دارين شبير: كاظم الساهر «حالة خاصة».. وتعاوننا حلم تحقق

أن تكتب الشعر؛ فمعنى ذلك أنك تفتح باباً على الحياة والإنسان، وكل ما يحيط بهما من أسئلة، وأن تدخل عالماً من الجمال، وقراءة العلاقة بين الرجل والمرأة، من خلال تيمة الحب. لكن أن يُغنى الشعر، وأن تحمله أصوات وصلت إلى كل بيت عربي، فهنا نقف ونقول: كيف استطاعت الشاعرة الفلسطينية، دارين شبير، أن تدخل هذا ال

أن تكتب الشعر؛ فمعنى ذلك أنك تفتح باباً على الحياة والإنسان، وكل ما يحيط بهما من أسئلة، وأن تدخل عالماً من الجمال، وقراءة العلاقة بين الرجل والمرأة، من خلال تيمة الحب. لكن أن يُغنى الشعر، وأن تحمله أصوات وصلت إلى كل بيت عربي، فهنا نقف ونقول: كيف استطاعت الشاعرة الفلسطينية، دارين شبير، أن تدخل هذا العالم من خلال القصيدة، وأن يتغنى بأشعارها «قيصر الغناء العربي» كاظم الساهر، الذي غنى لنزار قباني، وكريم العراقي، والسياب، وآخرين. واليوم، يتغنى بكلمات لشاعرة استطاعت أن تكتب، بصوت الرجل والمرأة، أغاني تصل كلماتها إلى القلب مباشرة، ولا شك في أن الصوت يحمل النص مع الموسيقى، فيصل إلى قلب المستمع، وهذا وحده إنجاز للشاعرة..

حول خصوصية التجربة، كان لـ«زهرة الخليج» هذا الحوار مع الشاعرة الفلسطينية:

في ألبومه الجديد، غنى «قيصر الغناء العربي» قصيدتين من كلماتك.. صفي لنا شعورك عندما علمتِ بذلك!

كاظم الساهر بالنسبة لي حالة خاصة جداً، والتعاون بيننا كان حلماً كبيراً وضعته نُصب عينيّ، وسعيتُ إليه حتّى تحقّق. واختياره أول قصيدة لي «لا تسألي» أسعدني كثيراً، فهو بمثابة تكريم من كاظم الساهر (الشاعر) للسنوات التي قضيتُها في تطوير نفسي وأدواتي الشعرية، واعتراف صريح من «قيصر الأغنية العربية» بتميز المضمون الذي أقدمه، فهو فنان لا يقدم إلى جمهوره إلا أعلى مستويات الجودة. وزادت سعادتي حينما تواصل معي مرة أخرى، وطلب مني نصاً شعرياً يتشابه في عمق إحساسه ومعانيه مع بعض الأغنيات القديمة، التي قدّمها عمالقة الفن والغناء، فكان النتاج قصيدة «رقصة عمر».

  • دارين شبير

كيف كانت الأصداء بعد إطلاق الأغنيتين، وما تأثيرهما في الجمهور، وهل قدّم كاظم الساهر القصيدتين بالمستوى الذي يرضيكِ؟

ما قدّمه «القيصر» فاق جميع توقعاتي، فقد تداخل بإحساسه ومشاعره مع الكلمات بطريقة لا يمكن تخيُّلها، وقد أضاف الكثير إلى القصيدتين. ففي «لا تسألي»، لا يمكن لأي شخص أن يتجاوز «بحّة» صوته الجريح على طول القصيدة. وفي «رقصة عمر»، شعرتُ بأن روحه هي التي تغني. وأقولها، بصدقٍ وأمانة، إنّ كاظم الساهر يكون حريصاً على القصيدة أكثر من الشاعر نفسه، ويتابع جميع التفاصيل بنفسه، وهذا سر بريقه الذي لا يخبو. وفي ما يتعلق بأصداء العملين، كانت للجمهور الكلمة الأولى في ذلك، وتصلني يومياً مئات الرسائل، التي تشيد بالأغنيتين، وأنا سعيدة جداً بنجاحهما.

هل يعزز اختيار كاظم الساهر من قصائدك مكانتك كشاعرة؟

وإلى أي درجة يصل الغناء حاملاً الشعر بالصوت والموسيقى إلى الجمهور الواسع؟ العلاقة بين الغناء والشعر تسير في اتجاهين، فلطالما كان الشعر داعماً للغناء، والعكس. بالنسبة لي، تعززت مكانتي كشاعرة بجهودي المتواصلة، والسعي الدؤوب لترك بصمتي الخاصة في عالم الشعر. لكن، بلا شك، زادت هذه المكانة تعزيزاً بانتقاء «القيصر» من قصائدي، فساهم ذلك في إيصال كلماتي وأشعاري إلى شريحة واسعة من الجمهور، أولاً لكونه «القيصر» بإبداعه اللامتناهي، وثانياً لجمالية الكلمة حينما تعانق الإحساس والصوت والموسيقى.

