كبرت وتربيت على زيارة جدتيَّ، فعطلة نهاية الأسبوع الخميس كانت لزيارة أمي مريم، والجمعة لزيارة أمي شيخة، وهما شخصيتان جميلتان مختلفتان، تعلمت منهما الكثير. 

أمي شيخة مثقفة وقارئة، في زمن كانت فيه أكثر الجدات أميات، إذ كانت تقرأ وتكتب، كما أن خطها كان جميلاً جداً، وأعتقد أن والدي تعلم الخط منها. ولكنني فوجئت ذات مساء، حينما قرأت بـ«الإنجليزية» من ملصق على هدية وصلتها، وحينها سألتها: أمي هل تعرفين «الإنجليزية»؟.. فأجابت بإيماءة، وأكملت قراءتها؛ لأعرف قدرتها على ذلك. 

جدتي كانت محبة للقراءة، فكانت تقرأ الجرائد والمجلات والكتب، كما كانت تطلب عناوين في مواضيع مختلفة، وكانت أيضاً تكتب الرسائل أو «الخط»، كما كان يُعرف باللهجة المحلية، لكل من تغرب زوجها للعمل في الخارج.

كانت تحب مشاهدة التلفزيون، وتحرص على متابعة آخر الأخبار، وأيضاً الأفلام العربية، خاصة الأفلام، التي تكون من بطولة إسماعيل يس. 

كانت تختم القرآن في 3 أيام، وعلمتني الحرص على الالتزام بالأذكار، وأهدتني الكثير من الكتب، ومنها كتاب ابن سيرين لتفسير الأحلام.

أذكر كم كانت كريمة وسخية، فكل الذين يزورنها يخرجون محملين بالهدايا، هذا عدا حبها لعمل الخير، ومساعدة المحتاجين. 

ومن الأمور التي كانت تستمتع بالقيام بها صنع العطور، وقد كان عطرها معروفاً، ويملأ أرجاء المكان، وكم تمنيت لو أنني تعلمت صناعته منها! 

وكانت لجدتي وصفاتها الخاصة للمأكولات المحلية، خاصة الحلويات التي تفضلها، فأفضل «خمير»، وأفضل «خنفروش»، ذقتهما في حياتي، هما «خمير»، و«خنفروش»، أمي شيخة رحمها الله. وكانت تصنع «البزار» (خلطة من البهارات، تستخدم في المأكولات المحلية، خاصة الأطباق الرئيسية)، وتوزعه على أبنائها وأقاربها، وكل من يعز عليها، وكم كنت سعيدة في ذلك اليوم، الذي أعطتني فيه أمي شيخة وصفة «البزار»؛ فكان مذاق الطعام به مختلفاً ولذيذاً. 

رحم الله من توفي من أجدادنا، وأطال في عمر من بقي منهم. وهنا، أتمنى مِنْ كل مَنْ له جد أو جدة على قيد الحياة، أن يدون كل ما يتعلمه منهما، ويوثقه للمستقبل، صحيح أنه لم يكن لي نصيب في تعلم خلطات أمي شيخة، وأختها عفرا، في صناعة العطور والدخون، لكنني ظفرت بخلطة «البزار».