرة

5 أسئلة.. وأجوبة  آلام الظهر.. و«السترتشينغ»

1 - ما سبب «هشاشة العظام»؟

التقدم في العمر عامل أساسي، يضاف إلى ذلك عدم ممارسة الرياضة، كما أن الأجساد النحيلة تكون معرضة أكثر من غيرها. وتشير الدراسات إلى أن الإنسان يخسر نحو 30% من هيكله العظمي، قبل أن يصاب بأول كسر في الورك أو القدم. ويكون سبب هذا الكسر غالباً بسيطاً، ولا يتعدى مجرد التواء بسيط أو شبه انزلاق.

2 - هل تناول الكالسيوم يجعلنا في أمان من مشاكل العظام؟ 

تناول الكالسيوم وحده لا يفيد؛ إذا كان الجسم يفتقر إلى فيتامين (د)، لأن الجسم يحتاج إلى هذا الفيتامين لامتصاص الكالسيوم، الذي يحصل عليه من مصدرين، هما: أشعة الشمس المباشرة، والغذاء. أمر آخر لا تغفلوه، هو أن الإكثار من تناول الكافيين مضرّ؛ لأن هذه المادة تحث الأمعاء على إفراز “الأسيد”، الذي يحتاج بدوره إلى كميات تعادله من الكالسيوم، وبالتالي لا يعود الجسم قادراً على تخزين كمية الكالسيوم في العظام.

3 - كيف نحمي الطفل من مشاكل قد تطرأ، مستقبلاً، في الظهر والعظام؟

يفترض ألا يحمل الطفل حقيبته المدرسية من جهة واحدة، أي على كتف واحدة وبيد واحدة، بل يجب وضعها على الظهر، على أن تكون الربطتان مبطنتين وسميكتين، ويمكن الاستعانة بحقيبة الدواليب؛ لتخفيف الضغط قليلاً عن الظهر، وتكون الكتب والأغراض موضوعة بشكل متوازن داخل الحقيبة، من اليمين واليسار، وتكون الكتب الثقيلة في الوسط.

4 - ماذا يُقصد بالعمود الفقري؟

يتكون العمود الفقري من 33 فقرة، وتتكون الرقبة من سبع فقرات، وأعلى الظهر يتكون من 12 فقرة، وأسفل الظهر من خمس، والعصعوص من تسع فقرات.

5 - ما التمرين الذي يفيد الظهر، ويحميه من الألم؟

يحتاج الظهر إلى التمدد (السترتشينغ)، بمعنى أنه يجب وضع إحدى اليدين على البطن والأخرى على الصدر، وأخذ نفس عميق، بينما يقوم الشخص بنفخ البطن والصدر (على شكل شهيق)، على أن يعود وينفث الهواء من فمه. ويفيد جداً تكرار هذا التمرين ثلاث مرات على الأقل يومياً.