تنطلق رحلة البحث عن السعادة من أعماق الذات، فتتفاعل معها الخبرات والتجارب، وتتأثر بتبادل العواطف والمشاعر مع الآخرين، وفي عالمٍ يعجّ بالتطورات والتحديات، تظل السعادة هدفاً، يسعى الجميع إلى تحقيقه بشتى الطرق والوسائل.

وبالتزامن مع اليوم العالمي للسعادة، التقت «زهرة الخليج» الدكتورة هند الرستماني، اختصاصية إماراتية في الصحة النفسية، وعضو في جمعية الإمارات للصحة النفسية للأطفال واليافعين، للغوص في أعماق فهم السعادة، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي فيها، كما نستكشف ما حققته الإمارات في هذا الصدد، مع تخصيص وزارة لها.

  • الدكتورة هند الرستماني

سلاح ذو حدَّين 

تزامناً مع يومها العالمي الذي يوافق 20 مارس.. هل ترسخ وسائل التواصل الاجتماعي مفهوم السعادة، وتعد مفتاحاً للفرح، أم أنها نافذة مؤقتة للسعادة؟

أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي نافذةً على العالم، حيث يستخدم ملايين الأشخاص منصات، مثل: «فيسبوك، وإنستغرام، وتيك توك»، للتواصل مع الآخرين، ومشاركة محتوياتهم، والتعبير عن أنفسهم. وبالتأكيد هذه الفوائد تُحدث أثراً إيجابياً للشعور بالسعادة، حيث يمكنها أن تُشعر الشخص بأنه أكثر ارتباطاً، وأقل عزلة، خاصة خلال أوقات التباعد الجسدي، أو التحديات الأخرى، إذ يمكن أن توفر مهرباً من ضغوط الحياة اليومية، وتصبح وسيلة استمتاع بالمحتوى الترفيهي.

 


هل يكمن السر الأساسي للسعادة في هذه الصفحات الرقمية، وهل يمكن أن يعكس مجرد «لايك»، أو «ريتويت»، حقيقة السعادة، التي يبحث عنها البشر؟

في الحقيقة هناك، أيضاً، العديد من المخاوف بشأن الآثار السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي في السعادة. على سبيل المثال، تم ربط استخدام هذه الوسائل بارتفاع معدلات الاكتئاب والقلق ومشاكل الصحة العقلية الأخرى، خاصة لدى الشباب. لذا، من المهم استخدامها بحذر، وتحقيق التوازن خلال وجودنا عبر الإنترنت؛ لضمان بقاء هذه الوسائل قوة إيجابية في حياتنا، بدلاً من كونها مصدراً للتوتر والتعاسة، وعلينا أن نتذكر أن أعظم ما يمكننا تحقيقه هو الحب والتقدير والتواصل الحقيقي.

كيف ترين مستوى السعادة في الإمارات، خاصة مع وجود وزارة لها؟

حافظت دولة الإمارات العربية المتحدة على مركزها بالمرتبة الأولى عربياً، للعام السادس على التوالي، في تقرير السعادة العالمي لعام 2020، وواصلت تقدمها عالمياً، متفوقة على العديد من الدول والاقتصادات المتطورة، في التقرير العالمي الذي يصدر سنوياً عن شبكة حلول التنمية المستدامة، التابعة للأمم المتحدة. وتضمن تقرير هذا العام لأول مرة مؤشراً خاصاً، يصنف مستويات السعادة على مستوى المدن، من خلال تقييم الأفراد لحياتهم بشكل عام، وقد شمل 186 مدينة حول العالم، وحلت مدينتا أبوظبي ودبي بالمراكز الأولى عربياً، كأكثر المدن سعادة. وعند استبيان آراء المواطنين حول تقييمهم للحياة بعد خمس سنوات، بلغ متوسط نتائج إجاباتهم 8.3 نقاط (من 10 نقاط)، لتكون بذلك من أعلى النتائج عالمياً، ولتدل على أن الإماراتيين متفائلون بالمستقبل، حيث يساهم مؤشر السعادة في إيجاد مجتمع أفراده أصحاء ومنتجون. 

  • توازن نفسي

توازن نفسي

كيف يمكن تحقيق التوازن النفسي في ظل الضغوط المحيطة بنا، في محيط العمل أو الأسرة أو مسؤوليات الحياة؟

يعيش الإنسان بطبيعته، في صراعٍ دائم مع الحياة، منذ لحظة ولادته، وحتى نهاية رحلته على الأرض. لكن، الأهم من ذلك كله، كيفية تقبله لهذه الضغوط، والتكيف معها، وتطوير نفسه لإحداث مرونة داخلية تؤهله لمواجهتها. وليس بالضرورة أن تكون هذه الضغوط سلبية، فقد تصبح دافعاً إلى النجاح، والبحث عن الأفضل، وتصبح الضغوط سلبية حينما تؤثر في حياة الإنسان، وتعيق تقدمه في الحياة، ويصبح عاجزاً عن الإنتاج والتقدم وتحقيق أهدافه، لهذا فإن مواكبة التغيرات أمر مهم، والموازنة في حياتنا تشمل: العمل، والأسرة، والمجتمع، وتحقيق الذات، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم التركيز على جزء دون آخر، ما يؤدي إلى خلل في التوازن، ويجد الإنسان نفسه أسيراً لعقبات وتحديات تحتاج إلى وقفة وتأمل. 

