«سيدات غاف».. من القراءة إلى تأسيس مكتبة

ثلاث نساء جمعتهن القراءة، ورأين كيف أن جذورها تمتد عميقاً في النفس والذاكرة والعقل، وكيف يمكن لها أن تكون ظلاً لصاحبها، يقيه حرارة الحياة وتقلباتها، ويحميه من جحيم الجهل، تماماً كما تفعل «الغافة»، صاحبة العلو والظل الكبير، والجذور التي تمتد لأكثر من خمسين متراً في التربة، فقررن أن يكون الكتاب جامعهن

ثلاث نساء جمعتهن القراءة، ورأين كيف أن جذورها تمتد عميقاً في النفس والذاكرة والعقل، وكيف يمكن لها أن تكون ظلاً لصاحبها، يقيه حرارة الحياة وتقلباتها، ويحميه من جحيم الجهل، تماماً كما تفعل «الغافة»، صاحبة العلو والظل الكبير، والجذور التي تمتد لأكثر من خمسين متراً في التربة، فقررن أن يكون الكتاب جامعهنّ الأبدي، فأسسن مكتبة ودار نشر، تحملان اسم الشجرة التي استلهمن منها مهمتهن الثقافية (الغافة)، فكانت منشورات ومكتبة «غاف»، وليدة حبّ وشغف كبيرين بالكتاب، من تأسيس عفراء محمود، وأميرة بو كدرة، وبدور البدور.

  • استراحة المعرفة

ما قبل «استراحة المعرفة» و«المكتبة»

عن بداياتهن، قبل أن يلتقين حول طاولة النقاش في «استراحة المعرفة»، التابعة لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة في دبي، تخبرنا كل واحدة منهن بما كانت عليه حياتها قبل «غاف».. تقول عفراء: «بعد تخرجي في الجامعة انكببت على القراءة، فكنت أقرأ منذ الصباح المبكر حتى وقت الغداء، ثم أعود إلى القراءة بعد ذلك حتى وقت العشاء. هكذا كانت حياتي، وكان للكتابة نصيب قليل بين فترة وأخرى. لكنني كنت، حينها، على يقين أنه إذا كان يجب عليَّ أن أكتب، فيجب عليَّ أن أقرأ كثيراً قبل ذلك؛ لتكوين مخزون لغوي وفكري في ذاكرتي. بالإضافة إلى هذا، كنت أنشغل كثيراً بالعمل التطوعي، وحضور الجلسات الخاصة بالقراءة، حتى وصولي إلى (استراحة المعرفة)». 

أما بدور، فتحدثنا عن تلك المرحلة، قائلة: «منذ صغري، كنت أتخيل وجودي في مكتبة، وأن أكون جزءاً منها، أو أن أعمل لدى من يملك مكتبة، أو تكون لديّ مكتبتي الخاصة، أتحدث فيها عن الكتب، بالإضافة إلى بيعها، وأن تكون لدينا أيام خاصة نقرأ للأطفال فيها. كل هذا الخيال حينما كنت في المرحلة الإعدادية، كما أن بيتنا كان يحوي مكتبة كبيرة، فأبي قارئ، وإخوتي كذلك، ما جعلني أحب القراءة منذ الطفولة. بدأت بقراءة الشعر، الصعب الذي لا أفهمه، والسهل على فهمي، وبقيت على ذلك حتى زواجي، حينها قلّت قراءاتي. لكن، بعد أن كبر أطفالي، بدأت أنتبه إلى ما وصلت إليه في عالم القراءة (إدماني الأول)، فعدت إليها. وقد أوصلني إلى (استراحة المعرفة) تنقلي ذات مرة بين أروقة معرض أبوظبي للكتاب، حيث شاهدت ركناً لها، فأخذت فاصل كتاب معروضاً لديها، لكن بسبب كثرة تنقلي بين المدن، لم أتمكن من حضور لقاءات (الاستراحة)، وبعد استقراري في دبي، قررت الذهاب إلى هناك. بعدها اجتمعت مع عفراء، وشعرت بجو آخر للقراءة، ومناقشة الكتب، وواظبت بعدها على حضور الجلسات». 

  • قراءة كتب الأطفال

وعن ذلك، تقول أميرة: «أحببت الكتب منذ صغري، فقد كانت خالتي، دائماً، تحضر لي كتباً للأطفال من لبنان، حيث كانت تدرس هناك، وتقرأ لي منها، فتعلقت بالكتاب، كما أن والدي، رحمه الله، كان قارئاً، وأمّي تعمل مدرّسةً، فالكتب كانت تحيط بي، والغريب أنني انتقلت بنفسي من قراءة كتب الأطفال إلى كتب من يكبرونني عمراً، وكان أبي حينما يراني أقرأها يشجعني على ذلك، ويشرح لي ما يستطيع شرحه مما لا أفهمه فيها، كما كان يحدثني عن الشعر الجاهلي ومعلقاته، وفلسفة حياة الشعراء في ذلك الوقت، وكيف تأثرت أشعارهم بها. هذا كله ظل في ذاكرتي، ولم يفارقني. بعد انتهاء دراستي، أردت القيام بأمور تنفع الآخرين، وأن أساعد غيري، وأن أجعل حياتهم أجمل، لكن لم أكن أعرف الطريقة، وظلت الفكرة تراودني، لأنني لم أكن دخلت معترك العمل. بعدها، تزوجت، وأنجبت، وما زال حبي للكتب قائماً، لكنني بدأت أتخصص في قراءاتي. ففي كل مرحلة من مراحل حياتي أقرأ في موضوع محدد، وأكثف قراءاتي فيه، مثل: الموضوعات النفسية، والصحية، والعقلية، حتى التقيت بدور في أحد التجمعات الخاصة بزميلات الدراسة، بعد سنوات، فطلبت منها نصيحة تعينني على قراءة الروايات العربية، إذ كنت قد فقدت الثقة بالكتب العربية زمناً طويلاً، فرشحت لي ما جعلني أبدأ القراءة في هذا المجال، ثم عرفتني بـ(الاستراحة)، التي فيها كذلك تعرفت إلى عفراء». 