إشادة.. ودافع

كتب لك كريم العراقي على الغلاف، وغنى كاظم من كلماتك.. يبدو أنك تقتربين من «الهوى العراقي»، لماذا؟

أودُّ، أولاً، أن أعبِّر عن حزني الشديد لرحيل الشاعر الكبير كريم العراقي، الأستاذ والصديق والقامة الشعرية البارزة في وطننا العربي، وكلمته على غلاف ديواني الشعري الأول كانت تقديراً كبيراً، حصلت عليه في بداية مشواري، فإشادته بقصائدي كانت دافعاً لمواصلة مسيرتي، فهو الشاعر الذي كنت أقرأ له منذ طفولتي، وكبرتُ على أشعاره وإحساسه العالي. كما أنّ غناء كاظم من قصائدي زاد معرفتي بذائقة الجمهور، وأوصلني إليه. وفي ما يتعلق بـ«الهوى العراقي»، فألف قبلةٍ على جبين عراق الثقافة والفن والإبداع والحضارة الإنسانية، لأنني أرى الإبداع العراقي حالة استثنائية خاصة جداً في عالم الفن.

  • الصوت هو الإحساس والحالة الشعورية

إنصاف.. وغرور

ما تعريفك للصوت، ولماذا تكتبين بصوت الرجل، وهل يحتاج منك إلى الكتابة بصوته؟

الصوت هو الإحساس والحالة الشعورية، التي يصل إليها الشاعر لحظة الانهمار شِعراً. في أكثر من قصيدة، تحدثتُ بلسان الرجل، لسببين: الأول: لكي أُنصفه كما أنصف المرأة. والثاني: لكي أُشبِع غروري كامرأة، وأرسل إلى نفسي والنساء رسائل ومشاعر نود دائماً سماعها، وأسراراً نرغب في أن يبوح الرجل بها. وفي نهاية الأمر، أنا لست منحازة إلى المرأة أو الرجل، وانحيازي أولاً إلى الحب، وثانياً إلى الإنسان، رجلاً أو امرأة، حينما يهزمه الحب، أو يكسره الطرف الآخر.

هل أنت أسيرة الوزن والقافية، أم تفكرين في المضي نحو «قصيدة النثر»، التي تتداخل مع الفنون كافة؟

أكتب جميع أنواع الشعر، لكنني أدرك أن الشعر العمودي هو أساس الشعر العربي، وأصل كل أنواع الشعر التي أتت بعده؛ فالشاعر المحترف هو من يتقن الشعر العمودي أولاً، ثم يتنقل بين أنواع الشعر المختلفة، وفقاً للحالة الشعورية، التي تفرض عليه القالب الشعري الذي ينسج عليه.

«حين التقيتك عاد قلبي نابضاً».. هل تكتبين من الحب، أم من الألم والفقد، وإلى أي درجة تأخذك الكتابة إلى الحرية، إلى الحب، إلى المخيلة، وهل تكتبين من الواقع؟

«حين التقيتك» كانت ببداية مشواري في طريق القصيدة المغناة، وقد فقدتُ، حرفياً، السيطرة على هذه القصيدة التي انتشرت بين الجمهور «كالنار في الهشيم»، وفوجئت بالجماهيرية الكبيرة التي حققتها، والأصداء التي أحدثتها، حيث تجاوزت الـ70 مليون مشاهدة حول العالم، وأصبحت رفيقة المناسبات واللحظات الجميلة. وبخصوص الكتابة، أنا أكتب لأنني أشعر، فأكتب من الحب ولأجل الحب، ومن الوطن وإليه، ومن الغدر والخيانة والعبث اللامتناهي في العلاقات الإنسانية، أقسو وأطبطب، أثور وأنفعل، ثم أجيء حاملةً معي باقة ورد. أكتب في كل لحظاتي السعيدة والحزينة. أما علاقة الكتابة بالحرية، فالقصيدة سيمفونية متمردة، ربما تكتسب بعض خصائصها من البيئة والعادات والتقاليد، لكنها يافعة متحررة من كل شيء، وأحياناً من العقل نفسه!.. القصيدة ابنة الكاتب، التي ترفض الانصياع لعقله وقيوده في أغلب الأحيان، والحصان الجامح الذي تدربه، وتسعى إلى ترويضه على مدى سنوات.. لينتصر عليك في نهاية المطاف!

المدرسة الأولى

أهديتِ ديوانك الشعري الأول إلى الشاعر نزار قباني.. لماذا؟

لأنه كان، ولا يزال، مدرستي الأولى في عالم الشعر، فقد كبرتُ على أشعاره، ونشأتُ في بساتين إبداعه، وأكاد أحفظ جميع قصائده، فقد استهواني أسلوبه الشعري، وعدم اكتراثه بالنقد والنقّاد، وإكماله مسيرته الإبداعية، رغم كثرة الأصوات المعارضة. ورغم تحفظي على بعض المفردات، التي كان يستخدمها في شعره، والصور التي كان يأتي بها، فإن رصيده الإبداعي يشفع له، فما قدمه إلى الشعر أكبر بكثير من أن يتم اختزاله في بعض الصور أو المفردات.