حدثينا عن تأثير التربية في صحة الطفل النفسية، وانعكاسها عليه في الكبر!

لا شك في أن السعادة الزوجية تؤدي إلى تماسك الأسرة، وتوفر مناخاً يساعد على نمو الطفل، وتأسيس شخصية متكاملة ومتزنة، فالعلاقة السوية بين الوالدين تُشبع حاجات الطفل العاطفية والنفسية، وتوازن الحياة الأسرية يساعد على التربية السوية. أيضاً، لا يمكننا أن نغفل عاملاً مهماً جداً، هو تركيبة الأسرة التي تغيرت مع السنوات، فتحولت من «الأسرة الممتدة» إلى «الأسرة النووية»، التي لها تأثير بشكل أو بآخر في نفسية الطفل. لذلك، من المهم أن تعي الأسرة هذه المتغيرات، وأن يكون لديها استعداد لمواجهتها؛ لمساعدة الأطفال وحمايتهم؛ ليكبروا في جو صحي. وقد حققت الإمارات قفزات نوعية في خدمات الصحة النفسية. 

ما الذي دفعك إلى افتتاح عيادة نفسية، بعد سنوات من العمل في المجال نفسه؟

كان افتتاح عيادة نفسية حلماً يراودني منذ أن تخصصت في هذا المجال، وبعد أن اكتسبت سنوات من الخبرة به. رؤيتي في تأسيس عيادة للصحة الشاملة تكمن في تقديم الرعاية الصحية بمكان آمن، تحيطه الخصوصية والسرية، ما يمنح حيزاً للشفاء والتعافي. لذلك أطلقت عليها اسم عيادة «أمان للعافية»، وبالتأكيد نلتزم بأعلى المعايير القانونية والأخلاقية في تقديم خدماتنا، ونسعى إلى تقليل «الوصمة» المرتبطة بالصحة النفسية، ونشر الوعي، والتثقيف الصحي الشمولي، والتركيز على أهمية تلقي العلاج النفسي. 

كيف ينظر الأفراد إلى عيادات الصحة النفسية.. وما مدى الوعي بأهمية اللجوء إلى طبيب نفسي اليوم؟

ساهم وجود عيادات الصحة النفسية في تقليل «الوصمة» المنتشرة عن الصحة العقلية، وأصبحت هذه العيادات مراكز مفتوحة لطلب المساعدة، ويساعد في ذلك التأكيد على الخصوصية والسرية في التعامل مع الأفراد، وكذلك قدرة التشريعات والقوانين الصادرة من الدولة على حماية حقوق الأفراد في طلب العلاج. كما ساهم تطور علم النفس، وتفرعه إلى تخصصات عدة، في تقليل «الوصمة» المرتبطة بالصحة النفسية، فهناك الطبيب النفسي، والمعالج النفسي السريري، والمرشد النفسي، والمرشد الاجتماعي. وقد حققت الإمارات قفزات نوعية في مجال توفير خدمات الصحة النفسية، وسهولة الوصول إليها من قبل شرائح المجتمع كافة، عبر مجموعة من الإجراءات والسياسات والمبادرات النوعية، فضلاً عن إطلاقها السياسة الوطنية لتعزيز الصحة النفسية والحلول الرقمية في هذا المجال.

نصائح لتحقيق السعادة

• من الضروري أن يقيّم الفرد نفسه، ويعي مدى الوقت الذي يقضيه أمام وسائل التواصل الاجتماعي، ويبدأ في ترتيب أولوياته، وتنظيم وقته.

• تجنب تصفح هذه الوسائل قبل النوم، وخلال ساعات العمل، والتوقف عن التفكير المفرط في الأخبار السلبية.

• تعزيز التواصل الحضوري، وبناء العلاقات الاجتماعية، من خلال ممارسة الهوايات والأنشطة الرياضية.

• الحكمة تقول: «العقل السليم في الجسم السليم»، فعلينا تقبل المصاعب، والعمل على مواجهتها لإيجاد مرونة داخلية، تساعد في مواجهة الأصعب، ثم الصعب. 

• الانتباه إلى تقلبات المزاج والعصبية، والبحث عن الأسباب التي تؤدي إليها، ويجب طلب المساعدة من المقربين أو الخبراء عند الحاجة إلى ذلك. 

• يجب البحث عن اهتمامات وهوايات جديدة، والارتباط بأشخاص يتمتعون بالإيجابية؛ لتعزيز الصحة النفسية.