  • أمور تنفع الآخرين

بعد اجتماعهن في «استراحة المعرفة»، رأين أنهن، كذلك، يشتركن في عدم رضاهن عن الكتب، التي يصدرها عالم النشر؛ لذلك أردن خوض هذا الجانب لتحسينه، ففكرن في إنشاء دار نشر ومكتبة إماراتيتين، تكونان أفضل الأفضل، في مواجهة ما هو موجود على الساحة.

جذور «الغاف» الممتدة

لماذا اختيرت شجرة الغاف اسماً لدار النشر والمكتبة؟

الاسم جاء من فكرة جذور شجرة الغاف، التي تذهب إلى أبعد من خمسين متراً في الأرض، فنحن في «غاف»، نركز على الجذور الأدبية كبداية، لأن هذه الجذور هي التي ستقوي ما سيأتي بعدها من نتاج أدبي أو فلسفي أو علمي، فهي قاعدتنا الثابتة، ثم نكتشف بعدها الجديد. ونحن نرعى المواهب الحقيقية الجديدة في هذه المجالات، ونصدر لها كتباً، كما نعيد طباعة الكتب القديمة المهمة، التي نسيها الناس، واندثرت مع الزمن، ولم تتم طباعتها مجدداً، إحياءً لها، ولأصحابها. كما لدينا مخزون عربي كبير، أسس للعديد من العلوم الغربية، إذ انتقل إلى العالم الغربي عن طريق المراكز الثقافية العربية، مثل: جامعة غرناطة، ومكتبة الإسكندرية، وبيت الحكمة، والتي ما زالت مخطوطاتها باقية في المتاحف الغربية، وبعض الكتب التي كتبت وأصدرت فيها طبعت لمرة واحدة فقط، فأنشأنا «سلسلة جذور»، التي ستصدر قريباً لإعادة طباعة هذه الكتب، في المجالات المختلفة، وتقديمها بطريقة حديثة، وجاذبة للجيل الحالي.

  • «سيدات غاف»

ترجمة المنتج المحلي

هل هناك توجه إلى الترجمة باتجاهَيْها؟

نعم، التوجه موجود، وقمنا بشراء حقوق الترجمة من عدد من دور النشر، بوجهَيْها: الترجمة إلى اللغة العربية، والترجمة منها، خاصة ترجمة الأدب الإماراتي. لكن طريق الترجمة طويل وصعب، وبحاجة إلى دعم كبير. لأننا إذا بدأنا فيه، فسنجد صعوبة في التسويق بالعالم الغربي، لأن خطوط التوزيع والتسويق تختلف عن الموجودة في العالم العربي، وقد تواجهنا مشكلة الإقبال على ما تتم ترجمته، إذ إننا نلاحظ أن أكثر الذين يطالبون بالترجمة من العالم الغربي يطلبون موضوعات محددة، يودون الاطلاع عليها، في حين أننا نود تعريفهم بأمور أخرى يجهلونها، لنغير فكرتهم عنا، ونجعلهم أكثر اهتماماً بأدبنا المحلي، ونظن أن هذا الأمر موجود لديهم، لكنهم بحاجة إلى توجيه أكبر.

  • مبادرات قرائية

مبادرات قرائية

هل لدى «غاف» مبادرات خاصة بالقراءة.. داخل الدولة وخارجها؟

لدينا أكثر من مبادرة في «غاف»، بعضها نفذ خلال سنوات سابقة، مثل: مبادرة «كتابك إليك»، وهي مبادرة تُعنى بتوصيل الكتب إلى الدول، التي يصعب وصول الكتب إليها، ومنها: غزة، والعراق. في غزة، استطعنا توفير الكتب وتوزيعها - من خلال إحدى الصديقات - على المدارس، والجمعيات الأهلية، ومراكز الصم، وكانت مجموعة كبيرة من الكتب. أما في العراق، فواجهنا صعوبة في الشحن. وعلى المستوى المحلي، قمنا بمبادرة إحياء مكتبات المدارس في دبي، وأهدينا ثلاث مدارس مجموعة كبيرة من الكتب، وضعت في مكتباتها؛ ليستفيد منها الطلاب. كما سيكون لدينا جدول فعاليات خاص طوال العام، لورش ونقاشات عن الكتب المختلفة، ولن تكون الفعاليات اعتيادية، فاهتمامنا الأول هو أن نخرج منها بمنتج متميز في المستقبل.