من أخبرك بأنكِ «شاعرة أغنية»، وأخذ بيديكِ إلى هذا العالم؟

لا أصنّف نفسي بأني «شاعرة أغنية»؛ فأنا شاعرة الإنسان والحُب والوطن والتمرد على العبث. أنا شاعرة القصيدة أولاً وأخيراً. لكن سلاسة أسلوبي الشعري، وحرصي على انتقاء مفردات عميقة المعنى، وسهلة الفهم؛ جعلا أشعاري محببة إلى الناس وقريبة منهم. وقد اكتشفتُ، مؤخراً، أن أي شاعر ينتمي إلى مدرسة نزار قباني وكاظم الساهر يكبر وهو يحمل بيده قلماً ولحناً، وغالباً أسمع لحن القصيدة وأنا أكتبها، كأنها تخرج من أعماقي تتراقص على وقع النغم، فأستدعي اللحن، أحياناً، لتكتمل معي أبياتاً عصيةً على الانهمار، لكنني لا أكتب القصيدة بشكل خاص لتُغنّى.

القصيدة تكتبني

طقوس الكتابة.. أين تكتبين وكيف؟ وهل تشتغلين على النص حتى يصل إلى الصورة التي ترضيكِ؟

الكتابة، باختصار، حالة من الجنون، وطقوسي في الكتابة لا يمكنني وصفها؛ فأنا لا أقرر متى سأكتب، أو ماذا سأكتب، فقصيدتي هي التي تكتبني، وتملي عليّ ما تريد، ففي الشعر أتحرر من جميع القيود؛ لأن الشعر حالة إبداعية ترفض الانصياع لأي أوامر. أكتب أحياناً في المقهى، وأحياناً أخرى في البيت، وأغلب الأحيان توقظني قصيدة عنيدة متمردة في منتصف الليل، لأنها أبت إلا أن تولد والناس نيام!

كيف تنظرين إلى «المرأة الكاتبة»، وإلى أي درجة باتت اليوم تعبر عن نفسها بشكل حر؟

التحديات التي تواجهها المرأة في مجتمعنا كثيرة، فنحن في مجتمع شرقي قد تُفسّر فيه الأمور بشكل خاطئ، ولا تزال هناك مبدعات في مجالات الكتابة والشعر يتواصلن مع الجمهور من خلف ستار، ولا يستخدمن أسماءهن الحقيقية خوفاً من نظرة المجتمع. كذلك، هناك مبدعات يترددن في الكتابة عن جوانب معينة، ويحلقن في عوالم الإبداع خائفات من سياط النقد. وقد اجتزتُ هذه المرحلة، فأنا اليوم أمتلك جرأة الكتابة، وأعبر عما أريد بطريقة تحترم وعي مجتمعي وتقاليده؛ فأثناء الكتابة أستمع إلى عقلي وقلبي وضميري، ولا أفكر في القارئ أو الناقد، فلو فكرت فيهما لما كتبتُ سطراً في رواية، أو بيتاً في قصيدة؛ فساعتها فقط أفكر في الفوضى التي تجتاحني، وسيل المشاعر والأفكار الذي ينتابني.

  • أشعر في دولة الإمارات بأنني بين أهلي وعائلتي

الإمارات حضن دافئ

تعيشين في دولة الإمارات، فإلى أي مدى بلغ تأثيرها في دارين شبير.. شخصياً وأدبياً؟

أعيش بقلبين: أولهما تسكنه فلسطين، حيث هويتي وكينونتي وانتمائي. وثانيهما تسكنه الإمارات حيث الحضن الدافئ، والأرض الطيبة، التي ولدتُ فيها، ونشأتُ عليها؛ فأنا محظوظة بأن لي وطنين: الأول أهفو إليه، والثاني أعشقه. وطنٌ «أطبطب» على جراحاته، وآخر «يلملم» جراحاتي. فقد درستُ في مدارس الإمارات وجامعاتها، وقامت «مداد» بإصدار كتبي، وهي دار النشر الإماراتية التي آمنَتْ بي وبموهبتي، لذا أشعر في دولة الإمارات بأنني بين أهلي وعائلتي، ووجودي فيها أضاف إليَّ الكثير، وساهم في صقل إبداعي، حيث البيئة الداعمة للإبداع، والمكان الذي يفتح يديه للمبدعين، بغض النظر عن الجنسية، أو الشكل، أو اللون. 

بالتزامن مع اليوم العالمي للشعر.. ماذا تقولين؟

أقول:

«الشِّعرُ شِعري.. والشُّعورُ شُعوري 

والنقدُ زاد تَوهُّجي.. وغُروري

ومشاعري نارٌ تُؤجج أحرُفي

فتَرى القصيدَ مُجَسَّداً بِحُضوري

أتلومُ سيدةً تَدفَّقَ حَرفُها

فتَرقرقتْ كاللؤلؤِ المنثورِ؟!

دَعني أذوبُ بِعالَمي ومشاعِري

ولتغرق الدنيا بِكُلِّ بُحوري».