نكبرُ، ونفتقد مع الزمن تفاصيل عميقة، وردت في التربية والأثر وتقاليد الوصل السماوي مع الذات. وتكبر معنا الخشية من فقدان الكثير من المعاني الحسية، في ظل العولمة والانفتاح على الثقافات، والهويات المختلفة.

لقد كان رمضان ولا يزال هو الشهر الجذاب لشعوب الأديان الأخرى، وأعرف شخصياً الكثيرين ممن دخلوا الديانة الإسلامية بعد تدبّر عميق في الفكرة الروحية للصيام الرمضاني، والخلوة الآسرة في ليالي السَّحَر، والتفاف الأسرة على المائدة، والتجمع والألفة والالتحام في صلاة التراويح، وأهازيج استقبال رمضان في الأيام العشر الأولى، وتراتيل وداعه في العشر الأواخر.. وغيرها من الأجواء الرحيمة المحببة والدارجة ضمن أركان الصيام والعادات والتقاليد السمحة.

إن لي وقفة حسية، هنا، مع طاقة الصيام، ومستقبل المعنى الروحي، الذي يتذوقه الصائم في نهار شهر رمضان الكريم.

قد لا نختلف حول أن الصوم في رمضان أكثر مدعاة إلى التدبر من الأيام الأخرى، ذلك أن الوعي الجمعي مركز في رمضان حول شعيرة الصيام، وهذا التركيز الجماعي من شأنه أن يُكبر من الحقل الطاقي للأرض، فتتوحد النفوس والأدعية والاهتمامات والنوايا الطيبة، وتتعزز في اللاوعي بذور الثبات على الامتناع عن الأكل والشراب، وسائر المفطرات، وفق الميقات المحدد، وحسب طبيعة كل بلدة وأرض.

لكن يبقى التساؤل دائراً: ما الأثر الروحي لرمضان؟ ولماذا بات مستقبله ذائباً في دائرة الغياب والتناسي، مكتفين فقط بالفكرة السطحية المادية (الامتناع عن الطعام)؟

يُعد الصيام وسيلة من وسائل التنظيف الجسدي من السموم المتراكمة عبر السنين، ووسيلة تحررية من الصدمات والمخاوف والأحزان والاكتئاب، وطريقة لفتح مسارات الطاقة في الجسد، بعد أن غلّقت التخمة تلك المسارات الطاقية.

الصيام تسهيل للدخول في عملية الخلوة والمحراب الروحي، عبر فتح أبواب التنفس الكامل، والصمت العميق، والتركيز على العالم الداخلي، وهو إحدى الرياضات الروحية التي درج عليها الكثير من الأديان القديمة، وثقافات الشعوب العريقة المتصلة بالكون، مع اختلاف الطرائق والطقوس والشعائر والمواقيت، والكثير من التفاصيل، إلا أن الجوهر باقٍ وخالد في كل الأعراف والأطياف، وهو المتمثل في السلوك القويم نحو السفر الداخلي؛ للوصول إلى بهجة الروح، عبر نشوةٍ عميقةٍ كامنةٍ في وصال الله.