في السنوات الأخيرة، شهدت دولة الإمارات تحولاً كبيراً في بنيتها الاجتماعية، ويرجع ذلك - بشكل كبير - إلى النمو السريع في استخدام التكنولوجيا. 

لطالما كانت الإمارات مثالاً يُحتذى به في التطور والتقدم. ومع التطور التكنولوجي السريع، شهدت البلاد تغيرات عميقة في طريقة التفاعل الاجتماعي بين أفرادها.

في الماضي.. كانت العلاقات الاجتماعية في الإمارات تقليدية بطبيعتها، حيث تركز على اللقاءات العائلية، والمناسبات الاجتماعية، والفعاليات الثقافية، وقد كانت هذه الأنشطة تعزز الروابط الأسرية، وتقوي الانتماء الثقافي. ومع الانتشار الواسع للإنترنت، والأجهزة الذكية، بدأت العلاقات الاجتماعية تأخذ منحى مختلفاً.

وقد أشارت هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية، في تقريرها لعام 2021، إلى أن عدد مستخدمي الإنترنت في دولة الإمارات بلغ 9.94 ملايين شخص. فيما بلغ متوسط الوقت، الذي يقضيه سكان الدولة في استخدام الإنترنت نحو 7.24 ساعات يومياً. هذا النمط الحديث من مفردات الحياة اليومية أحدث تغييراً كبيراً وملحوظاً في طبيعة وقوة العلاقات الاجتماعية في دولة الإمارات العربية المتحدة، فقد أصبحت منصات التواصل الاجتماعي، مثل: «سناب شات، وفيسبوك، وإكس، وإنستغرام»، جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية للعديد من الإماراتيين. 

هذه المنصات لا تقتصر فقط على التواصل مع الأصدقاء والعائلة، بل توسعت لتشمل الشبكات المهنية والتعليمية، وحتى الحكومية.

كذلك، جلبت هذه التكنولوجيات تحدياتها الخاصة، فأصبحت قضايا، مثل: الخصوصية، والأمان الإلكتروني، موضوعات مهمة، خاصة مع الزيادة الملحوظة في الاعتماد على الشبكات الرقمية للتواصل، كما أدى الاستخدام المكثف للتكنولوجيا إلى تغييرات في نمط الحياة، حيث أصبح الناس أقل تفاعلاً مع بعضهم بعضاً، وجهاً لوجه. فأصبحت رسائل «الواتساب» بديلاً عن الواجبات الاجتماعية في بعض الأحيان. وهنا أشدد على كلمة «في بعض» لأنها لم تصل بَعْدُ إلى أن تكون «كل» الأحيان. لكن دعوني أرصد معكم التحول الذي حدث.

قبل انتشار الهاتف كانت تأدية أي واجب اجتماعي تتطلب اللقاء وجهاً لوجه، حتى لو كلف ذلك الانتقال من مدينة إلى أخرى. ومع التحول التكنولوجي، اكتفى البعض برسالة على «الواتساب»، أو بتعليق على تغريدة، وهكذا غابت حميمية اللقاءات الاجتماعية. وما يجب أن ننتبه إليه هو أن «البعض» اليوم سيصبح «كل»، وتتحول الواجبات والعلاقات الاجتماعية - في غالبيتها - إلى سلوك افتراضي، وقد يكون ذلك مقدمةً لحدوث تغيير جذري في بعض مفردات التكوين الثقافي للهوية الإماراتية، ومهدداً للأمن الاجتماعي.

ومن المهم الإشارة إلى أن التكنولوجيا لعبت دوراً إيجابياً في تعزيز التواصل بين الأشخاص، الذين يعيشون في مناطق مختلفة من العالم؛ فقد سهلت التواصل عبر الحدود الجغرافية، ما سمح للمبتعثين بالبقاء على اتصال مع عائلاتهم وأصدقائهم في الإمارات.

كما أن هذا التطور ساعد كثيراً في سرعة ودقة الوصول إلى المعلومات، وهذا يساهم في التنمية المعرفية والنمو الثقافي، كما أن التحول الرقمي الحكومي، الذي حققت فيه الحكومة الإماراتية إنجازات فريدة، ساعد في جعل دولة الإمارات قوة جاذبة للاستثمار الاقتصادي، والشركات الدولية، والمستثمرين العالميين.

في النهاية.. يمكن القول بأن التكنولوجيا قد أحدثت تغييرات جذرية في العلاقات الاجتماعية بالإمارات، ومن الضروري أن تواكب المجتمعات هذه التغييرات بطرق تعزز التواصل والتفاعل الإيجابيين، مع الحفاظ على القيم الثقافية والتقاليد، التي تعد جزءاً لا يتجزأ من الهوية الوطنية الإماراتية.